17-نوفمبر-2019

وضع ترامب نفسه في موقف محرج بتغريدة هاجم فيها شاهدة قبيل جلسات الاستماع الأولى (Getty)

انطلقت أولى الجلسات العلنية التي دعا إليها الكونغرس الأمريكي، يوم الأربعاء الماضي، بحضور مسؤولين في الإدارة الأمريكية للإدلاء بشهاداتهم فيما يخص المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الأوكراني فولدومير زيلينسكي، قبل نحو خمسة أشهر. 

شهدت أولى الجلسات العلنية للتحقيق في الاتهامات الموجهة لترامب، توافقًا في شهادة اثنين من كبار الدبلوماسيين الأمريكيين ضد ترامب

يأتي ذلك بعد أن تقدم أحد الموظفين ببلاغ يتهم ترامب بإساءة استخدام السلطة، وطلبه من دولة أجنبية تقديم مساعدة شخصية تساعد على الفوز بانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة.

اقرأ/ي أيضًا: اتساع دائرة اتهامات ترامب وانقسام في الشارع الأمريكي حول عزله

الديقمراطيون يبدأون جلساتهم العلنية الأولى

أظهرت أولى الجلسات العلنية التي بثتها ست محطات أمريكية مع شبكات الكابل، توافقًا في الشهادة التي أدلى بها كبير الدبلوماسيين الأمريكيين وليام تايلور، وأرفع مسؤول في الخارجية الأمريكية المتخصص بالشؤون الأوكرانية جورج كينت، في الوقت الذي شهدت فيه الجلسة الثانية تطورًا لافتًا، بعد مهاجمة ترامب عبر حسابه الرسمي على تويتر، سفيرة واشنطن السابقة لدى كييف، ماري يوفانوفيتش، أثناء الإدلاء بشهادتها.

  • توافق في الشهادة العلنية لليوم الأول:

وفقًا للشهادة التي أدلى بها تايلور أمام الكونغرس الأمريكي، فإن الدبلوماسي الأمريكي لم يكن على علم بحالة مشابهة لرئيس أمريكي يعمل على تكييف المساعدات الخارجية التي تقدمها واشنطن، من أجل مصالحه الشخصية أو السياسية، مضيفًا أن ترامب طلب من نظيره الأوكراني زيلينسكي، الالتزام بالتحقيقات المطلوب إجراؤها علنًا بخصوص هانتر بايدن، نجل نائب الرئيس الأمريكي السابق جون بايدن، عبر سفير واشنطن لدى الاتحاد الأوروبي غوردون سوندلاند.

تأدية القسم أمام اللجنة لوليام تايلور وجورج كنت
وليام تايلور وجورج كنت يؤديان القسم أمام لجنة الاستخبارات في الكابيتول هيل

ورغم أن الرئيس الأوكراني كان يتفق مع مساعديه على أن تدخل كييف في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة ستكون "فكرة سيئة"، بحسب ما أبلغ تايلور رئيس لجنة الاستخبارات في الكابيتول هيل آدم شيف، إلا أن زيلينسكي كان يخطط فعليًا للإعلان عن بدء التحقيقات التي طلبها ترامب عن طريق شبكة "CNN" الأمريكية.

أما بالنسبة للدبلوماسي كينت فقد خالف في شهادته حديث ترامب عن أن المكالمة التي أجريت مع زيلينسكي في 25 تموز/يوليو الماضي، كانت "مثالية جدًا"، مشيرًا إلى أنها كانت "مثيرةً للمخاوف". 

وأضاف كينت ردًا على سؤال حول ما إذا كانت كييف قد تدخلت في انتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة، بأنه لا يوجد أي أساس واقعي لمثل هذه الادعاءات، ومشددًا في الوقت نفسه على الدور الذي لعبه محامي ترامب الشخصي رودي جولياني في قضية الضغط على كييف لتنفيذ مطالب ترامب.

  • ترامب يهاجم يوفانوفيتش أثناء شهادتها أمام الكونغرس:

وشهدت الجلسة العلنية الثانية سجالًا بين الديمقراطيين والجمهوريين داخل الكونغرس، بعد قيام ترامب، بالتزامن مع انعقادها، بنشر تغريدة هاجم فيها يوفانوفيتش أثناء حديثها للجنة بشكل مفصل عن تعرضها للهجوم من قبل جولياني، قبل فصلها من منصبها، وأنه حاول الضغط من أجل بدء تحقيقات أوكرانية في نظرية مؤامرة تم دحضها لكن تبناها عدد من حلفاء ترامب، تفيد بأن أوكرانيا هي التي تدخلت في الانتخابات الأمريكية عام 2016 وليس روسيا.

وقالت يوفانوفيتش خلال الجلسة: "لا أفهم دوافع السيد جولياني وراء مهاجمتي، ولا أستطيع أن أبدي رأيًا بشأن إن كان يصدق المزاعم التي نشرها عني"، مشيرةً إلى أنها لو بقيت في منصبها، لم تكن لتوصي بإجراء التحقيق فيما يتعلق بنظرية المؤامرة، أو تجميد المساعدات العسكرية لكييف، أو إجراء تحقيق مرتبط بمعاملات عائلة التجارية في كييف.

وكان ترامب قد غرد على تويتر خلال انعقاد الجلسة، عن الدبلوماسية السابقة، بالقول: "كل مكان ذهبت إليه ماري يوفانوفتيش انقلب حاله. بدأت مسيرتها في الصومال. كيف كان الحال هناك؟".

 وعندما سألها شيف عن رد فعلها على تغريدة ترامب، أجابت: "إنها مخيفة"، مضيفًة: "لا أعلم ما الذي كان الرئيس يحاول فعله لكن أعتقد أن الأثر المقصود هو الترهيب"، ليرد عليها شيف بالقول: "أريدك أن تعلمي أيتها السفيرة أن البعض منا هنا يتعامل مع ترهيب الشهود بمنتهى الجدية".

  • تغريدة ترامب "نقطة تحول" في الجلسة:  

كان للتغريدة التي هاجم ترامب بها يوفانوفتيش، أثر كبير داخل الكابيتول هيل، بعد أن وصفها العضو الديمقراطي في لجنة الاستخبارات، إريك سوالويل، في تصريحات للصحفيين، بأنها "دليل على مزيد من العرقلة، والترهيب والتلاعب بإفادة الشاهدة". 

لكن النائب الجمهوري جيم جوردان، رفض الادعاءات التي سيقت بخصوص تغريدة ترامب، مشيرًا إلى أن يوفانوفتيش "لم تكن لتعلم شيئًا عن هذا الاقتباس لو لم يقرأ السيد شيف التغريدة".

السجال الذي أثارته تغريدة ترامب، دفعت مذيع قناة فوكس نيوز بريت باير لوصفها بأنها "نقطة تحول" في جلسة يوفانوفتيش، وأصدرت المتحدثة باسم البيت الأبيض ستيفاني غريشام في وقت لاحق بيانًا للتعليق على تغريدة ترامب، قالت إنه لم يكن هدفها "ترهيب الشهود"، إنما مجرد رأي يحق للرئيس الإدلاء به، مضيفًة أن ما يحصل "ليس محاكمة، إنما عملية سياسية حزبية، غير شرعية تمامًا".

عرض تغريدة ترامب أثناء الجلسة

وكانت زعيمة الكابيتول هيل، نانسي بيلوسي، قد علقت بعد يوم واحد من بدء الجلسات العلنية، بقولها: "الرشوة هي منح أو حجب مساعدات عسكرية في مقابل تصريح علني بشأن تحقيق مزيف في الانتخابات"، مضيفة، في إشارة لمكالمة ترامب مع نظيره الأوكراني: "هذه رشوة. ما أقر به الرئيس ويقول إنه مثالي، أقول أنا إنه خطأ محض؛ إنها رشوة".

أوكرانيا: لا صلة بين التحقيقات والمساعدات الأمريكية

وبعد يوم واحد من انتهاء أولى الجلسات العلنية التي تردد فيها ممارسة سوندلاند ضغوطًا على كييف، نقلت وكالة إنترفاكس الروسية على لسان وزير الخارجية الأوكراني فاديم بريستيكو، قوله: "لم يخبرنا السفير سوندلاند بإجراء التحقيق، وبالتأكيد لم يخبرني بشأن وجود صلة بين المساعدات والتحقيقات. ينبغي أن تسألوه". 

وأضاف وزير الخارجية الأوكراني: "لم ألحظ أبدًا علاقة مباشرة بين التحقيقات والمساعدات العسكرية. نعم ذُكرت التحقيقات كما تعلمون خلال المحادثة مع الرئيس. لكن لم تكن هناك أي صلة واضحة بين الأمرين".

وتأتي تصريحات الوزير الأوكراني بعدما كشفت الجلسات العلنية عن وجود ما وصفته إدارة ترامب بـ"نظرية المؤامرة"، بإدخال كييف على خط تحقيقات التدخل بانتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2016، بعدما كانت موسكو المتهم الرئيسي بالوقوف خلفها، وهو ما خلص إليه تقرير المحقق الخاص روبرت مولر بشأن القضية، دون أن يشير لوجود تعامل مباشر بين إدارة ترامب وموسكو بخصوصها.

وكان أحدث استطلاع للرأي مرتبط بمساءلة ترامب تمهيدًا لعزله، نشر أول أمس الجمعة، قد أظهر أن 44% من الأمريكيين الراشدين، يقولون إنه يجب مساءلة ترامب. بينما رفض 40% مساءلة الرئيس. 

ويعكس الاستطلاع تغيرًا طفيفًا في وجهة نظر الأمريكيين، حيثُ قال 45% إنه يجب مساءلة الرئيس، مقابل 42% رفضوا ذلك، في استطلاع مماثل أجري الأسبوع الماضي.

الجمهوريون يلجؤون للسوشيال ميديا

وفقًا لوكالة رويترز، كثف ترامب من حملته الإعلانية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بعد أن أرسل في التاسع من الشهر الجاري، أكثر من 400 إعلان على فيسبوك، يطلب فيها تبرعات يحصل مقابلها المتبرعون على مكافأة شخصية عبارة عن "بطاقة عضوية للدفاع ضد المساءلة". 

ونقلت رويترز على لسان الخبير الإستراتيجي الجمهوري، فورد أوكونيل، قوله إن الإعلانات تهدف لتحفيز مؤيدي ترامب وتشجيعهم على الخروج للتصويت في انتخابات العام المقبل، ومساعدته على استمالة المستقلين المتشككين في عملية المساءلة الرامية للعزل.

هذ وقد أظهر التحليل الذي أجرته رويترز لبيانات إعلانات فيسبوك خلال الأسبوعين الذي سبقا التاسع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري؛ أن حملة ترامب الانتخابية، والمؤيدين لها، بثوا أكثر من 2900 إعلان على فيسبوك، يذكرون فيها "المساءلة"، مقارنة بأكثر بقليل من 200 إعلان للمرشحين الديمقراطيين خلال نفس الفترة، وهو ما يكشف عن صراع من نوع مختلف يدور بين الحزبين الأساسيين في الولايات المتحدة.

خطط الجمهوريين لعرقلة انتخابات الديمقراطيين التمهيدية

الصراع الذي كشف عن الانقسام داخل مجلسي النواب والشيوخ بين الديمقراطيين والجمهوريين، وإذا كانت الكفة واضحة بميلانها لصالح الديمقراطيين داخل الكابيتول هيل، إلا أنه يعكس أيضًا رؤية الجمهوريين الذين يعولون على دور يمكن ممارسته في مجلس الشيوخ الذي يسيطرون عليه. 

وأشارت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى إمكانية تعطيل الجمهوريين حملات أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، أثناء خوضهم للانتخابات التمهيدية التي ستفضي في النهاية لاختيار مرشح واحد ينافس ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية.

وبهذا الخصوص، كشفت الصحيفة الأمريكية عن وجود رأي بين الجمهوريين في مجلس الشيوخ، يقول إن تصويت الديمقراطيين السريع على عزل ترامب، ما يفضي بإحالة القرار لمجلس الشيوخ؛ سيؤدي لبقاء المرشحين الديمقراطيين الستة لانتخابات الرئاسة الأمريكية داخل مكاتبهم في المجلس، ويمنعهم من خوض حملاتهم للانتخابات التمهيدية، إذ يفرض على أعضاء المجلس البقاء في مكاتبهم كل مساء باستثناء يوم الأحد.

ويقول السيناتور عن ولاية كارولينا الشمالية، رييتشارد بور، إن هناك تكهنات بأن تستمر محاكمة مجلس الشيوخ للرئيس الأمريكي من ستة إلى ثمانية أسابيع، وهي بذلك، في حال استغرقت بالفعل هذه الفترة الزمنية، ستكون أكثر من فترة محاكمة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في عام 1999، والتي استمرت لخمسة أسابيع.

ويشهد البيت الجمهوري في مجلس الشيوخ انقسامًا بشأن الفترة الزمنية، حيثُ يرى فريق أن منح محاكمة ترامب فترة زمنية طويلة، قد يسمح بظهور معلومات جديدة تعطي اتهامات الديمقراطيين الموجهة إليه مصداقية، بينما يرى حلفاء الجمهوريين بأن الإقالة السريعة لترامب، ستترك لدى الجمهور انطباعًا بأن مزاعم الديمقراطيين لا أساس لها. 

لكن هذا الرأي يختلف معه فريق آخر من الجمهوريين الذين يتطلعون لإعادة انتخابهم مرة أخرى في المجلس، لذا لا يريدون أن ينظر إليهم الناخبون على أنهم غير مستعدين للتفكير بأن ترامب قد يكون مدانًا في الاتهامات الموجهة إليه.

سجال متجدد بين أعضاء الحزبين في الكونغرس

لا يبدو أن لدى الديمقراطيين أي توجه لإيقاف عملية مساءلة ترامب التي تمهد للتصويت على عزله، كي يتسنى لهم رفع القرار لمجلس الشيوخ الذي يجب عليه النظر في القضية. 

وبحسب موقع "Examiner Washington" الأمريكي، فلدى الديمقراطيين توجه للمضي بالمسألة، بصرف النظر على طريقة جلسات الاستماع، أو حجم تأثيرها على استطلاعات الرأي التي أظهرت انقسامًا بين الأمريكيين حول عزل ترامب.

وفيما يصف الديمقراطيين ممارسات ترامب بـ"الابتزازية"، يرى الأعضاء الجمهوريين أن الاتهامات التي يسوقها الديمقراطيون "خيالية ووهمية". وينعكس الصراع في الكابيتول هيل بين الحزبين عند المقارنة بين تصريحات الأعضاء الأخيرة، ففي الوقت الذي يرى النائب الديمقراطي جون يارموث أن رغبتهم بعزل ترامب انعكست في تصويت جميع الديمقراطيين في الكونغرس على بدء التحقيقات، باستثناء اثنين من الأعضاء فقط؛ يقول النائب الجمهوري ديفين نونيس المعروف بمدافعته الدائمة عن ترامب، إن "مشهد جلسات الاستماع أضر بالبلاد"، مضيفًا أن الديمقراطيين منذ فترة طويلة "يبحثون عن جريمة" لبدء إجراءات عزل ترامب.

ترامب وجولياني
ترامب ومحاميه جولياني

وفي الوقت الراهن تسود تكهنات حول توجه الجمهوريين لتحميل جولياني، المحامي الشخصي لترامب، مسؤولية المكالمة الهاتفية مع أوكرانيا، وما رافقها من طلبات دعت كييف لإجراء تحقيقات تعطي ترامب مكاسبة شخصية تساعده على الفوز بالانتخابات الرئاسية. 

إلا أن جولياني استبعد ذلك، بالقول "إن ترامب مخلص للغاية"! مضيفًا أن ما فعله هو بحثه عن أدلة تدحض الاتهامات الموجه ضد الرئيس الأمريكي، متهمًا الصحافة الأمريكية بتقديم "الحماية" لبايدن الأب.

الناخبون الجمهوريون لم يفقدوا ثقتهم بترامب

وكانت مجلة تايم الأمريكية، قد نشرت تقريرًا تضمن استطلاعًا للرأي، أجرته بين الناخبين الجمهوريين في ولاية آيوا، قبل خمسة أيام من بدء الجلسات العلنية، علمًا أن ترامب فاز بانتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة في الولاية، من ناحية الأصوات وعدد المراكز معًا. ليعكس مضمون التقرير عدم تراجع الثقة لدى الناخبين الجمهوريين بالرئيس الأمريكي، والتأكيد على أنه لا يزال مرشحهم الوحيد للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وقال الناخبون للمجلة، إنهم على الرغم من عدم اتفاقهم دائمًا مع الرئيس الأمريكي، وعدم شعور غالبيتهم بالسعادة من شخصيته، إلا أنه تساورهم الشكوك بتقديم الديمقراطيين أدلة كافية قد تثير الشكوك بإعادة انتخابه لولاية ثانية.

ثمة توجه بين الجمهوريين للاستفادة من إجراءات عزل ترامب في عرقلة الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي للاستقرار على مرشحه للرئاسة

وأشارت المجلة إلى أن دعم الناخبين في الولاية لترامب كان قويًا. وأضافت بأن الجمهوريين الذين التقت بهم، أجمعوا على أن انخفاض معدلات البطالة، وقوة الاقتصاد، يعتبران سببين كافيين لمواصلة دعم ترامب، معتبرين أن نمو الاقتصاد يؤثر عليهم بشكل مباشر، أكثر من أي مكالمة هاتفية أجراها ترامب مع الرئيس الأوكراني.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الديمقراطيون يهيّئون أنفسهم للجلسات العلنية.. هل أصبح عزل ترامب قريبًا؟

آخرها "كل نساء الرئيس".. إليك أبرز الكتب التي كشفت أسرار ترامب