28-يونيو-2019

عشقته الجماهير المصرية والعربيّة ولقّبته بأمير القلوب.. محمد أبو تريكة (Getty)

الحادي والعشرون من حزيران/ يونيو 2019، كل الأنظار تتجه إلى مصر في أمسية الجمعة من أجل متابعة حفل افتتاح كأس أمم أفريقيا، والذي كان مبهرًا حقًا وغير مسبوق في تاريخ المسابقة، كان مقرّرًا أن تستضيف الكاميرون البطولة، لكنّها استسلمت قبل الانطلاق بأشهر معدودة، فتصدّت مصر للمهمّة بنجاح، وأظهرت استعدادها التام لإقامة المسابقة، وأكّدت على ذلك بالافتتاح الأسطوري غير المشهود في القارّة السمراء.

تحدّت الجماهير المصرية عبد الفتاح السيسي بحضوره وهتفت لمحمّد أبو تريكة بالدقيقة 22 في لقائي الفراعنة أمام زيمبابوي والكونغو 

يا لها من دعاية استثنائيّة للدكتاتور عبد الفتّاح السيسي، والذي انقلب على الرئيس محمّد مرسي، كم كانت قلوب ملايين المصريين والعرب مفطورة بنبأ وفاة مرسي وهو قيد الاحتجاز في السابع عشر من حزيران/يونيو، وبعد ذلك بأربعة أيام فقط، يحاول السيسي أن يُنسي العالم ما ارتكبه بحقّ مرسي وعشرات آلاف المصريين بهذا الاحتفال الصاخبّ، علّ هذا الصخب يسحق بضجيجه آهات الثكالى وأنين آلاف المعتقلين في هذه الدولة البوليسية، جولة أخرى بعد جولات كثيرة يتفوّق بها الباطل على الحق في مصر، يصل الإنسان لمرحلة قصوى من اليأس والحيرة، تتلقّى مبادئه الراسخة التي أفنى شبابه من أجلها ضربة موجعة قد يصل مداها إلى إعادة التفكير بصواب الحق وبطلان الباطل، فما أصعب الغربة في الوطن، وكم هو قاسٍ أن يشرب الجميع من نهر الجنون.

اقرأ/ي أيضًا: صلاح القدوة VS أبوتريكة الأسطورة

أراد السيسي وزبانيّته من ضباط في الجيش المصري وإعلاميين معروفين بولائهم المطلق للديكتاتور استغلال حفل الافتتاح بكلّ الوسائل الممكنة، من أجل تحسين صورة البلاد خارجيًّا بما يخدم النظام الحاكم، فمن الطبيعي أن يحضر رئيس الفيفا جياني إنفانتينو حفل الافتتاح، كذلك الحال بالنسبة لرئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم أحمد أحمد، إضافة إلى نجوم اللعبة السابقين في القارّة، لكنّ الغائب الأبرز عن هؤلاء النجوم هو محمّد أبو تريكة، والذي عشقه الملايين بدرجة غير مسبوقة في تاريخ اللاعبين المصريين، الحب غير المحدود من قبل الجماهير الكرويّة جعله يكنّى بأمير القلوب، في وقت تسابقت به وسائل الإعلام المصرية على التنكيل به وكيل مزيد من الشتائم والصفات بحقّه كالإرهابي والأخواني الهارب، وهي ليست بالمرّة الأولى التي يتعرّض بها أبو تريكة لتلك المهاترات، لكنّ المناسبة هذه المرّة أتت بسبب موقفه الإنساني إثر نشر تغريدة له على موقع تويتر، نعى خلالها الرئيس الراحل محمّد مرسي، جولة أخرى للباطل على حساب الحق، أو هكذا يراها من بات وحيدًا أكثر من قبل، السلطة سرقت كلّ شيء وسخّرته لصالحها، الشغف الجماهيري باللعبة وبالمنتخب المصري، وتشويه أنقى رموز الكرة المصرية بشكل خاص والعربية بشكل عام، قبل أن يتلقّى الباطل ضربة قاضية من الحق، خربت كلّ ما تمّ العمل عليه طيلة الأشهر السابقة، بطريقة غير متوقّعة.

انتهى حفل الافتتاح، وأُعجب به جميع الحاضرين من كبار الشخصيات في العالم، وفي وقت ظنّ به السيسي وأعوانه أن الأمور حُسمت لصالحهم، صُدم الجميع بعشرات الآلاف من الحاضرين في استاد القاهرة الدولي الذي اكتظّ بأكثر من 75 ألف متفرّج، هتفوا في الدقيقة الـ22 من مباراة زيمبابوي ومصر باسم أبو تريكة، دقيقة كاملة يهتفون باسمه متحدّين وجود السيسي وكلّ أركان الدولة الأمنية ورجالاتها، أمام جميع الحضور من قيادات وشخصيّات مرموقة في هذا الكوكب. دمّرت الجماهير بدقيقة واحدة كلّ ما عمل عليه النظام المصري من أجل تحسين صورته، وطغى اسم أبو تريكة المغيّب عن الحضور على الرئيس الديكتاتور رغم حضوره، ترقّب الجميع ما إذا كانت الجماهير ستكرّر فعلتها في المباراة الثانية لمصر أمام الكونغو الديمقراطيّة بالجولة الثانية من البطولة، لأن عامل المفاجأة لم يعد موجودًا الآن، والعيون الأمنية ستراقب ملء جفونها من يفعلها في الدقيقة 22، والتي اختارتها الجماهير كونها تمثّل رقم قميص نجم مصر الأزلي أبو تريكة، وبالفعل، تكرّر المشهد وتحدّت الجماهير الجميع صارخة باسم أبو تريكة طيلة الدقيقة 22 من لقاء الكونغو الديمقراطيّة.

علم ذاك الإنسان المغترب في وطنه، الوحيد في قرية ظنّ أهلها جميعًا شربوا من نهر الجنون، أن شعوره بالعزلة كان مقصودًا من النظام المصري وأدواته الإعلاميّة والأمنية، وأن جولات الحقّ تكون قاصمة، وأدرك أن الجميع عاشوا بالتزامن معه مرارة اليأس والحيرة، ومفارقات أحقيّة الحق وبطلان الباطل، لكنّ شخصًا واحدا اسمه محمّد أبو تريكة فجّر وجودهم في غيابه، وأظهر حقيقة الطرف الذي سيبقى وحيدًا ومنبوذًا لدى الشعوب مهما فعل، بعكس من يملك القلوب ويخلّد كأمير لها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بيان تركي آل الشيخ.. أبو تريكة يصلح ما أفسده "بيبو"

هل يعود أبو تريكة إلى القاهرة؟