28-نوفمبر-2023
جانب من الندوة

جانب من الندوة (المركز العربي)

عقدت وحدة الدراسات الاستراتيجية في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يوم الأحد 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، ندوة بعنوان "الحرب على غزة: منظورات عسكرية واستخباراتية وإقليمية"، شارك فيها عمر عاشور، رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي، وأحمد قاسم حسين، باحث في المركز العربي، ومهند سلوم، أستاذ مساعد في الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا، وإينا رودولف، زميلة باحثة أولى في قسم دراسات الحرب في كلية كينغز كوليدج في لندن. وأدار الجلسة سيد أحمد قوجيلي، أستاذ مساعد في الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة.

في المداخلة الأولى، قدّم عمر عاشور تحليلًا عسكريًا للمواجهات المسلحة منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، من خلال ثلاثة مستويات للتحليل؛ تكتيكي وعملياتي واستراتيجي. وأشار إلى أنّ وتيرة القتال عالية الحدّة وغير مسبوقة على مستوى قطاع غزّة، وقد تكبّدت إسرائيل في يوم العملية أكبر عدد خسائر في يوم واحد منذ عام 1948، إذ بلغ عدد الجنود الإسرائيليين القتلى خلال 15 عامًا من الحرب في جنوب لبنان (1985-2000) نحو 300 قتيلًا، بينما تجاوز 300 خلال خمسين يومًا فقط من الحرب الدائرة. ومن حيث القدرة الصاروخية لقوى المقاومة الفلسطينية، أشار عاشور إلى أنّ حصار غزّة لم ينجح في تقليصها، إذ أطلقت قوى المقاومة الفلسطينية خلال 27 دقيقة يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر حوالى خمسة آلاف صاروخ وقذيفة هاون (حوالى ثلاثة آلاف بحسب التقديرات الإسرائيلية)، مقارنةً بأربعة آلاف ونيف طوال حرب عام 2014 التي استمرت 51 يومًا.

لم ينجح الحصار الإسرائيلي في تقليص القدرة الصاروخية لقوى المقاومة الفلسطينية التي أطلقت 5 آلاف صاروخ وقذيفة هاون خلال 27 دقيقة خلال عملية "طوفان الأقصى"

وأضاف عاشور أنّ التصعيدات والاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني المحتل تُقدّم سياقًا لعملية "طوفان الأقصى"، إلّا أن البعد الاستراتيجي للعملية ما زال غير واضح، والذي يُمكن تقديره من خلال ثلاثة احتمالات. الأول هو السيطرة على الأرض، وهو احتمال غير وارد لأن عدد المقاتلين الذين نفّذوا العملية لا يتجاوز فوج عسكري واحد. أما الثاني فهو تحسين شروط التفاوض، وهو احتمال غير وارد أيضًا لأنّه ليس الإطار التي تسلكه حركة المقاومة الإسلامية "حماس". ويتمثل الاحتمال الأخير في تحرير الأسرى، وهو الاحتمال الأرجح والذي يشهد نسبةً من النجاح. على الجانب الآخر، تهدف العملية العسكرية البرية في غزةّ، بحسب الجيش الإسرائيلي، إلى السيطرة على غزة وتدمير القدرات العسكرية للمقاومة وتحرير الأسرى الإسرائيليين. بينما تشير بعض التحليلات إلى أنّ العملية تهدف إلى تهجير سكان قطاع غزّة وإعادة المستوطنات التي جرى تفكيكها عام 2005 بموجب الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب.

في السياق ذاته، قدّم أحمد قاسم حسين، في المداخلة الثانية، قراءة في تطوّر الأداء العسكري لقوى المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب القسام، في ظلّ العُقد الأمنية الثلاث التي تشكّل تحديًا لإسرائيل، وهي: أولًا، عقدة الجبهة الجنوبية (قطاع غزة) التي يصفها حسين بـ "المعضلة الأمنية المزمنة" الناجمة عن تطوير المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من قدراتها العسكرية، وخاصة قدراتها الصاروخية، وقدراتها الهجومية عبر عمليات كوماندوز ينفذها مقاتلوها خلف خطوط العدو. ثانيًا، عقدة الضفة الغربية التي يصفها بـ "الخاصرة الرخوة"، الناجمة عن تنامي المقاومة الشعبية والمسلحة مؤخرًا فيها، وخاصة مدينتي جنين ونابلس عبر قوتين عسكريتين غير نظاميتين هما "كتيبة جنين" و"عرين الأسود"، وهو مؤشر على عودة تنظيم العمل المسلح في الضفة الغربية. ثالثًا، عقدة الجبهة الشمالية التي يصفها بـ "الخاصرة الهشة"، ومردّها وجود المقاومة الإسلامية في لبنان "حزب الله" التي تفرض على إسرائيل أخذها في حساباتها الاستراتيجية عند كل تهديد أمني، وقد برز ذلك التهديد في أعقاب "عملية طوفان" الأقصى وعكسته تهديدات القادة السياسيين والعسكريين في إسرائيل في محاولة لردع حزب الله من الدخول في المعركة. ومن جانب آخر، تطرّق الباحث إلى كيفية كشف تطوّر قدرات المقاومة الفلسطينية عن عيوب الترسانة العسكرية والتكنولوجية الإسرائيلية، ومنها منظومة "القبة الحديدية" التي اتضحت حدود قدرتها التشغيلية في مواجهة الرشقات الصاروخية الكثيفة (القصيرة والطويلة المدى)، فضلًا عن الخلل الفني الذي قد يصيب إحدى بطارياتها، والتكلفة العالية لثمن الصواريخ الاعتراضية الإسرائيلية.

وكانت المداخلة الثالثة لمهند سلوم، التي شرح فيها أسباب الفشل الاستخباري الإسرائيلي في توقّع عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر من جهة، وكيف نجحت فصائل المقاومة في تضليل أجهزة الأمن الاستخبارية الإسرائيلية في فترة التخطيط والإعداد والتنفيذ لعملية "طوفان الأقصى" من جهة أخرى، مع التطرّق إلى تداعيات هذا الفشل على المجتمع الاستخباري الإسرائيلي وعلاقاته بأجهزة الاستخبارات الحليفة. وقد أشار الباحث إلى أنّ عملية "طوفان الأقصى" تُمثّل أكبر فشل استخباري حدث في تاريخ إسرائيل، لا تملك أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حتى الآن معلومات كافية قادرة على تفسيره، وسيستغرق إسرائيل عقودًا للتعافي منه بعد أن ضُربت سمعتها الاستخباراتية على المستوى الداخلي، وعلى المستوى الدولي وشبكة التعاونات الاستخباراتية الواسعة التي تملكها. في المقابل، تُبيّن العملية القدرة العالية لقوى المقاومة الفلسطينية على إخفاء كل هذا العدد من مرابض إطلاق الصواريخ، والتجهيز للعملية على مدى شهور، وتنفيذ نحو 1600 مقاتل اختراقًا بريًا، تزامن معه استخدام المسيّرات والطائرات الشراعية والزوارق البحرية، رغم الرقابة والسيطرة الجوية على قطاع غزة الصغير المساحة. ويفسر سلوم هذا الفشل في الحصول على المعلومة الاستخبارية ومن ثم تحليلها، بثلاثة أسباب رئيسة: أولًا، اعتماد أجهزة الاستخبارات المفرط على التكنولوجيا ورقمنة العمل الاستخباري، والابتعاد عن المصادر الاستخبارية التقليدية المتمثلة في المتعاونين، والاستهانة بقدرة قوى المقاومة الفلسطينية على العمل الاستخباري المتقدم وعدّ سلوكياته جزءًا من الدعاية فحسب.

تضمنت الندوة 3 مداخلات، قدّمت الأولى تحليلًا عسكريًا للمواجهات المسلحة منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، وناقشت الثانية تطوّر الأداء العسكري لقوى المقاومة الفلسطينية، وشرحت الثالثة أسباب الفشل الاستخباري الإسرائيلي في توقع عملية "طوفان الأقصى"،

في المداخلة الرابعة، انتقلت إينا رودولف إلى التركيز على البعد الإقليمي، مع التطرق إلى نظرة فصائل المقاومة في العراق إلى حرب إسرائيل على غزة، وربطها بمحور المقاومة الذي تقوده إيران. مشيرةً إلى أنّ تصعيد المقاومة في العراق من عملياتها العسكرية في سياق "طوفان الأقصى"، يؤكد على تمسكها بمبدأ "وحدة الساحات" الذي يربط جغرافيات محور المقاومة. ومن جانب آخر، جادلت الباحثة بأن التحليلات العسكرية والسياسية، بعد مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، توقعت تنفيذ فصائل المقاومة العراقية هجمات على أهداف عسكرية انتقامًا لمقتلهما، ما زالت مستمرة في وتيرة متباينة حتى اليوم، وفي سياق منفصل عن "طوفان الأقصى". وبيّنت رودولف أن صعوبة مجابهة الفصائل الحليفة لإيران تكمن في اعتمادها على أجندة محلية إلى جانب التنسيق الإقليمي، إذ لجأت المقاومة الإسلامية في العراق، خصوصًا كتائب حزب الله، إلى الحكومة العراقية في العديد من الحالات بعد تنفيذ هجمات، طالبةً تدخّلها لإيقاف القصف الأميركي. ويجد قادة قوى محور الممانعة معضلةً في إيجاد التوازن في خطابهم بين الرأي العام الوطني، وشكر الداعمين الإقليميين، كما تبيّن في الخطاب الأول لزعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله بعد عملية طوفان الأقصى. في حين تحافظ إيران في خطابها على مسافة من هجمات حلفائها، خاصةً في اليمن والعراق، لعدم التورط المباشر في صراع سيتطلب منها الرد للحفاظ على هيبتها.

وقد أعقب الندوة نقاشٌ ثريّ شارك فيه باحثون وأساتذة في المركز العربي ومعهد الدوحة وطلبته، إضافةً إلى الجمهور الحاضر في قاعة الندوة وعن بُعد عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأثيرت أسئلة عن مدى تشابه الأهداف الاستراتيجية لقوى المقاومة وحركات التحرر مع الجيوش النظامية، والدور الإقليمي في استمرارية الحرب على غزة، وتأثير معركة طوفان الأقصى في مسار التطبيع العربي - الإسرائيلي، واحتمالات تحوّل الهدنة المؤقتة إلى إيقاف دائم لإطلاق النار، والدروس المستفادة من طوفان الأقصى للجيوش وأجهزة الاستخبارات العربية.