25-نوفمبر-2016

من إحدى المظاهرات ضد التحرش الجنسي والعنف الأسري (أ.ف.ب)

الأمر كان أشبه بالسؤال عن الأسرار الحربية . الكل لا يحب الصحافة ولا يريد أن يتحدث إليها. دور الرعاية الحكومية رفضت الحديث معنا تمامًا. "الصحافيون.. لا تأتي من ورائهم سوى المشاكل"، هذا ما قيل لنا، ونحن نبحث عن "ناجيات" من العنف. كان من الصعب الحصول على أي تصريح. وبعد جهد، تمكنا من الاتصال بإحدى الناشطات. عرضنا عليها الزيارة ومعاينة الأماكن أو دور الرعاية، التي يتم فيها استقبال الفتيات الناجيات من مختلف مظاهر العنف في المجتمع المصري. رفضت الزيارة، لكنها قالت بهدوء: "اسألوا وأنا أجيب".

قصص الناجيات من العنف أشبه بالأسرار المخفية في مصر

تخبرنا الناشطة، وهي واحدة من العاملات بهذه الدور، أنها تستقبل المعنفات والناجيات من العنف في مصر من الأجانب والمصريات، واللاتي تعرضن إما لعنف ما جسدي، إما بالضرب أو الاغتصاب أو عنف أسري و أصبحن بلا مأوى".

تقول إن المعنفة يتم "استقبالها في أحد الدور فترة لا تزيد عن العشرة أيام. في بعض الدور قد تصل إلى ستة شهور . قد لا تكون هذه الدار دارًا بالمعنى الحرفي أو الرسمي للكلمة، وذلك لتأمين المعنفة أو الناجية. قد تكون شقة من أربعة غرف، وتكون في منطقة بعيدة عن مكان تعرض الناجية للعنف. بعض الحالات يتم صرف "معاش" لهن ويدخلن في برامج إعادة تأهيل ودمج في المجتمع".

وحين نسألها: "هل الناجيات أو المعنفات الأجنبيات يتلقين نفس البرنامج الذي تتلقاه المصريات؟"، أجابت: "المعنفات من الأجانب يتم صرف معاش لهن حسب عدد أفراد أسرهن، أما المصريات فتقوم برامج الرعاية، التي تقدمها الدور بتعليمهن حرفًا يدوية يستطعن من خلالها أن يعملن ويحصلن على شيء من الاستقلال المادي. كما أن المصريات لا يتم استقبالهن لفترات طويلة، بل فقط حتى يتم إنهاء فترة توتر الأوضاع عندهن".

اقرأ/ي أيضًا: الأخوات السلفيات.. الجنس الشرعي دربك إلى الجنة!

تقول الناشطة إن "في مصر، يوجد حوالي إحدى عشر دارًا لإيواء المعنفات، بعضها يعمل منذ أكثر من خمسة عشر عامًا. بعضها يتمركز في قلب القاهرة، وبعضها الآخر على أطرافها". وتضيف أنه "يتم تحويل الفتيات إلى هذه الدور أو هذه الخدمة من خلال الجمعيات التي "تعمل" لمكافحة العنف ضد النساء، حيث يتم تحويل الحالات عبرها".

وتحصل دور الناجيات من العنف، التي تستقبل "غير المصريات" على رعاية تمكنهن من تخطي الحواجز النفسية التي خُلقت لديهن مما مروا به من تجارب عنيفة، وتصبح كل معلوماتهن في سرية تامة حتى يتوفر لهن الأمان، وحتى تتمكن أيضًا من الحصول على الاستقلالية. تتولى الـ UNCHR  المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مهمة توفير هذه الرعاية.

كان من أهم الأسئلة التي تطرقنا لها أثناء حديثنا مع الناشطة، عن الوضع القانوني للمعنفات في مصر: "هل يقف في صالح المعنفات وهل تتم متابعة أوضاعهن؟". وكانت الإجابة أن القانون لا يتم تطبيقه في مصر، حتى وإن وُجدت نصوص واضحة تقف في صالح المرأة. بل إن بعض نصوص القانون تمكن الطرف الآخر من الإفلات من العقاب.

القانون المصري مجحف بحق المعنفات وبعض النصوص تقف ضدهن وتكرس الإفلات من العقاب

على سبيل المثال، يتم تعريف جريمة الاغتصاب في المادة 267 من قانون العقوبات المصري، تعريفًا سطحيًا. و"يقتصر على إيلاج العضو الذكري إلى مهبل الناجية"، ويقوم بتعريف الاعتداء الجنسي في المادة 268 كـ"هتك عرض". وبالرغم من إقرار المستشار عدلي منصور، الرئيس الموقت السابق، قانون رقم 50 لعام 2014 لتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بقانون رقم 58 لسنة 1937، والذي شمل تعديلًا بالمادة رقم 306 مكررًا، لتغليظ العقوبات، وإضافة المادة 306 "ب"، لتقوم بتعريف جريمة التحرش الجنسي لأول مرة في تاريخ التشريع القانوني المصري، إلا أن الوضع على أرض الواقع سيء.

ولكن في نفس الوقت فإن المادة 17 من قانون العقوبات المصري لا تزال تشكل معضلة حقيقية في شأن جرائم (الاغتصاب) لأنها تعطي القاضي سلطة استعمال الرأفة في أقصى درجاتها عندما ينزل القاضي بالعقوبة درجتين عن العقوبة المقررة أصلًا حيث تنص على أنه: "يجوز في مواد الجنايات، إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة، تبديل العقوبة. أي إنزالها من الإعدام إلى السجن المؤبد، ومن السجن المشدد إلى السجن فترة لا تزيد عن ستة أشهر. وهي استراتيجية تشريعية يتم استخدامها على نطاق واسع في قضايا الاغتصاب والعنف الجسدي".

اقرأ/ي أيضًا: تمرد المصريات.. اعترافات بفض غشاء البكارة

وبناءًا عليه فإن إجراءات القضاء والمحاكم طويلة، وقد لا تحصل المعنفة في النهاية على حقها. ففي النهاية تحاول المعنفة أن تحل مشاكلها بشكل ودي. وهذا يعني أنه يمكن أن تتعرض الفتاة للعنف مرة أخرى ويمكن أن يتم تحويلها مرة أخرى لدار الرعاية، وهنا تجيب الناشطة أن ذلك "غير ممكن". "لكن كانت هناك حالة واحدة فقط لسيدة في الأربعينات من عمرها متزوجة وقد توفي زوجها فتعرضت للعنف من أولاد زوجها، وكانوا يقومون بإعطائها الممنوعات للتحكم في وعيها، كما تعرضت للتحرش الجنسي، ونتج عن ذلك كله إصابتها بهلوسات سمعية وبصرية وتحويلها إلى مستشفى أبو العزايم للأمراض النفسية".

يُذكر أن مركز النديم في مصر هو أول مركز مصري يتابع حالات العنف ضد النساء في مصر، لكنه في هذه الأيام، يتعرض لهجمة شرسة من النظام المصري ولبعض المحاولات لإغلاقه. الجدير بالذكر أن هناك عدة دور لإيواء المعنفات في مصر تم إغلاقها إبان حكم المجلس العسكري. آخر المواجهات مع النظام كانت منع السيدة عايدة سيف الدولة، أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس من السفر إلى تونس، العاملة على تأهيل ضحايا التعذيب في شمال إفريقيا.

اقرأ/ي أيضًا:

التحرش.. وسواس مدارس مصر

تحرش جنسي في إعلان "فودافون" المصري!