"بعد الخسارة التي منيت بها المملكة العربية السعودية وتدمير الرياض على يد أنصار الله، بدعم إيراني، يقود ولي العهد محمد بن سلمان القوات السعودية من مقر قيادته في مكان مجهول داخل المملكة، ويعلن احتلال طهران واعتقال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس". في الحقيقة، ما سبق مزيج غير مترابط لأحداث غير حقيقة، مصدرها فيديوهات من إنتاج إيراني وسعودي تعبيرًا عن "حرب الأنيميشن" أو الرسوم المتحركة التي تدق طبولها في المنطقة بين الجارتين.

أثار فيلم كرتوني دعائي من إنتاج سعودي، يبرز انتصار قوات سعودية بقيادة بن سلمان في إيران، سخرية واسعة من النشطاء على مواقع التواصل

آخر تلك المعارك الكرتونية كانت من نصيب المملكة، الوافد الجديد على تلك النوعية من الحروب، حيث استطاع للمرة الأولى محمد بن سلمان "الفوز عبر قوة الردع السعودية" وجاء الانتصار الكرتوني، في محاولة لتخفيف وطأة الخسائر المتتالية التي تلاحق ولي العهد في الداخل والخارج. وأنتجت المملكة، بشكل غير رسمي، فيلمًا دعائيًا شبه منقول من فيلم إيراني (تضمن هجومًا لجماعة الحوثي دمر العديد من الأماكن الاستراتيجية في المملكة دون أي تحرك سعودي).

وهو ما قلده السعوديون في فيلم "قوة الردع"، الذي انتهى باحتلال سعودي لإيران دون ظهور أي جندي إيراني، ماعدا قاسم سليماني الذي اعتقلته القوات السعودية. يذكر أن إيران تتميز عادة في مثل هذه الفيديوهات وكان لها عدة أفلام حول حرب بينها وبين إسرائيل ومعارك فضائية وكذلك حرب نووية.

بعد سلسلة من الفشل والخسائر المتكررة، أخيرًا ينتصر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (يطلق عليه نشطاء المعارضة السعودية على السوشيال ميديا اختصارًا MBS) على جارته إيران، من خلال توجهه لتقليد ما يفعله الإيرانيون، وكان ذلك الحل الأسهل لشخصية أمير صعد في ظروف غامضة، وهو إنتاج فيلم دعائي لتحسين صورته كوزير للدفاع وقائد محبوب يتمناه الجميع حتى الشعب الإيراني.

الفيديو من إنتاج صفحة علي يوتيوب باسم "قوة الردع السعودي"، ونشرته وسائل إعلام سعودية رسمية، وأشارت صحيفة الرياض إلى إنتاج شباب سعودي للمقطع وتدشين حساب على تويتر تحت اسم @saudi_S_Force، الفيلم موجود بالعربية والإنجليزية والفارسية والعبرية والتركية والإسبانية، والحساب الذي أنشئ في سنة 2013 لم يكن نشطًا في الإعلام الحربي أو الهجوم على إيران، ولكنه ينشر في بعض المرات أدعية وعبارات تنمية بشرية لا أكثر.

ويستعرض الفيلم، في نحو خمس دقائق، عبر الرسوم المتحركة، سيناريو لضربة عسكرية سعودية تنتهي بإنزال لقوات المظلات السعودية داخل طهران ودخول الدبابات السعودية وإلقاء القبض على قاسم سليماني، القيادي في الحرس الثوري الإيراني، وهو العسكري الإيراني الوحيد الذي ظهر في الفيديو.

ويبدأ الفيلم بمحاولة هجوم زوارق إيرانية على سفينة إغاثية سعودية، تتدخل على إثر ذلك قوات البحرية السعودية ويتم تدمير الزوارق ويتخذ الجيش السعودي خطوات مباشرة للهجوم على إيران، ويدمر مفعل مدينة بوشهر وقاعدة بدر الإيرانية ومواقع أخرى، عبر الطيران السعودي باستخدام طائرات متطورة، ثم يتطور الأمر لاستخدام منظومة الصواريخ الاستراتيجية المعروفة بـ"رياح الشرق"، وقرب نهاية الفيلم يحدث إنزال مظلي للقوات السعودية، وإنزال بحري وتدخل الدبابات السعودية لطهران ويسقط العلم الإيراني، وتخرج مظاهرات لتأييد ولي العهد السعودي.

اقرأ/ي أيضًا:  تخبط السياسات السعودية.. مادة للسخرية لولا كلفتها الدموية!

الفيلم من الواضح أنه يهدف لاستعراض قوة المملكة العسكرية وإرهاب أعدائها ومعارضيها في المنطقة، لكن ما حصل هو تحول التعليقات حول الفيلم للسخرية من بن سلمان وفيلمه الدعائي وطرح التساؤلات عن الواقع وموقف المملكة في حرب اليمن وغياب تلك المعدات والإنزال الجوي للجنود خلال مواجهات المملكة مع قوات الحوثي في اليمن.

وتفاعل النشطاء عبر هاشتاج #فيلم_قوة_الردع_السعودي، قال الأكاديمي العماني حيدر اللواتي: "لم نكتف بفزعات سنابية وفتوحات تويترية وانتصارات فيسبوكية حتى يأتي دور غزوات كرتونية، ماذا بقي ولم نجربه؟ إلى متى والأمم تضحك علينا؟ ارحموا أمة نبيكم!".

وانتقد حساب من المملكة الفيلم:" للأسف، تخيلات وفيلم كارتون لا يخدم بقدر ما يسيئ للملكة، هل خلت الإثباتات من المشاهد الحقيقية والاستعراضات البطولية والعسكرية للترسانة الحربية لدينا لنروج لفيلم كارتون بأسلوب سخيف وتضخيم العمل بشكل مبالغ فيه؟!".

تعليق على فيديو الكرتون السعودي

وذكر آخر: "السعودية تحقق ما عجزت عنه أمريكا وتسقط نظام ولاية الفقيه في إيران!! في الرسوم المتحركة طبعًا.. الحوثيون حفاة وبالخنجر والكلاشينكوف لم تقدروا عليهم، فماذا أنتم مع إيران فاعلون #اتغطو_وانتم_نايميين". ويسخر خالد عبد الآخر‏: "أصبح من الواضح بالسنوات الأخيرة أن هناك قناعة تكونت لدى آل سعود أن سلاحهم الوحيد الفعال المتبقي ضد إيران هو قتل الإيرانيين ضحكاً".

من ثغرات الفيلم الدعائي السعودي، غياب رد الفعل وعدم وجود جنود، بل فقط طائرات تقصف بسهولة، ثانياً تعديل شعارات كلا الدولتين وهو تقليد لما ورد في الفيلم الإيراني ضد المملكة.

وحاولت المملكة خلال الفيلم تقديم استعراض واسع لأسلحتها المختلفة من دفاعات جوية ببطاريات "الباتريوت" وطائرات الـ F15  والتايفون والدبابات الأبرامز الأمريكية والفرقاطات البحرية، وتعد المملكة من أكثر دول العالم إنفاقًا على التسليح، ووفقًا لبعض التقارير فإن القوات العسكرية السعودية تعد أكبر قوة عسكرية من حيث الميزانية في المنطقة والثالثة عالميًا ضمن قائمة الدول ذات الإنفاق الـعسكري المرتفع في العالم.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب جرائمها في اليمن.. ضغوط أوروبية لوقف بيع السلاح للسعودية

وقارب الإنفاق الدفاعي للمملكة في 2014 حاجز 81 مليار دولار أي نحو 10٪ من إجمالي الناتج المحلي الـسعودي، وبالرغم من تلك الميزانية والمعدات العسكرية إلا أن المملكة فشلت في الانتصار في اليمن، ولا تزال قوات الحوثي قادرة على إطلاق صواريخ  للعمق السعودي بالرغم من العملية العسكرية التي بدأت منذ نحو ثلاث سنوات.

خلال الفيديو الكارتوني، يظهر محمد بن سلمان في صورة الرجل الواثق من نفسه الجالس في مركز القيادة، يتابع عبر الشاشات انتصار قواته،  بالرغم من مخالفة ذلك للحقيقة فالأمير خسر جميع معاركه التي خاضها منذ تولي والده الحكم وتصعيده لمنصب وزير الدفاع في اليمن وإضافة إلى الجانب العسكري خسرت السعودية سمعتها الدبلوماسية وأصبح التحالف على لائحة الأمم المتحدة السوداء للدول والكيانات التي ترتكب جرائم بحق أطفال، ولم تستطيع المملكة حماية علي عبدالله صالح حليفها وتأمين خروجه من صنعاء قبل أن يقتل على يد مسلحين تابعين للحوثيين.

ليست اليمن وحدها التي تمثل فشل الأمير فهناك حصار قطر، وكذلك أزمة استقالة سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني، وفي الشأن الداخلي الخسائر الاقتصادية تتوالى إضافة إلى فشل رؤية 2030 الذي أصبح واضحًا للعيان، ومحاربة الفساد الذي تحول لنكتة بعد فضائح الإنفاق والترف الذي يعيش فيه الأمير.

يندرج فيلم "قوة الردع السعودية" في إطار محاولة لتخفيف وطأة الخسائر المتتالية التي تلاحق ولي العهد السعودي في الداخل والخارج

فشل الأمير محمد بن سلمان كان له رد فعل في تعليقات البعض على الفيلم الدعائي ومن أبرزها تلك التغريدة التي انتشرت بشكل واسع: "بدهم يحتلوا إيران بالأفلام، و#قطر بالأغاني و#لبنان بالخطف و#اليمن بالمرتزقة"، إضافة إلى تغريدات عديدة أخرى.

الهجوم الكرتوني المتبادل بين البلدين في واقع الأمر كانت بدايته من إيران عبر فيلم دعائي لـ"مجموعة فاطمة الزهراء" من خلال مقطع فيديو انتشر على اليوتيوب في كانون الثاني/ يناير 2016، تحت عنوان "حرب الخليج2" وباللغة الفارسية وفيه يحدث هجوم عسكري من أنصار جماعة الحوثي، بدعم إيراني، على المملكة يتم خلالها تدمير بئر غوار التابع لشركة أرامكو وكذلك قاعدة الملك خالد العسكرية والدفاع الجوي السعودي وبرج الفيصلية وبرج المملكة، ويعد أستوديو فاطمة الزهراء للرسوم المتحركة من الأسماء البارزة في الجانب الإيراني المشرفة على هذه النوعية من الأفلام الدعائية.

كما ظهر من قبل فيلم إيراني تحت عنوان معركة الخليج الفارسي2، ووفقًا لمصادر صحفية فإنه كان معدًا للعرض في دور السينما الإيرانية في شباط/فبراير السابق، وتدور أحداث الفيلم، الذي يبلغ نحو 88 دقيقة حول مواجهة عسكرية بين إيران والولايات المتحدة تنتهي بهزيمة الأخيرة. يذكر أن مخرج الفيلم صرح لرويترز "أنهم ليسوا مرتبطين بالحرس الثوري ولا يتلقون أي تمويل من الحكومة الإيرانية"، وأنه "أنتج أعمالًا أخرى تتحدث حول حرب بين إيران وإسرائيل أو إيران والولايات المتحدة.

 

 

كلها أفلام تؤكد الصراع المتصاعد والأزمات المتتالية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، وتلبي على ما يبدو رغبات قادة الدول المتصارعة في القضاء على بعضهم، حتى وإن كان عبر الخيال والرسوم وأفلام المحاكاة، صراع يقود إلى فنون حرب ووصل بالمنطقة إلي حد الجنون.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تقرير أممي: التحالف السعودي متورط في دماء أغلب الأطفال الضحايا باليمن

هل ينسحب المغرب من التحالف السعودي مع تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن؟