04-يوليو-2016

( Sasha Mordovets/Getty)

يبدو أن ما يحدث في مصر هذه الأيام عتبة مهمة للدخول مجددًا في نقاشات عن الدولة المدنية أو المجتمع المدني بعد الثورة. خاصة مع المواقف التي يتم إعادة تقديمها اليوم إزاء ما حدث في 30 يونيو، والتحول الذي صار ملموسًا في مطالب الناس والمؤسسات المدنية، المطالب التي يبدو أنها تتحول من الخبز والقوت، والكرامة، إلى الأمن، الأمن فقط ببساطة.

لم يعد مفهومًا أي حديث عن مدنية الدولة العسكرية الجديدة في مصر، وهي التي قامت من بدايتها على استغلال وتوظيف الفقهاء

بهذه الطريقة يستطيع الرئيس المصري المنقلب عبد الفتاح السيسي، اكتساب شرعية متزايدة بمجرد وعد الناس بتحقيق السلامة، ويستطيع كسب مواقف الأقليات على غرار الأقباط بنفس الطريقة، وكأن الخطر كان موجودًا وانتهى، مع أن أرقامًا كثيرة تشير إلى عكس ذلك. لكن إرهاب المتدينين مختلف عن إرهاب سواهم على ما يبدو.

اللافت في السنوات الأخيرة بعد الانقلاب، أن هناك اتهامًا مسبقًا بالتطرف خاصة للمؤسسات الإسلامية الفقهية أو غيرها، أو ربما للمواطن المسلم إجمالًا، وصارت الطريقة الوحيدة حتى تنعتق هذه المؤسسات من تهمة الإرهاب هي موالاة النظام العسكري الجديد، كما ذهبت إلى ذلك مؤسسة الأزهر من اللحظة الأولى، إثر مشاركتها في بيان الانقلاب، وبدء تجنيد مؤسسات الإسلام المعتدل التي نبتت فجأة، مع حديث يطول عن مفهوم الاعتدال، الذي يرتكز على ما يبدو على الموالاة نفسها.

وغير ذلك، وفي ظله، فإن أسئلة كثيرة مشروعة عن مصير المجتمع المدني وعن دوره وفاعليته، بعد ما حدث. فنستطيع المحاججة من خلال مواقف المؤسسات الدينية سواء الإسلامية أو القبطية، واستغلال النظام الدائم لها في تأييد مواقفه، أن مؤسسات المجتمع المدني التي يفترض أن تكون المؤسسات الدينية المذكورة جزءًا منها، بدأت تفقد فاعليتها بعد الانقلاب، ولم يعد مفهومًا أي حديث عن مدنية الدولة العسكرية الجديدة، التي قامت من بدايتها على استغلال وتوظيف الفقهاء، مدعية على لسان الفقهاء أنفسهم تخلصها من الدولة الدينية!

اقرأ/ي أيضًا: 30 يونيو، خليقة أم صنيعة؟

ومن اللحظة التي صعد فيها شيخ الأزهر إلى طائرة حربية من الأقصر إلى القاهرة لحضور اجتماع 3 يوليو، وتهيئة السيسي للمنصب الجديد، أو من اللحظة التي سارع فيها بابا الأقباط بالمشاركة في التحول الجديد، بدأ تسييس المؤسسة الدينية واضحًا، بتناقض فاضح مع ادعاء تأسيس دولة مدنية منفصلة عن الحكم الديني، بل متناقضة معه، على افتراض أنها دولة تجيء كنموذج معاكس لدولة الإخوان المسلمين.

بهذه الطريقة، كانت الصناعة الرائجة لمخاوف الناس من الإسلاميين، طريقة الأنظمة العسكرية القديمة الجديدة في تعزيز مواقفها، فالعنف العسكري مبرر أمام العنف الديني على ما يبدو، مع أن الضحايا ثابتة. حتى كان هذا التخويف الغنيمة التي لم يفوتها النظام المنقلب، وصار يبرر كل عثراته وأزمات مصر الاقتصادية، وجوع الناس، من خلال الشيطان القديم الجديد، وصار باستطاعة السيسي بكل ثقة وحمق، أن يوصل إلى الناس الرسالة التي أرسلتها له مصر، على حد قوله، أن الجوع لا أهمية له، حتى وإن لم يتوفر الخبز والأكل، المهم أن يتوفر الأمن والأمان.

تصل إلى السيسي من مصر، الرسالة نفسها التي وصلت على ما يبدو إلى الأنظمة العسكرية كلها قبله، أن جوعوا فلا أهمية للجوع، فهناك دائمًا أشياء أهم. في سلم أولويات موجود دائمًا، لتبرير قمع السلطة وهفواتها، توضع في أسفله مصالح الناس ومشاكلهم اليومية، من خلال أفكار عمومية وكبرى، أو من خلال أعداء وجوديين.

سيظل الاستخفاف بجوع المصريين وسيبقى، ويتكرر هذا الموقف وسيتكرر ما دام هناك دولة عسكرية، مهما اختلفت أقنعتها ومبرراتها، الأمن أو المقاومة أو التنمية، فالجوع وحده لا أقنعة له، والجوع وحده يظل جوعًا، ما لم يكن هناك صوت واضح رافض، وما لم يكن هناك من يقول: هذه ليست مصر، النمرة خطأ يا افندم!

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. عبودية الاستقرار

ليس "وعيًا طبقيًا" وإنما روحٌ ثورية