20-يوليو-2016

(The Talks)

الطريق إلى عقل باولو كويلو ليس مفروشًا بالألغام فقط، إنما بالنوايا الخبيثة التي تحيطه، وتملأ قلوب من يقتربون منه ثم يجبرهم القدر على البعد. خلف أبوابه المغلقة حياة كاملة لأديب يداعب أبطاله، يخاف عليهم، يقسو في عقابهم أحيانًا لكنه ليس قاسيًا مع ضيوفه. من أصابتهم "فوبيا الشهرة" يخافون من الاقتراب منه، يعتبرونه قديسًا لا بد أن تكون الكلمات معه محسوبة، والاقتراب منه بحدود.. رغم إنه لا يرى نفسه قديسًا. 

المشكلة الوحيدة التي سببتها الشهرة باولو كويلو هي أن الناس تقول عنه أشياء "غير صحيحة"

في حوار للكاتب الصحفي خوان أرياس، نشرته مجلة "إبداع" المصرية، الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، كان باولو كويلو صريحًا في الكلام عن مخاوفه، وفوبيا حياته. 

اقرأ/ي أيضًا: نيرودا كتب لي قصيدة

الشهرة

الأسئلة التي تطارده، وتبدأ بـ"بعدما أصبحت مشهورًا" قبل أن يكتمل السؤال تكون إجابته: "لا شيء يتغير". بالنسبة إلى باولو كويلو، المشكلة الوحيدة التي سببتها الشهرة إن الناس تقول عنه أشياء "غير صحيحة": "وأظن بنسبة 90% أن غيري من المشهورين يعتبروها غير صحيحة". ما الذي يزعج باولو كويلو؟ يقول: "يبدأ الناس كلامهم معك بجملة (أعرف أنك مشغول للغاية) أو (ليس لديك وقت لأي شيء أو أي شخص)، وهذا غير صحيح". ثم يروي تفاصيل أحد أيامه: "اليوم، استيقظت في وقت متأخر من الظهيرة لأنني رغبت في رؤية مباراة فرنسا، وبعد ذلك لدي حوار طويل، ولهذا نمت لوقت قصير لكن لا شيء لدي لأقوم به. ماذا سأفعل؟ ربما أكتب بعض المقالات تكفي الأعمدة الصحفية المخصصة لي خلال الفترة المقبلة، لعلمي أن هناك كثيرًا من العمل ينتظرني في المستقبل، ولكن من عودتي إلى البرازيل لم أفعل أي شيء". ربما لهذا السبب يشعر باولو كويلو بالوحدة. 

الأصدقاء

من كثرة اعتياد أديب البرازيل الأهم على الوحدة أدمنها. يقول: "أشعر بالراحة وأنا وحيد لكنني لست وحيدًا تمامًا فزوجتي كرستينا إلى جواري دائمًا، لكنها تعمل في المرسم الخاص بالجهة المقابلة، أما أنا فأجلس أمام الكمبيوتر وتمر الساعات دون تبادل كلمة واحدة، لكننا نشعر بوجود بعضنا".

كيف يكسر الملل والوحدة؟ "أنا معتاد على العمل ليلًا، طقس لا أستطيع الإقلاع عنه، أحب التجول ومقابلة الناس والقيام بأشياء متعددة في أبسط صورة ممكنة". يشعر الناس، المصابين بـ"فوبيا الشهرة"، أن المشاهير مخلوقات غير عادية.. يغضب باولو كويلو من تصور إنه غير عادٍ، لكن الجملة حقيقية.. هم يشعرون بذلك، وهو شعور "كاذب": "غالبًا ما تسمع هؤلاء الأصدقاء يقولون (أعجبت بباولو عندما لم يكن مشهورًا). على العكس أنا الآن أسعد حالا مع أصدقائي القدامى، ليس لأنهم أصدقائي وأنا مشهور، إنما لأنهم كانوا أصدقائي عندما كنت مغمورًا".

لدى باولو كويلو تجربة "معقَّدة" مع "هجر أصدقاء الفقر" تصل إلى حد الخطيئة. حين كان مؤلف أغاني اعتقد إنه "ملك" يحرك العالم بإشارة من إصبعه، وبدأ طريق الشهرة، وشرائط الكاسيت وكسب المال، والتحق بإحدى شركات التسجيل الدولية، وكان أول شيء يقوم به هو "تغيير أصدقاءه". حينها، قال لنفسه: "الآن اصبحت مهمًا للغاية، ولا يوجد شيء مشترك بيني وهؤلاء (الهيبز) بأفكارهم المغايرة".

الحسد أبشع الخطايا الإنسانية لأن الحاسد لا يقول: أريد تحقيق ذلك، بل يقول: لا أريد لفلان أن يحقق ذلك

وفي اليوم الذي فقد فيه وظيفته.. "كنت وحيدًا تماما لأن الناس الذين ظننتهم أصدقائي الجدد توقفوا عن الاتصال لي، وكنت قد فقدت أصدقائي القدامي، وتعلمت من هذه التجربة، وقلت: لو سمحت لي فرصة أخرى، كنت سأحتفظ بأصدقائي مهما كانت التكلفة". نشأت في نفسية باولو كويلو عقدة "فقدان الأصدقاء"، يقول: "كانت رغبتي ألا افقد أصدقائي رغم الشهرة التي تحيط بي، ولم يكن سهلًا، لأنهم بدأوا التعامل معي بشكل رسمي. كانوا يتصلون بي عند نشر شيء عني في الصحف، ليخبروني أنهم قرأوا أو شاهدوا شيئًا لي. والآن، حتى عندما أتحدث إلى البابا ذاته، لا أتلقى مكالمة واحدة تقول لي: (لقد رأيتك بصحبة البابا في التليفزيون)".

اقرأ/ي أيضًا: مانفستو الديك النوبي.. قراءة لعنة التاريخ  

الحسد

هل يحرك الحسد أصدقاء "باولو كويلو؟ أغلب الظن لا، أو هكذا يعتقد، ولديه تفسير آخر: "يرجع ذلك إلى ظنهم إنني شخص غير متاح، فالشخص الذي يحظى بمقابلة البابا لا يستطيع لاحتفاظ بأصدقاء قدامى، لكنهم مخطئون". ويجيب على سؤال آخر: "لا يناسبني أن أتصرف كشخص مشهور، وأتعامل مع مواقف الشهرة بشكل سيء للغاية". "الحسد" ليس مذكورًا في القرآن فقط، يؤمن به ملوك ومماليك ورؤساء وأدباء، يكفي إن باولو كويلو يؤمن به، ويخاف منه ويحاربه بـ"السحر الأسود"، يقول: "أحمي نفسي من الحسد بترنيمات سحرية، أصنع حاجزًا للحماية، مطب صناعي يمنعه، يوفر على أي مجهود لمواجهته وجهًا لوجه".

الحسد – من وجهة نظر باولو كويلو – "أبشع الخطايا الإنسانية لأن الحاسد لا يقول: أريد تحقيق ذلك، بل يقول: لا أريد لفلان أن يحقق ذلك". ولأنه يؤمن بالله ولا يصدق في الحسد وحده يقول: "أعلم أنني قادر على تدمير نفسي، والرب قادر على تدميري ولكن ليس الحسد، فالحسد يدمر ذلك الشخص الذي يرقد في صدره، لأنه ثعبان سام".

المخدرات

أخذت المخدرات جزءًا من روح باولو كويلو. ينسب السبب إلى إعلانات وحملات معارضة للإدمان: "تدار بأسلوب عقيم وبها انتهاكات كثيرة كما هو الحال مع التدخين، فأسوأ شيء يمكن القيام به مع هذه الأشياء هو أن تنسبها إلى الشيطان كما لو كانت أشياء بشعة ولا معنى لها، وأرى أن هذه أفضل طريقة لدفع جيل بأكمله إلى أحضان المخدرات، لأن مجرد التصريح بأن المخدرات مضرة، يدفع الشباب إلى تناولها.. وهو نوع من أنواع التمرد". إجابة مختصرة عن أسباب إدمانه للمخدرات. يفصِّل باولو كويلو ما أجمله: "يرجع ذلك لرغبتي في التمرد، لأنها كانت ممنوعة وكل شيء ممنوع يفتنني، فالمخدرات مثلت لي ولجيل (68) وسيلة احتجاج على جيل الآباء، لقد احتججنا بوسائل متعددة، ومنها المخدرات، فأنا متطرف دائمًا ولا أرضي بأنصاف المواقف، وأشكر الله لأنني مازلت متطرفًا".

السياسة

في شبابه، اختبر باولو كويلو لعبة السياسة والمعارضة والمظاهرات، التي لم يحبها، لأنه دفع الثمن "مصحة نفسية وسجن وتعذيب". يعتبر نفسه "حيوانًا سياسيًا". يقول: "لا انتماء حزبي لي، ولا محاولات لضمي لأي حزب، ولكن كتبي لها بعد سياسي لأنني أساعد الناس على اكتشاف أشياء عديدة من خلال أسطورتي الشخصية". كيف؟ "أنبه الناس إلى كل أنواع التعصب التي تسعى إلى التغلب على غيرها من التوجهات المعتدلة وأنبههم الثقافات والمعارف المزيفة، ونفاق السياسيين الذين لا يهتمون بالمواطنين.. ولكن يستخدمونهم لتحقيق نزواتهم". 

ينسب باولو كويلو السبب في تعاطيه المخدرات خلال فترة من حياته إلى إعلانات وحملات معارضة الإدمان

اقرأ/ي أيضًا: عارف حجّاوي: أخاف من الخائفين على اللغة العربية

100 ألف دولار

بأقل قدر من الندم، يتحدث باولو كويلو: "خصَّصت 300 ألف دولار في العام من حقوقي كمؤلف لمؤسسة باولو كويلو الخيرية. في العام الماضي ونتيجة لخطأ ارتكبته في أحد الحوارات، أصبح الرقم 400 ألف دولار، ولأنني صرحت بذلك، وحتى لا أكون كاذبًا قررنا تخصيص 100 ألف دولار أخرى لإيواء أطفال الشوارع". ويضحك: "لدي قلق من أن يكلفني الخطأ 100 ألف دولار كل سنة".

الموت

يقول باولو كويلو: "لا أخاف من الموت، لأنني واجهته عدة مرات خلال حياتي، وهناك مرات عندما كنت متورطًا في تعاطي الحشيش، كنت على يقين من أنني سأموت، ولكن الآن الخوف من الموت لا مكان له في حياتي". يضرب مثلًا بـ"الخوف من ركوب الطائرات": "لم يكن بسبب القلق من الموت، ولكن للخوف من أن أكون في حالة انعدام وزن". ويكشف جانبًا من "معتقداته الدينية": "لم أعد أخاف من الطائرات، تعودت عليها، تخلصت من هذه المخاوف في مدينتي "أفيلا" و"سانت تريز" ببركة المسيح، مررت بتجربة دينية مكثفة، تجاوزت بفضلها كل مخاوفي، ومن ضمنها الطيران".

بمناسبة الطيران، لدى باولو كويلو قصة، يقول: "لن أنسى تلك الرحلة – وكنت أخاف من الطائرات – حين جلست بجوار امرأة لم تكن تفعل أي شيء إلا شرب الخمر، ونظرت إليّ لتقول: (ألا تظن أنني مدمنة، وهذا ما أخافه).. وبدأت استعراض أسوأ شيء يمكن أن يحدث خلال ركوب الطائرة لعطل ما أو تحطم الأجنحة، لم تغفل التفاصيل الدقيقة، كما لو كنا نمر بتجربة (سقوط الطائرة)".

معنى كلام باولو كويلو إنه رجل بلا شيء يخاف منه الآن.. لكن الحقيقة مختلفة.. لديه ما يخاف منه، وكلها مخاوف صغيرة. لا يزال "أديب البرازيل" يخاف من الكلام أمام الجمهور. 

وماذا بعد الموت؟ لم يرتب باولو كويلو للتجربة المرعبة. شيء واحد فعله لأنه لا يريد الفضيحة بعد الموت: "أتخلص من أي شيء أكتبه ولا أريد نشره، حتى أتجنب مشكلة نشره بعد موتي كما يحدث مع عدد من الكتاب الآخرين، ورأيته شيء غير مقبول. ويدهشني ذلك التعدي على بنشر أشياء رفض المؤلف نشرها في حياته".

اقرأ/ي أيضًا:

غسّان كنفاني.. العودة إلى الدرس الأول

وصفة سحرية للكتابة!!