21-ديسمبر-2015

(محمد هويس/أ.ف.ب/Getty)

خِلال الفترة الماضية ارتفعت حدة الهجمات الإرهابية على دور العبادة في اليمن وفي العاصمة صنعاء بشكل خاص. تلك الهجمات التي يتبناها تنظيم القاعدة وفرع ما بات يعرف بالدولة الإسلامية. وهكذا، وفي سبيل الله، أنهى التنظيمان حياة المئات من المصلّين اليمنيين.

يهدف اتساع العمليات الإرهابية ضد دوُر العبادة إلى تعزيز الشرخ المذهبي بين اليمنيين

ومنُذ أن دخل اليمن في أزمة سياسية وصراع مسلح في العام 2011 (اندلاع احتجاجات مناهضة للحكم) ازدادت حدة الهجمات الإرهابية على المساجد. كانت أولى تلك الهجمات في الثالث من حزيران/يونيو من العام نفسه. دوى انفجار في مسجد دار الرئاسة. استهدف التفجير رئيس الجمهورية السابق علي عبد الله صالح وكبار قيادة الصف الأول في الدولة والحكومة والبرلمان ومجلس الشورى ومؤسسات رسمية ومدنية أثناء تأدية صلاة الجمعة. وكرّت السبحة.

اتساع موجة العنف والعمليات الإرهابية في اليمن لم يستثن بيوت الله. كان لها نصيب وافّر من العمليات الانتحارية بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة استهدفت مساجد يرتادّها مصلون من الطائفة الشيعية والزيدية والسُنية في صنعاء. وأعلن تنظيم داعش وأنصار الشريعة الجناح العسكري لتنظيم القاعدة مسؤوليتهم عن تلك العمليات مفتخرين بتفجير المساجد!

وتزايدت في الآونة الأخيرة تفجيرات دوُر العبادة في اليمن. واستفحلت العمليات الإرهابية في أغلب المساجد. عمليًا، تعد العمليات الانتحارية ظاهرة خطيرة ودخيلة على اليمن، فما هي استراتيجية اليمنيين لجعل دور العبادة بعيدة عن الصراع المسلح وخلافاتهم السياسية؟

يقول القاضي عبد الحفيظ المتوكل إمام وخطيب إحدى المساجد في العاصمة صنعاء إن اتساع العمليات الإرهابية ضد دوُر العبادة يأتي من باب "أنهم يريدون خَلخلة النسيج الاجتماعي لأن الشعب اليمني شعب أصيل متدين يحافظ على هويته وتجانسه وتنوعه الديني والمذهبي فهم يحاولون خَلخلة هذا التنوع". وأضاف المتوكل إنه "على يقيّن أن المساجد ستزداد تألقًا وتماسكًا بها من قبل الشعب اليمني لأنه يعرف أهداف القتلة المجرمين ولا يمكن أن يجعلهم يحققون أمنيتهم". وعن استراتيجية اليمنيين لمواجهة تلك الظاهرة التي استفحلت ذكَّر القاضي بالحياة التي عرفها اليمنيون منذ مئات السنين متحدثًا عن تناغم وتنوع مذهبي، وترك السياسه خارج إطار دور العبادة والقبول بالآخر واعتباره جزءًا من النسيج الاجتماعي الوطني مهما اختلفت الأفكار وتباينت النظريات.

روايات وقصص

يخبرنا المتوكل بصوت حزين عن وحيد شقيقه مجدي الفران.. "الذي كنت أراه ولدًا عزيزًا وكان قد قرب موعِد زِفافه فاستشهد في جامع الحشحوش بتاريخ العشرين من آذار/مارس 2015. يتحدث أيضًا عن زوج شقيقته.. "الذي كنت اعتبره أخًا كبيرًا لي". استشهدَ في جامع الحشوش وزوجته حامل في الشهر السادس. وُلِد طفله ولم يره وجثته في الخارج إلى اليوم، ولم يستطيعوا دفنه بسبب الحصار الجوي المفروض من قبل التحالف الذي تقوده السعوديّة.

في الواقع، تفجيرات مسجدي البدر والحشحوش بصنعاء هي تفجيرات إرهابية استهدفت جامع بدر وجامع الحشحوش في صنعاء ووقع التفجير أثناء صلاة الجمعة في العشرين من آذار/مارس 2015، وتعتبر هذه الهجمات الأكثر دموية منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء حيث وقع انفجار في جامع بدر، وأثناء فرار المصلين وقع انفجار ثان، واستهدف تفجير آخر مسجد الحشحوش في شمال صنعاء. قتل في التفجيرات ما لا يقل عن مائة وستين شخصًا بينهم المرتضى المحطوري المرجعية الدينية للطائفة الزيدية ومئات المصابين وتبنى تنظيم داعش مسؤوليته عن هذه التفجيرات في بيان صادر عن التنظيم متوعدًا بالمزيد.

بدوره يرى مازن وائل شرحة أن التنظيمات الإرهابية خلال الأشهر الماضية أمعنت في استهداف المساجد بأمانة العاصمة وعدد من محافظات الجمهورية، لأن هذا يسهم في تعزيز الشرخ المذهبي ويخدم مصالحها الفئوية.

 قتل أكثر من 142 شخصًا،وجرح 357 آخرين في تفجيرات مسجدي بدر والحشوش خلال آذار/ مارس المنصرم

وبيّن وائل شرحة أنه يجب أن يكثف خطباء المساجد دورهم من المنابر في نبذ الأعمال الإرهابية ومخالفتها للشريعة الإسلامية وعقوبة من ينخرط فيها، بالإضافة إلى إيجاد وتوفير فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل كون هذه التنظيمات الإرهابية تستغل فراغهم وتجندهم لصالحها. هكذا، لا يزال نزيف دماء ضحايا الجرائم الإرهابية التي تستهدف المساجد في أمانة العاصمة صنعاء وبعض المحافظات مستمرًا، والبعض يحاول تسويغ هذه الجرائم.

ذهب هذا البعض إلى تسويق إيحاءات تصور التفجيرات الإرهابية بالمصلين في المساجد بأنها "رد فعل للتطورات السياسية والأمنية على الساحة المحلية وتصدر مكون سياسي بعينه المشهد"، وعلى نحو يخدم توجهات خارجية لقرع طبول تفجير حرب أهلية في اليمن على أساس مذهبي وطائفي.

صحيح أن مجزرة جزيران/يونيو 2011 كانت أبرز هذه المجازر الإرهابية التي نفذها تنظيم القاعدة في البلاد خلال الأربع سنوات الماضية، لكن بقية التفجيرات لا تقل شأنًا واليمنيون يخشون التحول إلى أرقام، في طريق الانتحاريين إلى السماء. في آذار/مارس المنصرم، قتل أكثر من 142 شخصًا، وجرح 357 آخرين في تفجيرات مسجدي بدر والحشوش بينهم أربعين شخصًا إصابتهم بالغة وهو الموقف والمشهد الذي كان أكثر إيلامًا لليمنيين بعد جريمة استهداف جامع دار الرئاسة. وفي 17 حزيران/يونيو الفائت، قتل 30 شخصًا على الأقل في عدة تفجيرات استهدفت مسجد القبة الخضراء في شارع هائل ومسجد الكبسي بحي الزراعة، ومسجد الحشحوش شمال صنعاء. وفي 29 من تموز/يوليو الماضي من العام 2015 استهدفت سيارة مفخخة جامع البهرة بشارع سوق الرماح أسقطت خمسة قتلى. وفي الثاني من سبتمبر/أيلول الماضي لقي 28 شخصًا على الأقل مصرعهم، في تفجير مزدوج استهدف مسجد المؤيد شمال صنعاء. وفي 24 أيلول/سبتمبر الماضي استهدف تفجير انتحاري جامع البليلي بعد صلاة العيد، أسفر عن مقتل 10 أشخاص وجرح 21 آخرين.

حتى الآن، بلغ عدد الضحايا اليمنيين في تفجيرات دور العبادة سبعمائة شخص تقريبًا، وبينهم من أصيب بإعاقة دائمة.

اقرأ/ي أيضًا:
مقابر اليمن.. خفف الوطء
حين أصبح أطفال اليمن جنودًا