06-أغسطس-2019

الكيملك هو تهجين بين اللجوء والضيافة، دون إضفاء طابع قانوني مناسب للاجئين (تلفزيون سوريا - إنترنت)

يبدو أن القاعدة المتبعة في لعبة الشطرنج، والتي تنصح اللاعب بالحذر من الأوضاع الآمنة، تؤكد صحتها في مواضع أخرى. فها هي آخر تداعيات مشهد اللجوء السوري تثبت ذلك. 

المدافعين عن الممارسات التركية الأخيرة تجاه اللاجئين السوريين، يتغافلون عن تاريخ الاستثمار السياسي للسلطات التركية في الشأن السورية

فمن يقرأ العبارة التالية: "أشارت منظمة العفو الدولية إلى استمرار التقارير عن الإعادة القسرية للاجئين وطالبي اللجوء، بما في ذلك إلى سوريا"، مشيرة إلى "المخاطر المستمرة للإعادة القسرية" التي يواجهها السوريون"؛ يعتقد بأن الإشارة المذكورة أعلاه تلخص تداعيات التصريحات الفاشية الأخيرة لوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، ولكن في الحقيقة التقرير يتناول وضع السوريين في تركيا خلال 2017/2018.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا دخلت تركيا إلى الحرب السورية؟

قد يستطيع بعض المتحمسين والمدافعين عن الجانب التركي، ممن لا تمسهم الإجراءات الأخيرة المتبعة من قبل السلطات التركية؛ التبرير بأن اللاجئ السوري في تركيا قد خرق شروط الاستضافة، والتي بدورها تسببت في تعرض حزب العدالة والتنمية في تركيا لخسارة مضاعفة في انتخابات بلدية أسطنبول أمام خصمه السياسي حزب الشعب الديمقراطي الذي بدوره لم يتوانى عن استخدام ورقة اللاجئين السوريين في حملته الانتخابية الأخيرة.

تاريخ من الاستثمار

على ما يبدو، فإن هؤلاء المدافعين المتحمسين يتغافلون عن تاريخ من الاستثمار السياسي مارسته السلطات التركية في الشأن السوري، فمن منا نسي خطوط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحمراء التي لم تختلف بشيء عن خطوط الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومن منا نسي المفاوضات التركية الأوروبية بشأن تحسين شروط انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والتي استخدم فيها ملف اللجوء السوري والتي أفضت إلى اتفاق 2016، والذي حصل فيه الجانب التركي على جملة من الامتيازات والمنح.

منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في عام 2002 ، تبنت أنقرة سياسة خارجية متعددة الأبعاد، ونهج "لا مشكلة" لجيرانها، وفي أوسع انفتاح ممكن، والذي أفضى بالنتيجة إلى تبادل الزيارات العائلية الحميمة ما بين بشار الأسد و رجب طيب أردوغان، والتي أفضت كما أكد السيد بشار الجعفري بكل وقاحة إلى خسائر فادحة في الاقتصاد السوري وخسارة الآلاف لفرص عملهم نتيجة هذا التقارب. 

لكن هذه السياسة واجهت العديد من العقبات، خاصة بعد اندلاع الثورات العربية، وبعد الدور المتزايد للأكراد على حدودها الجنوبية، وميل الدول إلى دعمهم عسكريًا ولوجستيًا، بالإضافة إلى تبادل اللكمات ما تحت الحزام ما بينها وبين النظام السعودي في العديد من المناسبات على طريقة عصابات المافيا.

لذلك، اعتقدت تركيا في ذلك الوقت أن الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي لمكافحة أزمة الهجرة غير الشرعية، يحقق مكاسب سياسة متعددة الأوجه، ومنها إعفاءٌ للمواطنين الأتراك من الحصول على تأشيرة لدخول الاتحاد الأوروبي، حيث كان مطلبًا رئيسيًا للحكومة التركية منذ بدء المفاوضات، نظرًا لأن هناك خمسة ملايين تركي يقيم في الاتحاد الأوروبي. 

كما أن العديد من الدول الأوروبية طلبت من تركيا لعب دور في مراقبة الحدود، والتعاون في مواجهة أزمة الهجرة "غير الشرعية"، خاصة وأن تركيا هي واحدة من المصدرين الرئيسيين للمهاجرين إلى أوروبا. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الدول الأوروبية مقتنعة بشكل متزايد بأهمية دور تركيا في مواجهة التهديدات الخطيرة لأمن الاتحاد خصوصا من قبل الجانب الروسي الذي لايزال يعربد في كل من سوريا وأوكرانيا وشبه جزيرة القرم.

وفي ظل هذه المقدمات، يصر الجانب التركي، كما في الحالة اللبنانية، على عدم وضع حالة اللاجئ السوري ضمن الإطار القانوني المناسب، رغم توقيع الجانب التركي على اتفاقية جنيف لعام 1951، فمفهوم الحماية المؤقتة في تركيا لحاملي "الكيملك"، هو تهجين بين اللجوء والضيافة، أي الإصرار على وضع المشكلة في سياق أخلاقي، وعدم إضفاء الطابع القانوني المناسب الذي يبعد حق الإنسان بالحياة عن التجاذبات السياسية.

ومن جهة أخرى، لا زلنا ننصت إلى صمت القبور الذي يجتاح مؤسسات المعارضة السورية عن الدفاع عن حقوق السوريين التي تنتهك أمام أعينهم، وممارسة كافة أشكال التبريرات المضحكة التي تصنف وتفند الوجود السوري في تركيا، دون أن ننسى ذلك الحدث الهزلي، عندما فوضت المعارضة السورية الجانب التركي في التفاوض في إحدى جولات سوتشي، في سلوك لا يختلف عن سلوك النظام السوري الذي فوض كل من هب ودب بالتفاوض باسمه.

وفي آخر تداعيات هذه المهزلة،  نشرت المراكز الصحية التابعة لمديرية صحة ولاية إسطنبول، والمعنية باستقبال المراجعين من اللاجئين الأجانب، تعميمًا ينصّ على وقف قبول وتسجيل الحالات المرضية الخاصة باللاجئين السوريين من حملة كيملك الولايات الأخرى.

ووفقًا لجريدة المدن، فقد اقتادت الشرطة التركية مراجعين سوريين كانوا داخل إحدى المشافي، وأخرجتهم مكبلي الأيدي، إلى حافلة كانت تقف في الجوار. ويُعتقد أن شبكة معلومات المشفى مرتبطة بشبكة معلومات الشرطة، وأنه بمجرد إدخال بيانات المراجعين، يتم التعرف على أماكن صدور بطاقات الكيملك الخاصة بهم.

في هذه الحالة نحن لسنا فقط أمام انتهاك الحق الذي أقره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في اختيار مكان الإقامة، بل إننا أمام إجراء ينتهك حق الإنسان في الحياة، والحصول على الرعاية الصحية أيضًا.

كما أن إعلان تركيا الأخير عن نيتها إجراء عملية عسكرية شرق الفرات في عمق الأراضي السورية، يقدم خدمة للنظام السوري، من خلال دفع الجانب الكردي في أحضانه، خصوصًا وأن النظام سبق وأن أبدى استعداده لتقديم الدعم مقابل مشاركة قوات "قسد" في معركة إدلب، والتي بدأت تظهر على العلن من خلال اشتباكات الأخيرة في ريف حلب الشرقي.

وتكررت المواجهات بين تركيا وفصائل المعارضة المسلحة المدعومة تركيًا من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) من جهة أخرى شمال حلب، إلا أن وتيرتها ارتفعت بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن نية بلاده بدء عملية ضد الأخيرة  شرق نهر الفرات.

لا يتحرك الجانب التركي إلا بوحي مصالحه وأولوياته، ما يتطلب التمييز بين الواقعية السياسية والارتهان السياسي الذي وسم سلوك المعارضة السورية

في النهاية لابد من التأكيد بأن الجانب التركي لا يتحرك إلا بوحي مصالحه وأولوياته، الأمر الذي يتطلب من الجميع التمييز ما بين الواقعية السياسية التي تتبنى قراءة التحالفات انطلاقًا من المصلحة السورية، والارتهان  السياسي الذي وسم سلوك النظام والمعارضة على طول أمد تطورات المشهد السوري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تغيرت سياسة تركيا الخارجية بعد الربيع العربي؟

اللاجئون السوريون يقودون أردوغان إلى النصر