01-ديسمبر-2017

قاطع ثلثا الجزائريين الانتخابات الأخيرة (بلال بن سالم/ NurPhoto)

أوحت الأحزاب المترشحة للانتخابات البلدية، قبل موعدها يوم 23 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، انطباعًا أن الجزائر كلّها ستنتخب، من خلال أعراسها الانتخابية، في مقدّمة مظاهرها أبواق السّيارات، حتى أنني سمعت فتى يقول: "أحزاب العالم تقدّم برامج ورؤًى، بينما تقدّم أحزابنا أبواقًا".

بات الجزائري مستعدًا لتشرّب أي فكرة إذا كان حاملها مقنعًا ولأن هناك فراغًا مهولًا في ساحة المقنعين محليًا، فقد استسلم شبابنا لإقناعات الخارج في مجالات كثيرة

من خصائص الحبر، الذي بات مستعملًا في الانتخابات أنه لا يزول بسرعة من الأصابع. فقد بات ممكنًا أن تعرف بسهولة تامّة من شارك في الانتخاب ومن قاطعه. وقد قادني فضولي إلى تتبّع الأصابع في مدينتي، فتوصلّت إلى جملة من الملاحظات الجديرة بأن تقف عندها المنظومات المعنية بها، فقد باتت مستقيلة بشكل مزعج ومثير للحيرة.

اقرأ/ي أيضًا:  الشباب الجزائري والانتخابات البلدية.. فرص مُعلقة أمام فقدان الجدوى

أولى هذه الملاحظات: تساوي أصحاب الأصابع المنتخبة مع أصحاب الأصابع المقاطعة في الشّعور بالحرج من بعض. فالمنتخب يجتهد في إخفاء إصبعه الملوّنة حين يلتقي صديقًا مقاطعًا، والمقاطع يجتهد في إخفاء إصبعه غير الملوّنة حين يلتقي صديقًا منتخبًا، فكأنّها فضيحة متبادلة.

هناك خلاف جذري بينهما لكنهما لا يريدان له أن يؤثّر في علاقتهما. وعلى الجزائريين أن يغذّوا هذا السّلوك فيهم. فخطر أن تفرّق بينهم الانتخابات أكبر من خطر نتائجها، التي أفرزت الأحزاب الحاكمة نفسها، وقاطعها ثلثا الجزائريين المؤهلين للانتخاب، مع مراعاة مليون ونصف مليون ورقة ملغاة، فهو رقم دالّ أيضًا. لأن روح التفرقة إذا عمّت ستحرمنا من التعجيل في نضج المجتمع المدني، وتكامله في القيام برهاناته، وفي ذلك إطالة أكثر للمنظومة القديمة التي بات جليًا أنها ليست غبيةً على الإطلاق.

ثاني هذه الملاحظات: لا يُخفي أصحاب الشخصيات القوية أصابعهم، منتخبةً كانت أم مقاطعةً. ويواجهون بها الجميع بعيدًا عن الشّعور بأية عقدة. فكم من صاحب إصبع ملوّنة جعل صاحب إصبع مقاطعة يندم على مقاطعته، وكم من صاحب إصبع مقاطعة جعل صاحب إصبع منتخبة يندم على انتخابه، فيلجأ إلى جذع شجرة أو خدِّ حجرة أو وجه حائط ليحكّ عليه إصبعَه.

الأهم من سؤال من انتخب ومن قاطع في الانتخابات الجزائرية الأخيرة؟ سؤال: أين اتجاه المستقبل؟ ومن علامات فشلنا أننا تركناه معلّقًا منذ عام 1962

اقرأ/ي أيضًا: مترشّحون للانتخابات الجزائرية يركبون قوارب "الحرقة"!

إنّ المعركة معركة إقناع، وقد بات الجزائري مستعدًّا لتشرّب أية فكرة إذا كان حاملها مقنعًا. ولأن هناك فراغًا مهولًا في ساحة المقنعين محليًا، فقد استسلم شبابنا لإقناعات الخارج في مجالات كثيرة هي جوهر الأمن القومي مثل الثقافة والدين. إذ ما معنى أن يستورد المتديّنون الجزائريون فتواهم من مخابر أجنبية، أكدت الأيام والوقائع أنها ليست مخابرَ دينية صرفًا، فهي خادمة للمخابر السّياسية، التي تشترك معها في المصدر والرّؤية والموقف.

ثالث الملاحظات: هناك قطاع واسع من الرافضين للنتائج من المتدينين قد دفعتهم خيبتهم إلى تكثيف الانزواء في المساجد، بينما دفعت الخيبة في النتائج قطاعًا واسعًا من غير المتدينين إلى الإكثار من الانزواء في فضاءات الخمر والحشيش. وعلى المنظومات كلها أن تنتبه إلى ضرورة مرافقة هذه الحالة حتى لا تنضمّ إلى المنابع الموجودة أصلًا في تغذية آفتي التطرّف والتفسّخ معًا. فهو مقام يسهل فيه استقطاب النفوس الهشّة، من غير اللجوء إلى إغراءات كثيرة، ذلك أن مفعول الإحساس بالخيبة داخله محرّض حقيقي على أحد الخيارين.

الأهم من سؤال من انتخب ومن قاطع؟ سؤال: أين اتجاه المستقبل؟ ومن علامات فشلنا أننا تركناه معلّقًا منذ عام 1962.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائريون والتدين.. عودة الاعتدال؟

الشارع الجزائري.. قاموس مفخّخ بالبذاءة