12-ديسمبر-2015

(جوسيبي دي روكو/Getty)

تفترش المسنة "عائشة بنت عالي" الأرض وتلتحف السماء وسط زحمة خانقة للباعة والمارة بـ "سوق اكلينيك" وسط العاصمة نواكشوط. تحف نفسها بكميات كبيرة من "التبغ" المعروف محليًا بـ -منيجه- لعرضها من أجل البيع، في ظل وضع اقتصادي مزري تعيشه أسرتها بسبب الفقر والبطالة وغياب أي فرص عمل قد يحصل عليها الأميون، في بلد تشير الدراسات إلى أن نسبة الأمية فيه تقدر بحوالي 42%، بينما تتراوح نسبة البطالة مابين 31% إلى 35%، أما نسبة الفقر فتصل إلى 46% من مجموع السكان البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة.

تعكف المسنة "عائشة" على جلب كميات التبغ من سوق "المغرب" بالعاصمة نواكشوط، وتمضي يومها في إعداد -منيجه- وعرض المتوافر منها للزبائن. أملها الوحيد هو الحصول على بعض النقود لتوفير لقمة عيش لأبنائها الخمسة، متجاهلة معظم الأضرار الصحية. تفضّل البحث عن بعض النقود لتخفيف معاناة أسرتها مع الفقر المدقع وغياب المعيل.

وتقول عائشة، إن زوجها توفي قبل سنتين... "ولدي ثلاث بنات وطفلان أعيلهم، وأدفع تكاليف شراء أدواتهم المدرسية، كما أتولى توفير النقود لتنقلهم إلى الثانوية التي تبعد عدة كيلومترات عن الحي الذي نسكن فيه، وأمتهن بيع "التبغ" وأحاول جاهدة أن أوفر لأبنائي ما يحتاجون وفي مقدمته الغذاء والدواء". سيرة عادية لامرأة معذبة. تؤكد بنت عالي أنها تبدأ عملها من الصباح الباكر وحتى المغرب، وتوزع وقتها بين إعداد التبغ، ومزاولة البيع لمن يرغب في ذلك، مشيرة إلى أن مواجهة تغول الفقر في موريتانيا يحتاج لكثير من الصبر والصمود بسبب صعوبة الوضع وقلة الدخل وتدني أجور المواطنين، وعزوفهم عن شراء التجارة بشكل متزايد.

مطالب مستحيلة

تشير الدراسات إلى أن نسبة الأمية في موريتانيا تقدر بحوالي 42%

ترفع النساء العاملات في مجال تجارة بيع التبغ بموريتانيا مجموعة مطالب أبرزها توفير أماكن لعرض تجارتهم بعيدًا عن الجلوس على قارعة الطريق تحت أشعة الشمس، وفي الأزقة الضيقة بسوق "اكلينيك" وسوق "المغرب" بالعاصمة نواكشوط. لا يطلبن الكثير. جلوسهن هناك لديه تأثير سلبي على صحتهن التي تتعرض لتهديدات مادة "التبغ" القاتلة التي تعد أهم مصدر رزق لعشرات النساء من معيلات الأسر بموريتانيا.

وتقول فاطمة بنت سعيد لـ "الترا صوت"، في السياق ذاته... "نحن بحاجة إلى لفتة من الجهات الرسمية لتنظيم السوق وتقديم مساعدات مالية"، معتبرة أن النسوة على استعداد تام لترك هذه المهنة في أي وقت توفر فيه الحكومة مهنًا بديلة للفقراء والعاطلين عن العمل.

وختمت بنت سعيد -إحدى العاملات في مجال بيع التبغ- حديثها قائلة: "المهنة مضرة بالصحة وجالبة لأمراض كثير ومتنوعة، لكن الفقر، والبطالة، والأمية، دفعوا بكثير من النساء إلى امتهانها وليس لنا سوى الصبر ومواصلة العمل حتى نوفر لأبنائنا وسيلة عيش كريم بعيدًا عن الاستجداء وطلب الآخرين".

مخاطر صحية

على الطرف الآخر من سوق "اكلينيك" وتحت أشعة الشمس الحارقة تتناثر كميات كبيرة من التبغ أمام عدد من بائعات التبغ اللواتي شكلن شبه سوق مستقل، متجاهلات بذلك سخط الكثير من المارة وتعبيرهم عن خطر التبغ وما يؤدي من صعوبة في التنفس أثناء المرور بجواره، غير أن دافع القضاء على الفقر وتوفير لقمة العيش جعل بائعات التبغ لا يكترثن بما يحكيه المارة من خطر صحي باد للعيان.

نسبة الإدمان في موريتانيا هي 17,8% من حجم السكان وتناهز 22% في أوساط الشباب وتلاميذ المدارس

تقول أم كلثوم بنت المختار أنها تمتهن بيع التبغ منذ عدة سنوات لكنها تشعر الآن بضيق التنفس، ولم تعد تحتمل رائحة التبغ المضرة. لكن لظروفها المعيشية الصعبة عليها تحمل الوضع الخطر، حيث سبب لها الغبار المتصاعد من التبغ أثناء إعداده أمراضًا، ما يضطرها إلى الانقطاع عن العمل أحيانًا.

وتشير بنت المختار إلى أن الطلب المتزايد من طرف زبائنها على مادة التبغ يمنحها رغبة في مواصلة العمل من أجل كسب بعض النقود التي تستعملها في إعالة أسرتها المكونة من سبعة أفراد عاطلين جميعهم عن العمل لأسباب تعود للأمية وانتشار البطالة وغياب سياسات حكومية تعنى بمد العون للفقراء والمحتاجين.

أرقام مقلقة

تشكل مادة التبغ بشكل عام خطرًا بالغًا على البشرية لما يتوافر بها من مواد قاتلة، كما تشهد نسبة الإقبال عليها في موريتانيا تزايدًا ملحوظًا، ما شكل قلقًا لدى الجهات الرسمية والمنظمات الصحية المحلية والدولية.

وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في موريتانيا -في وقت سابق- إن مادة التبغ حاضرة في كل مكان، في البيت والشارع والمدرسة والسوق، وإن نسبة الإدمان في موريتانيا تربو على 17,8% من حجم السكان بل إنها تناهز 22% في أوساط الشباب وتلاميذ المدارس.

وأصدرت وزارة الصحة الموريتانية تعميمًا يحرم التدخين في مقارها، وفي جميع المؤسسات الصحية العمومية والخصوصية، بينما تدرس الحكومة الموريتانية وفق تصريحات سابقة للأمين العام لوزارة الصحة إمكانية إدراج منع التدخين في البرامج المدرسية.

وصادقت موريتانيا عام 2005 على معاهدة الإطار لمحاربة التدخين، وهي معاهدة أقرتها الأمم المتحدة في دورتها السادسة والخمسين وكانت دخلت حيز التنفيذ في السابع والعشرين من فبراير من ذات العام.

اقرأ/ي أيضًا:
أفريقيا.. ملاذ الموريتانيين الأخير من البطالة
موريتانيا.. الراب في مواجهة النظام