24-أكتوبر-2023
(Getty) دخان يتصاعد بالقرب من مستشفى الوفاء في غزة

(Getty) دخان يتصاعد بالقرب من مستشفى الوفاء في غزة

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقال رأي للصحفي في القسم الدولي إيشان ثارور، تحدث فيه عن أن أخلاقيات الغرب تجاه أوكرانيا يقوضها القصف الإسرائيلي لغزة، إذ أشار إلى خطاب بايدن "الحماسي" الأسبوع الماضي، الذي ربط فيه الحرب في أوكرانيا والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قائلًا: إن "النظام الدكتاتوري في روسيا والجماعة الإسلامية المتشددة حماس يمثلان تهديدات مختلفة، لكنهما يشتركان في شيء واحد: كلاهما يريدان القضاء على ديمقراطية مجاورة"، وأكد على أن مواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا ضد الغزو الروسي والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر أمر ضروري، لافتًا إلى أن قيادة الولايات المتحدة للدول الأخرى تعني أنها هي من "تحافظ على وحدة العالم".

وأدلى بايدن بهذه التصريحات قبل الكشف عن اقتراح بتمويل جديد بقيمة 106 مليارات دولار للإنفاق الدفاعي لكل من أوكرانيا و"إسرائيل". جادل الرئيس الامريكي بأن العالم كان في "نقطة انعطاف أخرى في التاريخ"، حيث من المرجح أن تكون القرارات التي اتخذها قادة العالم هي من "تحديد المستقبل لعقود قادمة".

يعتبر كاتب المقال أن السياسيين والدبلوماسيين يعترفون بالحالة المشحونة في العالم، لكنهم لا يتوصلون جميعًا إلى نفس استنتاجات البيت الأبيض. ويرى البعض منهم أن إعطاء الولايات المتحدة الضوء الأخضر "لإسرائيل" في قصفها يعبر عن معايير مزدوجة واضحة لا يمكن لخطاب بايدن أن يخفيها.

يرى السياسيون والدبلوماسيون أن إعطاء الولايات المتحدة الضوء الأخضر "لإسرائيل" في قصفها يعبر عن معايير مزدوجة واضحة لا يمكن لخطاب بايدن أن يخفيها

كان هناك غضب عام من عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين أول/أكتوبر الماضي، الذي اعتبر الأكثر دموية في تاريخ "إسرائيل". إلا أن 16 يومًا من العدوان الإسرائيلي الانتقامي ضد غزة، والذي أدى إلى استشهاد أكثر من 4651 فلسطينيًا، بينهم نحو 2000 طفل، وتم تدمير أحياء بكاملها في المنطقة المكتظة بالسكان، وتهجير مليون شخص، وخلق أزمة إنسانية تتحرك من سيئ لأسوأ، حيث بدأت مخزونات الوقود في النفاد. وأدى الطلب الإسرائيلي لسكان غزة بالتهجير الجماعي لزيادة المخاوف من تطهير عرقي قادم.

وقبل يوم واحد من خطاب بايدن، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، لإسقاط مشروع قرار صيغ معتدلة طرحته البرازيل يدعو إلى وقف إطلاق النار للسماح بدخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة. وكانت "لا" الوحيدة على الطاولة، حتى الحلفاء بما في ذلك فرنسا التي صوتت لصالح المشروع.

يعلق ثارور على ذلك، قائلًا: "لطالما حمت الولايات المتحدة إسرائيل من الانتقاد في الأمم المتحدة، لكن السابقة الأخيرة لتوبيخها لروسيا في نفس المنبر تجعل اللحظة الحالية أكثر وضوحًا"، فقد شجب مسؤولون أمريكيون وغربيون الغزو الروسي باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي، وتحطيم لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتحديًا للنظام العالمي القائم على القواعد. كما أدانت العديد من الدول في الشرق الأوسط وأماكن أخرى في "الجنوب العالمي" الغزو الروسي، لكنها كانت أكثر حذرًا لرؤية محنة أوكرانيا في نفس الإطار الأخلاقي مثل ما يتعامل معها الغرب.

وتشير تلك الدول إلى إرث الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ولامبالاة الغرب النسبية للصراعات البشعة في الشرق الأوسط وأماكن أخرى، ونفاق التحريض على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية الذي استمر لعقود مع الهتاف لحرية الشعوب في أماكن أخرى.

يتحدث أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، مارك لينش، عن أن هذا لا يزعج القيادة الإسرائيلية العازمة على الانتقام، ولكنها مشكلة للولايات المتحدة. وكتب مقالًا بمجلة "فورين أفيرز"، قال فيه: "من الصعب التوفيق بين تعزيز الولايات المتحدة للمعايير الدولية وقوانين الحرب دفاعًا عن أوكرانيا من الغزو الوحشي الروسي، وتجاهلها المتعجرف لنفس المعايير في غزة".

ونقل كاتب المقابل عن دبلوماسي في مجموعة الدول العشرين الاقتصادية قوله: "هذه التصرفات جعلت عالم الجنوب حذرًا مما يفعله الغرب، عندما كانوا يطالبون بأن تحذو حذوهم في أوكرانيا".

ويشير الدبلوماسي إلى أن الدور الأمريكي الحالي في منع التحرك في غزة، يظهر كم من المعايير المزدوجة التي تعتمد عليها استراتيجية الولايات المتحدة والغرب.

في حين يبدو أن إدارة بايدن تعمل وراء الكواليس لمحاولة "كبح جماح مجلس الحرب الإسرائيلي"، يعيش أكثر من مليوني شخص في غزة في كابوس من الضربات الجوية والانفجارات، ونفاد الطعام والماء، وغياب أماكن الملاذ الآمن.

في خطابه، شدّد بايدن على "الفجوة بين حماس والفلسطينيين العاديين" قائلًا: "لا يمكننا تجاهل إنسانية الفلسطينيين الأبرياء الذين يريدون فقط العيش في سلام والحصول على فرصة"، مشيرًا إلى الجهود الأمريكية لجلب المساعدات الإنسانية التي تقول جماعات الإغاثة إنها أقل بشكل مذهل مما هو مطلوب.
في أوروبا، هناك اعتراف متزايد بهذه المعايير المزدوجة أيضًا. فقد تحدث دبلوماسي كبير في مجموعة السبعة لصحيفة "فاينانشال تايمز" قائلًا: "ما قلناه عن أوكرانيا يجب أن ينطبق على غزة، وإلا نفقد كل مصداقيتنا، وأضاف: "البرازيليون والجنوب أفريقيون والإندونيسيون، لماذا يجب أن يصدقوا ما نقوله عن حقوق الإنسان؟".

لخص الدبلوماسي الذي تحدث إلى صحيفة "فاينانشال تايمز" تأثير حرب غزة بقوله: "لقد ضاع كل العمل الذي قمنا به مع الجنوب على أوكرانيا، انسَ القواعد، انسَ النظام العالمي. لن يستمعوا إلينا مرة أخرى."

يعتبر ثارور أن هذا أيضًا تذكيرًا بفشل المجتمع الدولي، لكن بشكل رئيسي، الولايات المتحدة، فقد أشارت افتتاحية صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى أن "اليوم، تدفع الحكومات الغربية ثمن عدم قدرتها على إيجاد، أو حتى البحث، عن حل للقضية الفلسطينية، وفي المناخ المتوتر الحالي، فإن دعمهم لإسرائيل، التي ينظر إليها على أنها حصرية، من قبل بقية العالم، فهذا يخاطر بتعريض جهودهم لإقناع البلدان الجنوبية بأن الأمن الدولي على المحك في أوكرانيا".