18-يونيو-2016

مقاتلة كردية (الأناضول)

يبدو أنّ الولايات المتحدة وجدت شريكًا مناسبًا لقتال تنظيم الدولة، واختارت هذا الشريك بعد أن جرّبت فعاليته في سوريا ورضيت به روسيا ودعمته أيضًا في شمال حلب، ويثير اختيار الولايات المتحدة الكرد نوعًا من الغرابة، فحزب "ب ي د" المرتبط بحزب العمل حليف أمريكا يعد عدوًا تاريخيًا ولدودًا للحليف التركي، فهل السياسة الأمريكية الجديدة مقبلة على رسم خارطة جديدة للتحالفات السياسية؟! 

ينسجم المشروع الكردي مع تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية وعرقية، وستتحول هذه الكيانات إلى دويلات متصارعة

أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أواسط آيار/مايو 2016 إرسال قوات أمريكية خاصة لسوريا مقدارها 250 مقاتلًا تُضاف للقوات الأمريكية الموجودة سابقًا على الساحة السورية، وهذه القوات الحالية ستلعب دورًا كبيرًا في تغيير الموازين العسكرية على الأرض رغم ضآلة عددها، وما يثبت ذلك فعالية القوة الموجودة على الأرض سابقًا رغم أنها أقل من القوة الحالية، فقد لعبت دورًا كبيرًا في معركتي الشدادي وسد تشرين، ويلاحظ أثر هذه القوات في معركة منبج فقد أُطبق الحصار على المدينة من كل الجهات وبقيت لحظة الاقتحام، فلهذه القوة الأمريكية الصغيرة فعالية لوجستية كبيرة ليس أقلها تأمين إسناد جوي للقوات الكردية على الأرض. 

اقرأ/ي أيضًا: حزب الله يجتاح كلية العلوم في الجامعة اللبنانية

وتجدر الإشارة هنا أن الولايات المتحدة تنفي دعمها لقوات الحماية الكردية، وتدعي دعمها لـ"قوات سوريا الديمقراطية" المؤلفة من الكرد والعرب، ومعلوم لمن له أدنى دراية بالوضع السوري أن العرب يشكلون نسبة ضئيلة في هذه القوة، وليس لهم أي قرار، فالعرب الموجودون في ميليشيا سورية الديمقراطية عبارة عن مرتزقة لتجميل وجه قوات الحماية الكردية الإرهابي المتطلع للانفصال، وتشكيل كيان كردي يمتد من القامشلي شرقًا إلى عفرين غربًا ولا يخفي قادة "ب ي د" ذلك. 

وليس بإمكان هذا المشروع أن ينجح دون رعاية من قوة دولية عظمى نظرًا للرفض الإقليمي، ولا سيما من إيران وتركيا معًا لهذا الكيان، وهذا ما يحصل الآن إذ يدعم الروس والأمريكيون معًا هذه القوة، ولكن يبقى السؤال أين سينتهي هذا الدعم، وما الهدف المرجو منه، فالسياسة لا تعرف إلا لغة المصلحة، فهل يهدفون القضاء على داعش أم إنشاء فيدرالية كردية؟!
 
ينسجم المشروع الكردي في حال تحققه مع تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية وعرقية، وستتحول هذه الكيانات "الدويلات الناشئة" من دولة واحدة إلى دويلات متصارعة ينهش بعضها بعضًا في صراعات لا يعلم لها نهاية، وربما سيتسبب ذلك بحدوث تصدعات في دول إقليمية مجاورة كالعراق وتركيا وإيران، هذا الشرق الأوسط الجديد الملتهب يصبُّ في مصلحة إسرائيل حليف أمريكا وروسيا الأول، حيث ستبدو إسرائيل دولة طبيعية وقديمة مقارنة بالدويلات الجديدة القائمة على أسس دينية وطائفية وعرقية. 

في الشرق الأوسط الجديد، ستبدو إسرائيل دولة طبيعية مقارنة بالدويلات الجديدة القائمة على أسس دينية وطائفية وعرقية

وربما يعد هذا المشروع البديل الأنسب للأسد من وجهة النظر الأمريكية، فقيام دول ديمقراطية في سوريا، والشرق الأوسط عمومًا، تحقق مصالح الشعوب لا يصب في المصلحة الأمريكية، كما أن تصاعد قوة إيران وتركيا -رغم اختلافهما- يهدد دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع، فتركيا حليفة لأمريكا عندما كانت تابعة تدور في فلك السياسة الأمريكية، أما أن تستقل تركيا بسياستها وتأخذ منحًى مغايرًا فهذا لا يُسمَحُ به، وينسحب الأمر ذاته على كل قوة إقليمية ولكن من زوايا أخرى ليس هذا موطن بيانها. 

اقرأ/ي أيضًا: مثقفو الواجهة في الجزائر.. ضوء مغشوش

ولعلّ من المفارقات أنّ تنظيم الدولة استخدم كأداة لتنفيذ هذا المخطط، فقد سمحت القوى العظمى لتنظيم الدولة بالتمدد والسيطرة على مناطق الثوار، وأحجمت بل ومنعت تقديم أي دعم للثوار لكبح جماح تنظيم الدولة وتغوله، فاستقر الأمر للتنظيم وسيطر على مساحات واسعة، والآن تدخل أمريكا وروسيا علنًا لمحاربة الإرهاب والتطرف، وسرًا لبناء مخططات قد تؤدي لتمزيق المنطقة. 

وما يثير الغرابة أن دول الإقليم (السعودية، إيران، العراق، تركيا) مهددة في أمنها القومي في حال نجاح المشروع، والأكثر غرابة أنها تشارك في صناعة هذا المشروع بشكل غير مباشر، وبإمكان هذه الدول تدارك الخطر عبر تحييد القوى الاتفصالية، والمثيرة للنعرات على اختلافها، ودعم الخيار الوطني والقوى الوطنية الصادقة المؤمنة بمبدأ التعايش السلمي تحت المظلة السورية الوطنية الجامعة. 

اقرأ/ي أيضًا:

المرأة العربية كزهرة!

رغم ذلك أحبّ دمشق