18-أغسطس-2015

لم يجدن أي تدخل من الجهات الرسمية لإنقاذ حيواتهن (Getty)

على وقع فرحة ملاك ومزارعي الأزر في مدينة "روصو" جنوب موريتانيا بفترة الحصاد، تستغل بعض النسوة الموقف من أجل جمع ما أمكن من نفايات الأرز التي تتناثر بكثرة في باحات المصانع. عساها تصلح للاستعمال بعد عمليات تصفية وتنقية متواصلة تتطلب بعض الوقت، لكنها بالنسبة لهن تسهل الحصول على رمق العيش من دون ثمن.

يحلمن بأرز وحصاد

تعتبر المسنة السالكة أن جمع نفايات مصانع الأرز من أهم أعمالها فترة الحصاد، نظرًا لكونها توفر بعض الطعام الذي لا تجد في بعض الأحيان ما تشتريه به من المتاجر المنتشرة بالمدينة، بسبب الفقر المدقع الذي تعاني منه، والعجر الدائم عن شراء ما يكفي من المواد الغذائية لأسرتها. وتؤكد السالكة، أنها تعيل أسرة تتألف من ثمانية أشخاص ليس منهم معيل غيرها، مشيرة إلى أن البطالة واليأس دفعت بعدد من النسوة إلى طلب العيش الكريم عبر تقشير نفايات مصانع الأرز، والبحث عن ما يسد رمقهن دون اللجوء إلى وسائل أخرى "قد تضر بالعرض أو تمس من الكرامة" على حد تعبيرها.

المهن القليلة التي تستطيع الموريتانيات إنجازها هي بيع "الكسكس" و صناعة الأقمشة وتطريز ثياب النساء

السالكة، مواطنة فقيرة، هي واحدة من آلاف أرهقتهن ظروف الحياة الصعبة... "جعلتنا الظروف نعتمد على تقشير نفايات مصانع الأرز في فترة الحصاد من أجل توفير الغذاء لأبنائنا، بعد أن سئمنا من جدوى رفع المطالب إلى الجهات الرسمية لتوفير فرص عمل أو صرف رواتب أو مساعدات تقينا شر الفقر وتغير واقعنا المزري".

على طرف آخر من مكان تناثر نفايات الأرز المنتشرة بالقرب من مصانع الأرز، تواظب أمباركة بنت محمود على حزم أمتعها، والحضور باكرًا من أجل تقشير ما أمكن من حبات الأرز المتساقطة، بعد رحلة طويلة للقائمين على المصانع جمعوا من خلالها ما أمكن من الأرز لتسويقه وعرضه في السوق المحلية. هناك حيث يعرض للاستهلاك بأسعار لا تتوافر لدى الفقراء والعاطلين عن العمل.

بنت محمود، تلجأ إلى تقشير نفايات الأرز في زمن الحصاد "لكننا نواصل العمل من أجل توفير لقمة العيش لأبنائها في فترات أخرى لا تتوافر فيها أي بقايا للأرز في المصانع ويختفي فيها تمامًا مثل هذا المشهد الذي لا يتكرر طوال العام". واعتبرت بنت محمود أن النساء اللواتي يعتمدن حاليًا على توفير لقمة العيش من خلال تقشير الأرز يكابدن من أجل الحياة بعد انتهائها، معتبرة أن من بين المهن القليلة التي يستطعن إنجازها هي بيع "الكسكس" و صناعة "الأقشمة" وتطريز ثياب النساء". هي واحدة من اللواتي يصررن على مواصلة الحياة رغم سد منافذها أمامهن مرات عديدة.. "ما يهمنا هو توفير لقمة العيش لأطفالنا بأي وسيلة وعن طريق أي عمل نبيل لا يزري بالعرض ولا يخدش الحياء".

إلى متى؟

على الرغم من اقتراب فترة انتهاء محاصيل مصانع الأرز بموريتانيا، وتوقف ما يتوافر للفقراء من مواد غذائية مجانية، فإن العديد من الأسر التي تعيلها نسوة دأبن على تقشير بقايا الأرز ستبقى في نفق مظلم ويكدر الفقر والبطالة صفوها، من دون أن يجدن أي تدخل من الجهات الرسمية لإنقاذ حيواتهن وحياة أسرهن. وفي هذا الصدد، تقول توت بنت الشيخ إن توقف فتات الأرز الذي توفره المصانع للفقراء يؤرقها، وإنها تأمل في الحصول على مصدر رزق بديل مع اقتراب انتهاء صلاحية ما أمكن جمعه من حبات الأرز المقشر المتناثرة بكثرة في ساحات المصانع بمدينة "روصو" جنوب موريتانيا.

تجمع النسوة اللواتي يعتمدن على نفايات مصانع الأرز بموريتانيا أن الفقر، والبطالة، وعدم تجاوب السلطات الرسمية مع مطالب الفقراء، عوامل تعبر عن معادلة تؤرق الكثير من الأسر في ظل ظروف ارتفاع صاروخي للأسعار في البلد، قد يتسبب في نشوب مجاعة قريبة في صفوف العاطلين عن العمل بشكل عام. وطالبت النسوة، كما في كل مرة، الجهات الرسمية المعنية، والمنظمات المهتمة، بمساعدة الفقراء. يجب أن يحدث تدخل عاجل ينقذ حياة مئات المواطنين، في ظل واقع مزري سببته الظروف الصعبة التي يعاني منها الكثير من الأسر. باستثناء نفايات معمل الأرز، ليس لدى هؤلاء سوى الموت.