18-أغسطس-2017

يتحمل التحالف السعودي مسؤولية الجزء الأكبر من الضحايا الأطفال في اليمن (محمد عويس/ أ.ف.ب)

كأنّ السعودية كانت تنقصها فضيحة أُخرى تُضاف إلى ملف فضائحها المتوالية، بعد أن تسرّبت مسودة تقرير للأمم المتحدة يُلقي بالمسؤولية الأولى على التحالف السعودي في اليمن، عن سقوط الجزء الأكبر من الضحايا الأطفال، وذلك وفق تقرير نشره الموقع الإلكتروني لمجلة فورين بوليسي الأمريكية، ننقله لكم مترجمًا.


ذكرت مسودة تقرير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بأن التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية في حربها باليمن، ارتكب "انتهاكات جسيمة" لحقوق الإنسان ضد الأطفال في العام الماضي، الذي شهد مقتل 502 طفل وإصابة 838 آخرين.

وفقًا للأمم المتحدة، فقد تسببت الغارات الجوية للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية، في مقتل ما لا يقل عن 349 طفلًا في اليمن

وقد جاء في مسودة التقرير، الذي يتكون من 41 صفحة، والذي حصلت عليها مجلة فورين بوليسي، أن "قتل وتشويه الأطفال لا يزال أكثر الانتهاكات انتشارًا ضد حقوق الطفل في اليمن"، كما ورد فيه أيضًا أن "الهجمات التي شُنَّت جوًا كانت السبب الرئيسي؛ لوقوع أكثر الضحايا من الأطفال، والتي بلغت على أقل تقدير 349 قتيلًا و333 مصابًا من بين الأطفال، وذلك خلال الفترة التي شملها التقرير".

اقرأ/ي أيضًا: 8 عجائب من الحرب اليمنية

وتحاول السعودية وحلفائها، منذ مارس/آذار 2015، وبدعم أمريكي، إجبار المتمردين الحوثيين على ترك السلطة في اليمن. لكن الهجمات الجوية التي ينفذها التحالف السعودي، واجهت انتقادات شديدة، إذ كانت سببًا في مقتل آلاف المدنيين وتمدير البنية التحتية والتراث العمراني للبلاد. 

وأشارت فرجينيا غامبا، المعدة الرئيسية لمسودة التقرير السري، والممثلة الخاصة للأمين العام بشأن الأطفال الذين تعرضوا لانتهاكات أثناء الحروب، بأنها تعتزم التوصية بإدراج التحالف الذي تقوده السعودية، ضمن قائمة الدول والكيانات التي تقتل وتشوه الأطفال، وذلك حسبما أفاد مصدر رفيع المستوى. وسوف يتعين على الأمين العام أنطونيو غوتيريس، الذي سينشر النسخة النهائية من التقرير في وقت لاحق من هذا الشهر؛ أن يتخذ القرار بشأن التقرير.

وجدير بالذكر أن طيران التحالف الذي تقوده السعودية، كان المسؤول الرئيسي، عن سقوط الجزء الأكبر من ضحايا الأطفال، وهو 683 طفلًا، فيما تسبب المتمردون الحوثيون، في مقتل أو إصابة 414 طفلًا. وعلى النقيض من هذا، فإنّ تنظيمًا بوحشية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لم يتسبب إلا في مقتل ستة أطفال فيما تسبب تنظيم القاعدة في مقتل طفل واحد. 

هذا وكانت طائرات التحالف السعودي سببًا في تدمير 28 مدرسة، علمًا بأنّ هذا التحالف الوحيد الذي يمتلك مروحيات وطائرات حربية في اليمن، مما يجعلهُ المرتكب الأرجح لمثل هذه الأفعال.

على الجانب الآخر، ذكرت النتائج التي أُدرجت في نسخة مسودة من التقرير السنوي للأمم المتحدة بشأن الأطفال والنزاع المسلح، الذي وثّق انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرض لها 15 ألفًا و500 طفل على الأقل خلال العام الماضي، على يد القوات الحكومية، والجماعات الإرهابية، وجماعات المعارضة المسلحة في أكثر من عشرة نزاعات منتشرة حول العالم؛ أنّ نحو أربعة آلاف حالة من الإساءة ضد الأطفال تسببت فيها الحكومات، فيما ترتكب الأغلبية المتبقية من الأعمال الوحشية ضد الأطفال على يد بقية المتصارين، من تنظيمات إرهابية أو متمردين أو جماعات معارضة مسلحة.

أنقاض مدرسة في صنعاء دمرتها غارات التحالف السعودي (محمد عويس/ أ.ف.ب)
أنقاض مدرسة في صنعاء دمرتها غارات التحالف السعودي (محمد عويس/ أ.ف.ب)

ويسعى المسؤولون السعوديون، على نطاق سري مع الأمم المتحدة، من أجل الانخراط في مزيد من المباحثات رفيعة المستوى قبل نشر التقرير. كما استدعوا دعم الولايات المتحدة التي حثت بدورها الأمم المتحدة على ألا تدرج التحالف السعودي في التقرير، بزعم أنّه "ليس من العدل توريط جميع أعضاء التحالف حتى هؤلاء الذين لم يشتركوا في هذه الأعمال الوحشية"، وذلك حسبما نقلت مصادر رفيعة المستوى.

تقف الحكومات وراء ما لا يقل عن 4 آلاف حالة من الأعمال الوحشية ضد الأطفال في 10 نزاعات حول العالم

ويضم التحالف، بالإضافة إلى السعودية، دولًا أخرى وهي البحرين ومصر والكويت والسودان والإمارات العربية المتحدة. وعلى إثر ذلك ضغطت واشنطن على الأمم المتحدة، كي تدرج فقط هذه الدول الفردية، التي تسببت مباشرة في ارتكاب هذه الأعمال الوحشية، حسبما قالت هذه المصادر. إلا أن تحديد دول بعينها يعتبر أمرًا معقدًا نتيجة للحقيقة التي تقول إن التحالف لا يصدر معلومات حول أعضاء التحالف المنخرطين في القيام بعمليات محددة، حسبما يشير مسؤولون. وقد عارض مسؤول في بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، قائلًا: "لم نفتح هذا النقاش مع أي جهة بالأمم المتحدة".

اقرأ/ي أيضًا: وجه الإمارات المفضوح في اليمن.. حرب على الشرعية وحقوق الإنسان

ويمثّل نشر هذا التقرير، الذي يُتوقع ُصدوره في وقت لاحق من هذا الشهر، معضلة صعبة للأمين العام للأمم المتحدة إذ إنه في حالة توجيه اللوم إلى التحالف السعودي، فسيواجه خطورة حدوث خصومة مع الحكومات العربية الأكثر نفوذًا في الأمم المتحدة. ولكن إن لم يتحرك، فيحتمل أن يواجه اتهامات بتقويض التزام الأمم المتحدة بحقوق الإنسان.

ويذكر أنه في شباط/فبراير، سعى أنطونيو غوتيريس للوصول إلى حل وسط، إذ اقترح على كبار مستشاريه بأن تؤجل الأمم المتحدة نشر التقرير لفترة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، كي يسمحوا بأن يدفع التحالف نحو تطوير سلوكه. لكن مكتب الأمم المتحدة للدفاع عن الأطفال، خشي من أن التأجيل قد يعرضه للنقد. وإلى الآن، لم يكشف غوتيريس عمّا سيفعله حيال التقرير الذي يتوقع حصوله على نسخة نهائية منه هذا الأسبوع.

وتعود جذور الأزمة الحالية عندما تبني مجلس الأمن للقرار 1379 عام 2001، الذي يُلزم أي مسؤول بارز بالأمم المتحدة، بأن يصدر تقريرًا كل عام لتوثيق الهجمات ضد الأطفال في النزاعات المسلحة، بما في ذلك ملحق التقرير الذي يشكل قائمة سوداء للحكومات والجماعات الإرهابية وأي فصائل مسلحة، تقتل وتشوه الأطفال. غير أن هذا القرار تسبب في إثارة جدل كبير بين الدول، التي عبرت عن استيائها من التشهير بها في العلانية، ووضعها على قائمة تتضمن بعضًا من أسوأ المنظمات الإرهابية حول العالم، بما في ذلك القاعدة، وبوكو حرام، وداعش.

وتعكس مسودة التقرير الأخير انخفاضًا، في العدد الإجمالي الموثق للضحايا في اليمن. إذ تعزي مسودة غامبا الانخفاض، إلى انحسار القتال المؤقت، الذي أعقب توقيع اتفاقية وقف الأعمال القتالية في أبريل/نيسان 2016. لكنها ألمحت أيضًا إلى أن العدد الحقيقي للضحايا قد يكون أكبر، مشيرة إلى أن "القيود المفروضة على الوصول إلى المناطق، وانعدام الأمن حال دون توثيق الانتهاكات ضد الأطفال".

فيما ذكرت غامبا لفورين بوليسي، أن محتويات التقرير النهائي، الذي ما زال يناقش مع مختلف مكاتب الأمم المتحدة، "لم يتم وضع اللمسات الأخيرة عليه"، وبالتالي فإنه لا يوجد قرار نهائي حاليًا بشأن الدول التي ستدرج في القائمة السوداء التي سيتضمنها التقرير. كما قالت إنها ليست على علم بالمحاولات التي تقوم بها الولايات المتحدة لمعارضة إدراج التحالف الذي تقوده السعودية: "لم تصلني شيء عن الأمر"، دون أن تُؤكد ما إذا كانت قد أوصت بإدراج التحالف السعودي في القائمة أم لا.

تضغط الولايات المتحدة من أجل عدم تضمين التحالف السعودي في القائمة السوداء الخاصة بالانتهاكات ضد الأطفال

ورفض ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام، التعليق على ما ذكرتهُ غامبا، لكنه أشار إلى أن مسودة التقرير الذي حصلت عليها فورين بوليسي "ليس التقرير النهائي". وجدير بالذكر أن السعودية في العام الماضي أُدرجت في القائمة، لأنها المسؤولة عن هذا التحالف الذي كان سببًا في وقوع ضحايا كُثر من الأطفال في النزاع اليمني، والبالغ عددهم 1953 طفلًا.

انتشال جثة طفل من بين أنقاض منازل دمرتها غارات سعودية في اليمن (محمد عويس/ أ.ف.ب)
انتشال جثة طفل من بين أنقاض منازل دمرتها غارات سعودية في اليمن (محمد عويس/ أ.ف.ب)

في المقابل، هددت السعودية بحثّ الدول العربية على الخروج من الأمم المتحدة، وخفض مئات الملايين من المساعدات التي تقدمها لبرامج المنظمة الأممية لمكافحة الفقر، ما لم يتم إزالة التحالف من القائمة السوداء، وقد وافق الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، على مضض، أن يحذف التحالف بصورة مؤقتة، مشيرًا إلى أن فقدان الأموال التي تقدمها دول الخليج، يمكن أن يعرض حياة ملايين الأطفال المحتاجين لتلك المساعدات، للخطر.

اقرأ/ي أيضًا: مبادرة إماراتية وسعودية في اليمن.. صفقة "كارثية" على درب حرب لا نهاية لها

إلا أن بان كي مون أصرّ على أن التحالف سيعاد إدراجه مرة أخرى للقائمة، ما لم يُظهر تعاونًا مشتركًا مع الأمم المتحدة، بتقديم تبرير لسلوكه أو الإيقاف الفوري للهجمات على الأطفال. لكن السعودية مع ذلك، لم تُدرَج أبدًا إلى القائمة مرة أخرى، كما أنّ هجماتها، وانتهاكات تحالفها لم تتوقف أبدًا.

هذا ويُشار إلى أنّه خلال الفترة ما بين آذار/مارس 2016 وآذار/مارس 2017، قتل في اليمن نحو 600 طفل، وأُصيب 1150 آخرون، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)

ورغم ذلك، لم ترد البعثة السعودية لدى الأمم المتحدة على طلب التعليق، إلا أنّ بعض المسؤولين السعوديين ادعوا بشكل خاص، في محادثات مع الأمم المتحدة، أنهم اتخذوا خطوات لتجنب وقوع خسائر في صفوف الأطفال، وأن العدد الموثق للقتلى والجرحى، انخفض بصورة ملحوظة منذ العام الماضي.

وعلقت بعض "الجماعات الخارجية" على ذلك، مُرجّحةً أن هذا الانخفاض يرجع إلى أنّ المراقبين الخارجيين، بمن فيهم باحثون من منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية والدولية ومنظمة العفو الدولية، ممنوعون من دخول اليمن على طائرات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة؛ أكثر من كون التحالف السعودي أكثر ضبطًا للنفس.

سبق للسعودية أن هددت بقطع مئات الملايين من المساعدات المقدمة للأمم المتحدة، إذا ما أُدرجت في القائمة السوداء

وفي تموز/يوليو، منع التحالف الذي تقوده السعودية، الأمم المتحدة، من تقديم المساعدات إلى العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، لأن ثلاثة من الصحفيين العاملين لدى "بي بي سي"، كانوا يسافرون على متن  طائرة الإغاثة.

اقرأ/ي أيضًا: محمد بن سلمان في اليمن.. يرفع الراية البيضاء على استحياء

وجاء في تصريح "أكشاي كومار"، النائبة عن منظمة هيومن رايتس ووتش لدى الأمم المتحدة ، أنه "على الرغم من كل الوعود التي قدمها السعوديون إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بضبط النفس، إلا أنه لا يوجد أي تقدم حقيقي في حياة الأطفال اليمنيين"، مُضيفةً أنّ "المدارس لا تزال تتعرض للهجمات، ولا تزال القنابل تتساقط، ولا يزال الأطفال يُقتلون".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

هنا اليمن.. بلاد الله الضيقة

أبوظبي والرياض في اليمن..تغطية الفشل والصراع الخفي عبر اتهام الدوحة