10-أكتوبر-2017

مشاركة السودان في التحالف السعودي باليمن، هي كلمة السر وراء رفع العقوبات عنه (أشرف شاذلي/ أ.ف.ب)

قبل أيام قليلة قررت الإدارة الأمريكية رفع العقوبات الاقتصادية والتجارية عن السودان. ويستدعي ذلك القرار الذي بدا مفاجئًا، طرح التساؤل التقليدي: ما السبب ولماذا الآن؟ ولعله من المناسب إذن العودة إلى مقال تحليلي نشره موقع "ذا إنترسيبت" في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، حول رفع اسم السودان من قائمة الدول المحظور دخول مواطنيها للولايات المتحدة، فعلى ما يبدو كانت تلك خطوة أولية ممهدة لرفع العقوبات عن السودان، في إطار صفقة أكبر جزءًا من تفاصيلها في السطور التالية المترجمة بتصرف عن مقال "ذا إنترسيبت". 


عندما أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب النسخة المنقحة من حظر المسلمين الذي تحول إلى حظر سفر يوم الأحد، وجدت عدد من الدول غير المحظوظة نفسها مضافة إلى القائمة. مع ذلك تمكنت دولة واحدة من إيجاد مهرب لها من القائمة، وهي السودان. وقد أصاب هذا الأمر المهتمين بالشأن السوداني بالدهشة.

كان مثيرًا للدهشة أن يخرج السودان بشكل مفاجئ من قائمة حظر السفر للولايات المتحدة، إذ إن قدراته على الضغط تعتبر ضئيلة للغاية

وفي الوقت الذي خرجت فيه السودان من حظر السفر الذي فرضه ترامب، اتسع الحظر ليشمل كوريا الشمالية وفنزويلا وتشاد. بدا حينها الأمر غريبًا وغير مُفسّر، فمنذ متى وللسودان لوبي فاعل في الولايات المتحدة؟

اقرأ/ي أيضًا: حرب دونالد ترامب المقدسة

لا شك أن قدرات السودان على الضغط ضئيلة للغاية، إلا أن لديها صديقًا في المكان الصحيح، إذ بدأت الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا في استعمال أوراق الضغط التي لديها على واشنطن لصالح السودان، واضعةً رأسمالها الدبلوماسي رهن إنجاز هذه المهمة. يأتي هذا الدعم الدبلوماسي بفضل زيادة السودان لمستوى مشاركتها في حرب اليمن، ما منح تحالف الإمارات والسعودية نوعًا من التقدم على الأرض، حيث لا تريد هذه الدول المخاطرة بنفسها، وتفضل شن حملة جوية بدلًا من ذلك.

وبحسب أحد المصادر المطلعة في الحكومة الأمريكية، ليس مصرحًا له بالتحدث علانية عن الأمر، فإن "السودان يقوم بالأعمال القذرة بدلًا من الإمارات"، وذلك بتعبيره. في المقابل وضع السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، ثقله الدبلوماسي المعتبر خلف الحكومة السودانية، فالعتيبة مقرب بشكل خاص من مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر، صهر ترامب الذي يلعب دورًا مهمًا في رسم سياسات الإدارة الحالية في الشرق الأوسط.

في أيلول/سبتمبر 2015، قتل 45 جنديًا إماراتيًا في إحدى المعارك باليمن، والتي اعتبرت بمثابة أكثر الأحداث العسكرية دموية في تاريخ البلد الصغير، ما تسبب في صدمة كبيرة في البلاد. فمن الصعب تخيل تأثير موت 45 شخصًا في الإمارات، الأمر الذي أعطى الدولة الخليجية الذريعة لإسناد المعركة لوكيل خارجي.

السودان عضو أصيل في التحالف السعودي في اليمن والمدعوم من الولايات المتحدة، فحين بدأت الحملة العسكرية في آذار/مارس 2015، شارك السودان بأربعة من مقاتلاته في الحملة، وأرسل قوات برية إلى عدن في وقت لاحق من العام نفسه. في حين اعتمدت السعودية بشكل كبير على الهجمات الجوية، عانت القوات السودانية من خسائر فادحة، وهي التي تقاتل جنبًا إلى جنب مع الحكومة المدعومة من السعودية، في ظل محاولات استعادة المدن من قبضة الحوثيين، وتأمين المدن في الجنوب.

حتى هذه اللحظة، أرسل السودان ما يربو عن الألف جندي إلى اليمن، ووعد بالمزيد. قال أحمد عواد بن عوف وزير الدفاع السوداني في تصريح له في أيار/مايو الماضي، "هناك ستة آلاف مقاتل من القوات الخاصة والقوات البرية وقوات النخبة، على استعداد للمشاركة في المعركة حين تطلب قيادة التحالف ذلك، حتى إذا تطلب الأمر مزيدًا من الجنود والمساهمات العسكرية، فنحن مستعدون لها. نحن مستعدون لأي تطورات". وقد اكتسبت القوات المقاتلة السودانية أهميةً متزايدة بعد سحب قطر لجنودها من التحالف في حزيران/يونيو الماضي على خلفية أزمة حصار قطر.

منذ ذلك الحين، والسودان يحصد ثمار تحالفه مع دول الخليج، فمنذ العام 2015، تلقت البلاد مليارات الدولارات على شكل قروض من السعودية، وتمويلات من دبي وأبوظبي للمساعدة في دعم مصرفها المركزي.

منذ انخراطه في التحالف السعودي باليمن، بدأ السودان في جني ثمار ذلك بتلقيه مليارات الدولارات من السعودية وأبوظبي

هذا ويُعد اعتماد عبدربه منصور هادي، الرئيس اليمني المدعوم من السعودية، على قوات أجنبية لشن حربه البرية، دليل على افتقاده للدعم الشعبي. فبعد انتفاضات الربيع العربي في 2011، والتي أطاحت بعلي عبدالله صالح، الذي قضى ردحًا من الزمن في سدة الرئاسة، نُصب هادي بدلًا عنه من قبل الفاعلين الدوليين وعلى رأسهم السعودية كجزء من اتفاق تقاسم السلطة. ثم انتخب لاحقًا لمنصب الرئيس في انتخابات 2012، التي ظهر فيها اسمه منفردًا على قوائم الاقتراع!

اقرأ/ي أيضًا: مبادرة إماراتية وسعودية في اليمن.. صفقة "كارثية" على درب حرب لا نهاية لها

خلال العقد الأخير، ذُكر اسم السودان مرارًا باعتباره واحدًا من أسوأ الدول في سجل حقوق الإنسان، وهو ما دفعه للتحالف مع الدول المقربة من الولايات المتحدة الأمريكية لدفع غلواء هذا النقد.

وهاجمت القوات الحكومية السودانية المدنيين بشكل متعمد في دارفور، وجنوب كردفان، ومنطقة النيل الأزرق، وفقًا لمنظمة هيومان رايتس ووتش، كما وجهت محكمة العدل الدولية اتهامات عدة للرئيس الحالي عمر البشير بارتكاب مجازر جماعية، على خلفية أفعاله في دارفور. وأصدرت المحكمة مذكرة اعتقال له في 2009، ولكن على الرغم من الضغوطات من نشطاء ومن المحكمة، رفض عدد كبير من الدول اعتقاله أثناء زياراته الرسمية إليها.

من جانبيهما، حاولت كل من السعودية والإمارات الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لتطبيع العلاقات مع السودان، وذلك بعد قطعه علاقاته الدبلوماسية مع إيران. ووفقًا لمسؤول رفيع في إدارة أوباما، لعب يوسف العتيبة دورًا محوريًا في الضغط على إدارة أوباما لتخفيف العقوبات عن السودان في 2016، وتوجت هذه الجهود بإصدار أوباما أمرًا تنفيذيًا في نهايات ولايته، قضى برفع بعض العقوبات عن السودان. نص الأمر على أن العقوبات ستُستأنف بعد 6 أشهر مالم تشهد وزارة الخارجية القادمة بأن التقدم الذي أحرزه السودان مازال مستمرًا.

وفي تموز/يوليو الماضي مددت وزارة الخارجية هذه المهلة ثلاثة أشهر أخرى، مؤجلةً القرار حتى الخريف، قبل أن تقرر واشنطن أخيرًا قبل يومين رفع العقوبات الاقتصادية والتجارية تمامًا عن السودان، في خطوة بدت هي الأخرى مفاجئة، أثارت بدورها جدلًا واسعًا.

وكان موقع "ذا إنرتسيبت" قد تحصل على رسائل مسربة من البريد الإلكتروني للعتيبة، مع مسؤول بإدارة أوباما، يناقشان فيها هذه العقوبات. وافق هذا المسؤول على الإدلاء بتصريح للموقع شريطة عدم الكشف عن هويته كي لا يُغضب العتيبة الذي يُموّل بقوة كثيرًا من مراكز الأبحاث في واشنطن.

يقول المسؤول، إن مشاركة السودان القوية في التحالف السعودية باليمن، كان جزءًا من مقايضة، تتضمن أيضًا اصطفافًا سودانيًا جديدًا مع دول الخليج بعيدًا عن إيران التي أقامت السودان معها علاقات قوية فيما سبق، وكانت واحدة من مجموعة قليلة من حلفائها من الدول السنية.

مشاركة السودان مع التحالف السعودي في اليمن، كان جزءًا من صفقة بموجبها بدأت الإدارة الأمريكية في تخفيض العقوبات المفروضة عليه

وخلال عام 2016، ازدادت التوترات بين السعودية وإيران بعد إعدام السعودية لرجل دين شيعي بارز هو نمر النمر. ردًا على ذلك اقتحمت المظاهرات السفارة السعودية في طهران، ما دفع السعودية والإمارات العربية المتحدة لقطع العلاقات مع إيران. وحذت السودان حذو السعودية بعد وعود باستثمارات ضخمة في البلاد، كما أن عددًا آخر من الدول العربية والخليجية أيضًا قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران على خلفية هذا الاقتحام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا لا يسقط النظام في السودان؟ (3-3)

العتيبة "الراشي الأكبر".. حفلة فضائح أبوظبي في واشنطن مستمرة