12-سبتمبر-2023
تكتيك

نسمع كثيراً عن مصطلح الكرة الشاملة الذي ينسبه الهولنديون لهم، وكيف تمكن المنتخب الهولندي وضع اسمه بجانب المنتخبات القوية، بعدما أتقن لعب الكرة الشاملة بل وأبدع فيها، حتى باتت واحدة من أعظم تكتيكات كرة القدم.

الكرة الشاملة تعني تحقيق مرونة تكتيكية لخطة لعب الفريق، وحرية الحركة في مراكز اللاعبين لتوفير ترسانة دفاعية أو قوة هجومية حسب الحاجة.

يوهان كرويف: في الملعب كرة وحيدة، ولذلك يجب أن تحصل عليها

أي يجب على جميع لاعبي الفريق (عدا حارس المرمى) إتقان اللعب في كل المراكز، فالمدافع يجب عليه معرفة مهام لاعب الوسط وحركته، كذلك اللاعب المهاجم لملئ أي مركز يحتاجه الفريق في الملعب، إضافة لحاجة اللاعبين بالتحرك المباشر لمكان زميلهم في حال تغيير مركزه، بهدف الحفاظ على شكل الفريق وعدم حدوث خلخلة بين خطوطه.

تاريخ الكرة الشاملة وكيف كانت بدايتها؟

يعود الفضل في تأسيس الكرة الشاملة للمدرب الإنجليزي جاك رينولدز، الذي كان مدرباً لأياكس الهولندي منذ عام 1915، وبعد عدة سنوات من تدريبه للفريق ظهرت لديه أفكار تكتيكية فشل اللاعبون في تنفيذها على أرض الملعب، حينما أراد رينولدز أن يلعب كل لاعب في أكثر من مركز، لكنه واجه عقليات غير ناضجة تماماً، فاعتبر ما فعله هو حجر الأساس للكرة الشاملة فيما بعد.

Jack Reynolds

أكمل الإنجليزي الآخر فيكتور باكنجهام عام 1959 أفكار ابن بلده رينولدز، مع طلبه من لاعبيه الاحتفاظ بالكرة وتناقلها بينهم لأكثر وقت ممكن، حتى يتمكنوا من إيجاد ثغرة مناسبة لاختراق دفاعات الخصم. وعندما تسلم الهولندي رينوس ميتشلز مهمة تدريب أياكس لعب بالرسم 4-2-4، وأثبتت هذه الخطة نجاحاً كبيراً، لكن النقطة السلبية الوحيدة تكمن بصعوبة استعادة الكرة، عند قطعها من المهاجمين بسبب لعبه بأربعة لاعبين في المقدمة، فحول الخطة إلى 4-3-3 أو 3-4-3 حسب حاجة الفريق.

أياكس

طريقة لعب ميتشلز تلخصت بتقدم أحد لاعبي خط الدفاع عند بناء الهجمة، مما يعطي الفريق تفوقاً عددياً في الوسط، ثم تبدأ عملية تناقل الكرة لإيجاد المساحات في ملعب الفريق الخصم، مما يسبب خلل في منظومته الدفاعية لاستغلال الثغرة وتحقيق الخطورة. أما في حالة الدفاع فيجب على جميع لاعبي الفريق المشاركة وتغطية كل شبر في ملعب فريقه، حتى المهاجم عليه العودة لنصف ملعبه.

يعود الفضل في تأسيس الكرة الشاملة للمدرب الإنجليزي جاك رينولدز، الذي كان مدرباً لأياكس الهولندي منذ عام 1915

 

علو كعب نادي أياكس تحت قيادة ميتشلز بات واضحاً محلياً وقارياً، فقد خرج الفريق عن المألوف والأداء الكلاسيكي السائد آنذاك، وقدّم للعالم كرة ممتعة سلسة، فحقق النادي الهولندي بطولة الشامبيونزليغ ثلاث أعوام متتالية 1971/1972/1973، إضافة لـ6 ألقاب في الدوري المحلي و5 ألقاب في كأس هولندا، واعتلى قمة العالم بعد اكتساحه لنادي إنديبندينتي الأرجنتيني في نهائي بطولة الإنتركونتيننتال "كأس العالم للأندية حاليا".

 في نهائي البطولة الأوروبية 1972 فاز أياكس على إنتر ميلان الذي كان يملك أقوى تكتيك دفاعي في أوروبا (كاتيناتشو)، لتخرج بعدها الصحف الأوروبية مهللة لفوز الأسلوب الجديد على الكاتيناتشو. أما الظهور الأبرز والمميز لأسلوب الكرة الشاملة كان في كأس العالم 1974، عندما اختار الاتحاد الهولندي المدرب رينوس ميتشلز لقيادة المنتخب، حيث تفوق منتخب الطواحين على الأرجنتين والبرازيل وألمانيا الشرقية، لكنهم خسروا النهائي بطريقة دراماتيكية أمام ألمانيا الغربية.

 يوهان كرويف عرّاب الكرة الشاملة

" في الملعب كرة وحيدة، ولذلك يجب أن تحصل عليها " هذه عبارة كرويف التي تلخص فلسفته الكروية، التي استمدها من المخضرم رينوس ميتشلز عندما كان لاعباً تحت قيادته. أي بعبارة أدق، كرويف المدرب اعتمد على الاستحواذ الكبير على الكرة، وتحرك اللاعبين لتبديل المراكز، بطريقة هجومية يستخدم فيها الفريق كل شبر من الملعب، بغية السيطرة على المباراة ووضع الخصم تحت الضغط.

أسلوب غوارديولا هو الأسلوب المتطور عن الكرة الشاملة، ويرفض المدرب الإسباني وصفه بالتيكي تاكا

 

نفذّ يوهان أفكاره لامتلاك الكرة بطريقة المثلثات، حيث يشكل كل لاعب رأس مثلث مع لاعبين معه، وبذلك يمنح حامل الكرة خيارين اثنين للتمرير دوماً. لعب كرويف بالرسم التكتيكي 3-4-3 و4-3-3، معتمداً على تحرك الفريق بشكل كتلة واحدة، ليسمح للاعب بأخذ مركز زميله، وإعادة هيكلة خط الدفاع بشكل أسرع عند فقدان الكرة.

 عند البناء الهجومي يعتمد كرويف على الظهيرين لتوسيع الملعب، وإعطاء الجناحين حرية الحركة وخصوصاً باتجاه عمق الخصم، للاقتراب أكثر من المهاجم. أمّا عند الدفاع فيؤمن كرويف بمقولة أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم، لكن في حال تعرض الفريق لضغط المنافس، يلجأ يوهان للزيادة العددية للمدافعين بعودة لاعب الوسط المدافع وتثبيت الظهيرين، أو عودة أحد الجناحين لتغطية مكان زميلهم عند الهجوم المرتد.

كرويف

أسلوب كرويف لم يكن حكراً عليه، بل كان منهجاً أساسياً درسه مدربو ولاعبو كتالونيا، فتألق تلميذه النجيب بيب غوارديوللا بتكتيك حديث كان نتاجاً لتطبيق بعض أفكار كرويف، حيث رأى بيب أن الفريق لا يحقق التوازن بالملعب إلّا بامتلاك الكرة، ويركز على انتشار اللاعبين بشكل طولي وعرضي في الملعب، وخلق مسافات تسمح بتوفير المساندة لحامل الكرة.

أمّا لويس إنريكيه اعتمد بخططه على الاستحواذ على الكرة، للسيطرة على اللعب، إضافة لاعتماده على الضغط في ملعب الخصم، لإيقاعه في الأخطاء وافتكاك الكرة. ولا يختلف اثنان على أن تشافي هيرنانديز هو أحد تلامذة يوهان كرويف المخلصين، بل والمتأثرين بفكره وأسلوبه، فاعتمد على تقدم الأظهرة مع الجناحين لسحب مدافعي الفريق الخصم، وبالتالي تفريغ المساحة في العمق أمام لاعبي الوسط والمهاجمين.

لتنفيذ ذلك يبدو أن تشافي يبحث عن اللاعبين الصغار في السن، لامتلاكهم لياقة بدنية عالية وتحقيق أكثر فترة لعب ممكنة فيما بينهم، مما يسمح لهم بالتأقلم وحفظ طريقة لعب كل منهم، إذاً إلى جانب تكتيك تشافي فإنه يبحث عن تحقيق الارتباطية بين عناصر الفريق.

هل تعتبر التيكي تاكا أسلوباً مستقلاً عن الكرة الشاملة؟

مما سبق نجد أن أسلوب الكرة الشاملة يعتمد على مداورة المراكز بين اللاعبين، واعتبرنا غوارديولا هو أحد تلامذة كتالونيا النجباء في تبني هذا الأسلوب، لكن ما فعله بيب مع برشلونة خلال أربع سنوات، أذهل العالم بطريقته في الاستحواذ على الكرة وتدويرها بين لاعبي الفريق، بغية تحرك لاعبي الخصم نحو الكرة مما يخلق مساحات يتم من خلالها تنفيذ خططه.

أسلوب بيب غوارديوللا هذا، أطلق عليه الإعلام الرياضي (تيكي تاكا) وأصبح هذا المسمى يطلق على كل من يلعب تمريرات قصيرة، سريعة ويستحوذ على اللعب، لكن غوارديوللا لم يسمي أسلوبه هذا بالتيكي تاكا، بل كان المصطلح من تسمية الجمهور والإعلام.

غوارديولا

يقول بيب " يجب أن تلعب بفلسفتك، أكره مصطلح التيكي تاكا لأنه أصبح يعني تمرير الكرة دون جدوى، لا تصدقوا كلام الصحف، في البارسا لم نلعب تيكي تاكا، نحن نقوم بإجبار الخصم على العودة للدفاع لكي نهاجم كما نشاء".

أسلوب غوارديولا هو الأسلوب المتطور عن الكرة الشاملة، لاعبي بيب يغيرون تمركزهم من خلال المساحات التي يخلقها نقل الكرة بينهم، فالفلسفة واحدة وهي الهجوم، ثم أنت تختار الاستراتيجية المناسبة لفريقك تحقيق ذلك.

المنتخب الهولندي خلال مسيرته الطويلة لم يحقق بطولات كثيرة، لكنك تجد اسمه دائماً بين المرشحين لنيل أي بطولة، فالكرة الشاملة عبر التاريخ، سمحت لمنتخب الطواحين في امتلاك سلاح قوي معقد يرعب جميع الخصوم.