28-مارس-2016

منير فاطمي/ المغرب

بداخلي مقبرة تضج من هدأة
وحياة/ زوبعة تحيط بي..
أنا الجدار الفاصل 
بين صحو المدينة وإغفاءة التراب..
مقبرة تحيى وحياة تقبر..

كل المجاديف يصرعها الموج..
كل موج يلبسه الصَرع..
كل صَرع؛ يراعُ تيه
يخط و يمحى
يجلو و يكاد ينكشف
ثم يكاد يجلو و ينكشف..

أبجدية العروة المقفرة.. 
عتمتة المشاة الهلعين
من العمى
والطواف...
هكذا، 
يحملك التشرد لغياهب الغياهب..
شدوق من كبد السحاب هذا المقدس..
والطريق إلى السماء 
هلامية اللاشكل

أسير زهاء جسد
كم أسير؟
أرى الزمان قفرًا
والأرض قطرة دم 
تنتظر كي تسيل من جرح..
حرقة الجسد والمكان،
تلتقي فيهما أودية البؤس..
عن أي جحيم أسأل؟
ما السؤال؟
وأنا اللغة 
والمعنى يراودني
فأهذي
وأهذي
وأجن 
ويراودني..

كل غربة لدغة موت بطيء..
ما أنت أيها المبهم على شفة الولادة؟
تولد في رحيل اللاوقت و ترحل حين يولد،
كأنك منا
كأننا أنت
كأنك الوقت..

يا قريني..
ما معنى الفراغ؟
هذا الذي على طرفي،
ما شكله؟
أو كلما طاب بي شوقاً تقمصني؟
ألا يكفيه أضمد جروح مخاضي،
كلما غفى ليل على وجعي؟
يطوح بي
هكذا
[...]
ويرميني..
كما ترمى بسيجارة على الطريق..

لا مسار يرشفني،
يا قريني.. 
كل المسافات والأرض نقطة واحدة تسمى المكان.. 
وكل الأحايين والأزمنة فاصل يسمى الوقت..
نفس الحلم يعيد كرته..
نحترق..
أو نتعفن داخل قبو يسمى الحقيقة...

لماذا الحقيقة؟
هذا الوخز السرمدي في حدق الشمس..
كيف يسيل من هواء؟
أمن الماء شيئ يسمى الحقيقة؟
أن نستوجع،
نشقى... 
ونسافر برى الوردة و اللوزة و التينة و الياسمينة والندى..
نمتطي حرق عذاباتنا من سفر إلى سفر..
ونرتاب في آخر التعب،
أكان الماء يشهدنا؟
أم كان الصخر يحدونا؟
هكذا..
نوسوس في صدور الوقت...

حي يحمل ميتًا..
ويطفو على دمعة البقاء..
من الحي؟ 
من الميت؟
ربما اتسع النوم ليعانق زهر العبق خلف الجدار، 
ربما..
و هل ثمة جدار؟
شر البؤس؛
البؤس نفسه..
وبؤس البؤس شر...
كأنها مسرحة..
والسيد العبد يخدم نفسه... 
لذة المؤلف أن يراوغ الحل بالعقدة،
حيث لا حل ولا عقدة..
وغاية الركح؛ إيقاد الهوس،
إذا ثمة نص أو مؤلف...

غريبة هي الأشياء..
الضوء، والتراب، والهواء، والحجر، والعشب، 
والنار، والسماء، والماء، واللغة والجسد، والأثر، والكلمات
غريبة هي الأشياء..
بعيدة هي..
ومثقلون، 
مثقلون باللامعنى..

ما شكل المطر خارج المطر؟
وما شكلي خارج استعارتي؟ 
في اللاشكل؟
هناك، أو هنا، 
ما هناك وما هنا؟
وهل للاشكل شكل في اللاهناك واللاهنا؟
للعدم جمع هذا الجسد،
ينحته الجنون ويبصره العمى..

ربما ينبغي لأسكنني،
كي أعود من هذا الصدإ للهلام،
أن أهجرني..
هكذا...
[...]

منتهى الجنون...

وأن أمحو ذاكرتي.. 
وأشتهي رسم حدود لكل شيء...
وما أنا؟ 
وما المرسم؟
ألوان تتمازج وتتمخض،
كي ما تموت خارج المعنى...
وما المعنى؟
لو كان لي شيء من الألوهة، 
لكنت هبة نسيم خفيف على القلب،
لكنت رتقت ثوب العذاب،
ونسيت عورتي -عرائي- قليلًا... 
آه، لو كان لي شيئ من الألوهة..
لو كان سندي الجدار...

لكني هنا...
وظلي مشرئب على لونه الغامق، 
يعبرني ويلامس الأشياء،
ليستشعر بغثة المجاهيل..
وغربتي توقد كلما نظرت في المرآة، 
كي أرى وجهي..
وصدقت ما رأيت..
أنا...
هكذا تقول المرآة..
ويكررها العابرون على صورتي..

ما هذه الخلقة؟
أخبريني أيتها الخلقة؟
مقعدًا فيَّ أقبع..
تتوزع تقاسيمي الفصول...
لولا خيط يحملني إلي لجهلتني، 
كلما داعب الغفو ذاكرتي..

كل الغربة أن أكون..
وأنصفع في زوابع التيه.. 
من أنا؟

ماذا لو لم أكن؟

ربما أنتمي إلي خارج هذا النحت.. 
أن أماشق اللاشكل..
خارج الفكرة،
الله، الجوع والألم والقيامة والحرب والدم والموت والصلاة
خارج التناهي،
ما التناهي؟
من هو البهلول؟
من هو الإنسان؟
كل القناديل أحمل ولا زلت أجول..
تتقاذفني جمرات الدهشة،
وتسكنني أكوام الأسئلة..
أضيع،
وأغترب 
وأشقى..
وتغرقني دمعة الرغيف فاُنشد، 
كل شيء على "السماء" رزقه
إلى آخره..
إلى آخره.. 
إلى آخر هذا الشطط..

لو قرع الصوت هيولتي، 
ما كنت لأفتح عيني
على وجع..
على رجع..
ما كنت الآن أمضي و أناي غريبين،
نتآلف لنعبر هذا الطريق إلى المجهول..
إلى أين؟
و كأني لم أكني بعد هذا التشرد،
ألتقي وأفترق، 
هكذا..
[...]
عبثًا..

وحيرتي..
أن أحترق لأضيئ حدودي..
أن أراغب المستحيل..
إلى نخر عودي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لم يفت الأوان بعد!

ما بعد الخامس عشر من تموز