21-سبتمبر-2016

تأسست علاقة الأقباط بالسيسي على أساس كونه المخلص من حكم الإخوان (خالد دسوقي/أ.ف.ب)

لطالما كانت العلاقة بين الدولة والكنيسة القبطية في مصر علاقة صعود وهبوط، مرتبطة دومًا بالمنحنيات السياسية المتغيرة في مصر. والحقيقة أن التوصيف الأمثل لعلاقة الكنيسة القبطية بالدولة كونها الممثل الرئيس للأقباط بصفتهم أقلية دينية أمام الدولة، ولكنها في الآونة الأخيرة سعت أيضًا إلى الانفراد بتمثيل الواجهة السياسية للمسيحيين في مصر.

لطالما كانت العلاقة بين الدولة والكنيسة القبطية في مصر علاقة صعود وهبوط، مرتبطة دومًا بالمنحنيات السياسية المتغيرة في مصر

الكنيسة القبطية ما قبل "الضباط الأحرار"

بعد انتشار ما يُعرف بـ"الإصلاح الديني" وما قيل عنه تاريخيًا إنه "تجديد الخطاب الديني" على يد الأفغاني والشيخ محمد عبده، في العالم الإسلامي، كانت "مدارس الأحد" تخطو خطوتها الأولى، على يد حبيب جرجس والبابا كيرلس الثاني، لتواجه تيار الإرساليات التبشيرية البروتستانتية والكاثوليكية.

كان المصريون المسيحيون يمارسون الحياة السياسية مباشرة دون الحاجة إلى وسيط، كانت أهم قوى المعارضة تتمثل في حزب الوفد السياسي المعارض، الذي كان يعمل ضد حكومة النحاس باشا بقيادة مكرم عبيد، وكان هناك شاب متحمس، منتمٍ إلى "مدارس الأحد"، وشاعر يلهب حماس الجماهير بشعره الذي يهجو به حكومة النحاس وهو " نظير جيد"، الذي سيُعرف فيما بعد بالبابا شنودة الثالث، بابا الكنيسة القبطية، الذي أسماه مكرم عبيد وقتها بـ"شاعر الكتلة الوفدية".

اقرأ/ي أيضًا: العنف الطائفي في مصر.. تاريخ متجدد من الاشتعال

في دولة يوليو

ظهرت جماعة تسمي نفسها "جماعة الأمة القبطية"، كان هدفها إصلاحًا ثوريًا خارجيًا للكنيسة وليس من داخلها. كانت الجماعة القبطية، بقيادة إبراهيم فهمي هلال سنة 1969، وهي جماعة استخدمت شعارًا مشابهًا لجماعة الإخوان المسلمين، كأنها أرادت أن تقول إنها "المعادل المسيحي للإخوان المسلمين". وقد اعتبر البعض حينها أن جماعة الأمة القبطية "ثورة على نهج الإصلاح التقليدي"، أما الكنيسة فقد كانت ترى أن الإصلاح الذي تنتجه "الأمة القبطية" عنيفًا وغير عملي.

تطورت الأحداث، ووصل البابا كيرلس السادس إلى الكنيسة، وقد عقد علاقة صداقة مع جمال عبد الناصر. كان من الواضح وقتها ولاء الكنيسة لـ"دولة يوليو"، بقيادة عبد الناصر، الذي تولى تأمين وحماية أمن المسيحيين ومكانة البابا وضمن عدم التدخل في الشأن الداخلي للكنيسة.

لكن دولة يوليو لم تكن مرحبة بالعلاقات التجارية بين الأقباط المصريين والأجانب المقيمين في مصر وقتها، الأمر الذي أدى إلى موجات كبيرة من الهجرة بين الأقباط المصريين إلى الخارج، بالإضافة إلى خروج الكثير من الأجانب المقيمين في مصر دون رجعة، بسبب ما اعتبره البعض "عدم التسامح الذي أبدته حكومة الضباط الأحرار تجاههم" وقتها.

اقرأ/ي أيضًا: بابا الشعب أم بابا الأنظمة؟!

السادات والمواجهات بين الدولة والكنيسة

توفي كيرلس السادس وتساءل الجميع "من هو البابا القادم؟"، ثم تمت القرعة الهيكلية وكان اختيار البابا شنودة (نظير جيد) وخرج البابا من دير السريان ليكون "بابا الكنيسة القبطية"، وكان عنوان هذه المرحلة هو "المواجهة بين الكنيسة والسادات".

اصطدمت وقتها الكنيسة بأحداث الخانكة عام 1972 وقد كانت نقطة البداية في توتر العلاقات بين المسلمين والأقباط في مصر، وانطلقت شرارة تلك الحادثة بإزالة أهالي المنطقة المسلمين مبانٍ تابعة لجمعية اعتبروها تحولت إلى كنيسة دون ترخيص رسمي من السلطات.

وفي اليوم التالي، جاء إلى الخانكة ألف كاهن وقس في مسيرة وصفت بطابور استعراض عسكري وأقاموا قداسًا دينيًا، وخرجت الأمور حينذاك عن نطاق السيطرة بعد أن واجهها المسلمون بمظاهرة مضادة احتجاجًا على تصرف الكهنة، وقيام قبطي بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، الذين توجهوا بعد ذلك إلى منزل مطلق النار وأماكن أخرى للأقباط وأتلفوها. وقتها قال هيكل على لسان السادات إن "شنودة يلوي ذراعي ولن أسمح له بذلك"، فاقترح هيكل على السادات أن يذهب لزيارة الأزهر ثم البطريركية.

وفي نيسان/أبريل عام 1977، التقى البابا شنودة بجيمي كارتر، الرئيس الأمريكي السابق، فأثار ذلك حفيظة السادات، على الرغم من تأكيد البابا أنه لم يتطرق إلى أي ملفات خاصة بالشأن الداخلي المسيحي المصري لكن ردة فعل السادات كانت سريعة وحادة، وبعد شد وجذب تم تحديد إقامة البابا في الدير بوادي النطرون، ولم يتم الإفراج عنه إلا عام 1984.

في عهد الرئيس المخلوع مبارك

تحسنت العلاقات بين الكنيسة والدولة، في ذلك الوقت، وحاول مبارك تهدئة الأوضاع التي كانت "ملتهبة" مع الكنيسة، واستغلت الدولة الجماعات الإسلامية لضمان ارتماء الكنيسة في أحضانها طلبًا لحماية مصالح الأقباط، ووصلت الأمور إلى الحد الذي صرح فيه البابا قائلًا إن "جمال مبارك هو الأصلح لتولي الحكم بعد والده". ظهرت كذلك حركة "أقباط المهجر"، التي استخدمت كمحرك لمؤشر العلاقات بين النظام والكنيسة ورفعت شعار اضطهاد الأقباط وأشارت إلى تخاذل الدولة في السعي لضمان حقوقهم.

الثورة وما بعدها

كانت ثورة يناير مفاجأة غير منتظرة وغير محببة للكنيسة، فلم تستطع وقتها السيطرة على الشباب المسيحي الذي خرج في الشوارع والميادين

كانت ثورة يناير مفاجأة غير منتظرة وغير محببة أيضًا للكنيسة، حسب الكثير من المتابعين للشأن المصري، فلم تستطع وقتها السيطرة على الشباب المسيحي الذي خرج في الشوارع والميادين مدافعًا عن حقه في الثورة على مبارك وسلطته وحاشيته، كما رفض قطاع عريض من الشباب القبطي دعوات الكنيسة إلى عدم المشاركة في المظاهرات التي اجتاحت الشوارع في مصر.

أحداث كثيرة لعبت دورًا حينها في انفصال الشباب عن الكنيسة ومنها أحداث ماسبيرو، التي راح ضحيتها حوالي 15 شابًا مسيحيًا، وهكذا فشلت الدولة في احتواء الأقباط، أما في الانتخابات الرئاسية، فقد انتخب الأقباط شفيق في مواجهة مرسي، مرشح الإخوان المسلمين. كانت الأحداث الطائفية التي ازدادت وتيرتها في عهد مرسي قد شكلت نقطة تحول أخرى ودفعت الأقباط أكثر من قبل للعودة وللاحتماء بكنيستهم. وقد بدا ذلك جليًا في البيان غير المسبوق، الذي أصدره المجلس العام للأقباط والذي ألقى بالمسؤولية على الرئيس والدولة تجاه العنف الذي جرى أمام الكاتدرائية، وندد بسكوتهما على ما وصفه بـ"التواطؤ المشبوه لبعض العاملين بأجهزة الدولة التنفيذية تجاه حماية أبناء الوطن وممتلكاتهم ودور عبادتهم".

الكنيسة والسيسي

بدا الأنبا تواضروس، البابا الجديد للكنيسة، على تواصل جيد مع قيادات الجيش وخصوصًا مع عبد الفتاح السيسي لدى وصوله إلى السلطة. وقد تجلت قمة هذه العلاقة، التي تأسست على أساس أن السيسي هو مخلص الدولة من براثن الحكم الديني، في حشد، وصف بأنه طائفي بامتياز، قامت به الكنيسة لرعاياها في الولايات المتحدة إثر زيارة الرئيس الأخيرة لنيويورك للمشاركة في الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة. ولا تزال الكنيسة المصرية تظهر وكأنها حزب سياسي يحشد أعضاءه لأداء مهام سياسية، دون انتباه للمعنى الذي يصدره حشد كهذا للشارع المصري السياسي، وفي وقت كهذا، ترتفع فيه صيحات الاستقطاب أكثر من أي وقت مضى.

اقرأ/ي أيضًا:

أقباط السودان.. تعايش حذر

مذبحة ماسبيرو.. من يحمي الجيش من بطش الأقباط؟