19-يونيو-2019

مظاهرة نسائية سابقة مناهضة للتمييز ضد المرأة (EPA)

في تصريح مفاجئ خرجت بسيمة الحقاوي، وزيرة المرأة والتضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية، والقيادية في حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي، مطالبة من علماء الدين، النظر في إمكانية مراجعة النصوص الدينية المتعلقة بقضايا التعصيب في الإرث، وما إذا كانت قابلة للاجتهاد أم لا، دون نقاش النصوص القطعية، وذلك بسبب تسجيل حالات من النساء لا يأخذن حقهن الشرعي في الميراث، يعانين من تسلط الذكور عليهن.

طالبت وزيرة مغربية تنتمي لحزب العدالة والتنمية، من علماء الدين مراجعة النصوص الدينية المتعلقة بقضايا التعصيب في الميراث

تصريح الوزيرة أثار الجدل، مباشرة بعد بث برنامج "في حديث مع الصحافة"، نهاية الأسبوع الماضي. فالوزيرة تنتمي إلى حزب محافظ محسوب على التيار الإسلامي، وكان قد تبنى موقف "الحياد" من قضية الإٍرث خلال تموقعه في المعارضة وأيضًا أثناء قيادته للإئتلاف الحكومي.

الحق في الإرث.. قضية عدالة

تُعتبر قضية الإرث في المغرب، من مثيرات الجدل المجتمعي. وتختلف عليها الفرق والأيديولوجيات، لكن المُشرّع لازال يحسم في الأمر، ويُحدده وفق ضوابط واردة في النصوص الأصلية للقرآن والسنة، دون زيادة أو نقصان، وذلك مفسر بشكل دقيق ومطول في الكتاب السادس من مدونة الأسرة.

اقرأ/ي أيضًا: المساواة في الإرث في المغرب.. جدل وتكفير

وفي السنة الماضية، وقّع عشرات من الفاعلين السياسيين، والحقوقيين، والمفكرين والباحثين في المغرب، من تيارات فكرية مختلفة؛ على عريضة إلكترونية تطالب بإلغاء نظام التعصيب في الإرث، بدعوى "أنه مجحف للمرأة ولا يتناسب مع مقاصد الشريعة الإسلامية في تحقيق العدل بين الناس".

والتعصيب هو قاعدة في فقه المواريث، تنص على أن كل وارث ليس له نصيب مقدر، وإنما يأخذ كل المال عند الانفراد أو ما تبقى من التركة عند وجود صاحب الفرض (أصحاب النصيب المقدر سلفا من الإرث)، ويسقط إذا لم يبق له شيء يقابله الإرث بالفرض، ويكون الإرث بالتعصيب للقريب الذكر، مثل العم وابن العم وابن ابن العم، ويقول البعض إن هذه القاعدة لا أساس لها في القرآن. 

وهذه العريضة قوبلت باصطفاف فريقين متقابلين حيال هذه القضية الشائكة: الفريق الأول يطالب بالتوجه نحو المساواة لأسباب تتعلق بـ"إنصاف المرأة ورفع الظلم عنها"، والفريق الثاني يرفض هذه الدعوة متسلحًا بما يقول إنها نصوص قطعية في الشريعة الإسلامية.

محمد أمين بورحو، أستاذ باحث في الفكر الإسلامي، قال لـ"الترا صوت"، إن تصريح الوزيرة الحقاوي "أعاد جدل الإرث إلى الواجهة"، فالأمر، بحسب قوله، "لم يعد متعلقًا بالمساواة في الإرث التي يتجه المغرب إلى إقراره، ولو بعد حين، لكن الضرورة أصبحت ملحة في مسألة إلغاء التعصيب والتي تسمح لقريب من جهة الأب دون الأم (العم وابن العم وابن ابن العم) الاستفادة من التركة في حالة ما إذا كان للميت بنات دون الذكور".

وأضاف بورحو: "الإسلام دين عدل، ومنطقيًا لن يسمح عادل أن يستفيد شخص من مال لم يساهم في تكوينه ولا جمعه ولا مساعدة أصحابه الشرعيين، فتصبح  الوارثات اللواتي ليس معهن شقيق ذكر، مجبرات على تقاسم الإرث مع الذكور الأقربين من إخوة وأبناء إخوة وأعمام و أبناء عم وإن بعدوا.

المساواة في الميراث في المغرب
تظاهرة نسائية سابقًا تطالب بوقف التمييز ضد المرأة

واعتبر المتحدث أن إلغاء نظام التعصيب هو "تحقيق لمبدأ العدالة، وتحقيق للمساواة بين الجنسين"، معللًا: "لأن العصر الحالي لم تعد فيه المرأة تعتمد على أخيها أو عمها أو أبناء عمومتها لإعالتها، بل أصبحت تلعب دورًا اقتصاديًا في المجتمع، وتساهم بشكل كبير في الإعالة المادية لأسرتها".

"العرائض لا تُلغي الفرائض"

مقابل الأصوات التي تدعو إلى المساواة في الإرث في المغرب، ثمة أصوات أخرى تطالب بتطبيق نصوص الشريعة في تقسيم الإرث بين الأفراد دون الحاجة إلى اجتهاد فقهي، الأمر الذي يسبب سجالًا بين الأطراف في المجتمع المغربي.

أحمد الريسوني، الفقيه المقاصدي المغربي وخليفة القرضاوي على رأس رابطة علماء المسلمين، قال في تصريح سابق، إن العريضة الموقعة والمطالبة بإلغاء الإرث بالتعصيب، "تطالب بإسقاط ما فرضه الله". وأضاف الريسوني إن "المجتمع المغربي يقف في صف الشريعة وأحكام الدين ولن يقبل بتدخل المحاربين والمحرفين".

إلغاء التعصيب.. قرار سياسي

من جانبه، اعتبر محمد الرفيقي الملقب بأبو حفص، الباحث الإسلامي، وكان أحد أشهر الأسماء السلفية في المغرب سابقًا، اعتبر أن تصريح الحقاوي "رغم أنه محتشم إلا أنه أخذ منحى التطور الملحوظ، ويكتسب قوة بحكم انتمائها الأيديولوجي لحزب إسلامي وحركة دعوية تطغى عليهما الروح السلفية في الاختيارات الفقهية".

وقال الرفيقي لـ"الترا صوت"، إن "العقل الفقهي الذي تخاطبه الوزيرة اليوم يعي جيدا أن التعصيب ليس له أصل صحيح لا نقلًا ولا عقلًا، وأنه ليس إلا نظامًا قبليًا أفرزه سياق القبيلة والعصبة والحمية، ويعي جيدًا أن الاجتهاد الفقهي قد مس ماهو أصلب من التعصيب وأقوى منه في التأصيل والبناء، بمباركة الجميع دون اعتراض".

محمد رفيقي
محمد رفيقي: "إلغاء التعصيب يحتاج لقرار سياسي"

أبو حفص اعتبر أن إلغاء التعصيب يحتاج لقرار سياسي فقط، أما الاجتهاد والمخارج الشرعية، والنظر الفقهي فـ"أمره أيسر بكثير، وهو واضح من حيث تغير السياقات والواقع، ولا يحتاج لجهد خارق ولا إبداع غير مسبوق"، على حد قوله.

وخلص الرفيقي في حديثه إلى أن المغرب "وجب أن يقطع مع النظام القبلي الذي جعل أقرباء الميت من أبيه يستفيدون من تركته وماله وكسبه دون أن يتحملوا أي جزء من المسؤولية في تدبير الأسرة وتحمل مصاريفها"، معللًا: "لأن القصد في الإسلام هو العدل، وليس التشبث بأنظمة قبلية بائدة انتفت كل عناصرها ومقوماتها".

مرحبًا بالاجتهادات الفقهية

حركة التوحيد والإصلاح وهي حركة إسلامية، تعتبر جناحًا دعويًا لحزب العدالة والتنمية؛ شددت في بيان سابق لها على ضرورة "التمسك بسمو المرجعية الإسلامية، خاصة منها القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية"، مستدركة: "لكن هذا لا يمنع الترحيب بكل اجتهاد فقهي وقانوني يستجيب للمستجدات والتطورات ويعالج المشاكل المستجدة الحقيقية، متى وقع ذلك في نطاق المرجعية الإسلامية".

الكثيرون رأوا في موقف التوحيد الإصلاح "ضبابيةً"، خاصة أنها في بيانها العلماء والمفكرين إلى "تحمل مسؤوليتهم والتمسك بسمو المرجعية الإسلامية، وخاصة منها القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية".

يقول الباحث الأكاديمي في التاريخ والفكر الإسلامي، محمد أمين بورحو، إن المغرب "شديد الاعتبار للتوازنات الداخلية، ويراعي حساسية المجتمع في مثل هذه المواضيع"، يقصد إلغاء التعصيب، وإن كان يرى أنه في نهاية المطاف، سيصل المغرب إلى إقرار المساواة في الإرث على نحو ما حدث في تونس.

لا يزال الشارع المغربي منقسمًا في قضية الميراث بين من يدعو لإلغاء التعصيب ومن يشدد على أنه مستند إلى نصوص دينية قطعية

لكن بورحو يؤكد على أن نقاش قضية الإرث في المغرب، يلزمه "وعي من جميع الأطراف للوصول إلى نتائج حقيقية"، لافتًا إلى ضرورة البعد عن "إقحام الدين بشكل يحاول به كل فريق الانتصال لرأيه، بعيدًا عن تدبير الاختلاف".

 

اقرأ/ي أيضًا:

عريضة لإلغاء "التعصيب".. جدل المساواة في الميراث ينتقل إلى المغرب

موقف هادئ من المساواة في الميراث بين الجنسين