23-أكتوبر-2023
بايدن في تل أبيب

(Getty) بايدن في تل أبيب

عندما التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومجلس الحرب، خلال زيارته إلى "إسرائيل"، أكّد لهم: "لا أعتقد أنه يجب أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا، وأنا صهيوني".

أومأ السياسيون والجنرالات الإسرائيليون الذين تجمعوا في قاعة للاحتفالات في فندق بتل أبيب بالموافقة، وفقًا لمسؤول أمريكي على دراية بما يجري وراء الأبواب المغلقة.

وقد استخدم بايدن، وهو من أصل كاثوليكي أيرلندي، كلمات مماثلة في الماضي للتعبير عن ارتباطه بـ"إسرائيل". لكن هذه اللحظة، توضح كيف يبدو بايدن كأحد "أصدقاء إسرائيل" الرائدين منذ عقود في السياسة الأمريكية، توجهه خلال أزمة حاسمة من رئاسته. كما جاء في تقرير لوكالة "رويترز".

انحياز كامل

يقول المفاوض السابق في الشرق الأوسط آرون ديفيد ميلر، الذي خدم مع ستة وزراء خارجية في كل من الإدارات الديمقراطية والجمهورية: "إن علاقة بايدن بإسرائيل متأصلة بعمق في الحمض النووي السياسي الخاص به"، وأضاف: "سواء أحبّ ذلك أم لا، فهو في خضم أزمة سيتعين عليه إدارتها".

يشير اثنا عشر مساعدًا ومشرعًا ومحللين حاليين وسابقين، أجرت معهم وكالة "رويترز" مقابلات، إلى أن "احتضان بايدن الحالي لنتنياهو في زمن الحرب يمكن أن يوفر للنفوذ الأمريكي فرصة لتخفيف رد إسرائيل في غزة".

في جلستهما الخاصة مع مساعديهما يوم الأربعاء الفائت، لم يظهر بايدن ونتنياهو أيًا من التوترات التي ميزت اجتماعاتهما في أوقات سابقة

في جلستهما الخاصة مع مساعديهما يوم الأربعاء، لم يظهر بايدن ونتنياهو أيًا من التوترات التي ميزت اجتماعاتهما في بعض الأحيان، وفقًا لمسؤول أمريكي ثان على دراية بالمحادثات.

لكن بايدن طرح أسئلة صعبة على نتنياهو حول الهجوم القادم، بما في ذلك ما الذي سيحدث في اليوم الموالي؟ وقال المسؤول: "أعربت مصادر أمريكية وإقليمية عن شكها في أن إسرائيل، التي تتعهد بتدمير حماس، قد وضعت خطة لذلك".

تشير "رويترز" إلى أن توافق بايدن مع نتنياهو يخاطر بإبعاد بعض التقدميين في حزبه الديمقراطي، حيث يسعى إلى إعادة انتخابه في عام 2024، مع تصاعد حدة اللهجة دوليًا ضد ما تقوم به "إسرائيل" في غزة، وحتى داخل الولايات المتحدة.

وهو ما دفع العديد من الفلسطينيين وغيرهم في العالم العربي إلى اعتبار بايدن "منحازًا جدًا لصالح إسرائيل" في عمله كوسيط سلام منصف.

التزام على مدى عقود

نسب بايدن جزئيًا نظرته العالمية المؤيدة لإسرائيل إلى والده، الذي أصر على أنه بعد الحرب العالمية الثانية، والمحرقة النازية "لم يكن هناك شك في عدالة تأسيس إسرائيل كوطن لليهود" في عام 1948.

ووفقًا لمسؤول أمريكي سابق، يمكن أن "يساعد وعي بايدن باضطهاد اليهود على مر القرون، وارتفاع قياسي في عدد الحوادث المعادية للسامية في الولايات المتحدة العام الماضي أيضًا في تفسير سبب كون هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر على إسرائيل مقلقة للغاية للرئيس البالغ من العمر 80 عامًا".

عند دخوله معترك السياسة في عام 1973، أمضى بايدن العقود الخمسة التالية في صياغة مواقفه السياسية المتمثلة في "الدعم الحديدي لأمن إسرائيل إلى جانب دعم الخطوات نحو إقامة الدولة الفلسطينية"، حيث شغل منصب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، ونائبًا للرئيس باراك أوباما، ومن ثم منصب الرئيس.

تميزت حياة بايدن المهنية بانخراط عميق في الصراع العربي الإسرائيلي، ففي اللقاء الذي جمعه مع رئيسة الوزراء غولدا مائير عام 1973، أخبرت المشرّع الشاب في أعتاب حرب "يوم الغفران"، أن سلاح "إسرائيل السري" أنه "ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه".

وخلال 36 عامًا من عضويته في مجلس الشيوخ، كان بايدن أكبر متلق للتبرعات من الجماعات الموالية لإسرائيل في تاريخ العرفة العليا، حيث حصل على 4.2 مليون دولار، وفقًا لقاعدة بيانات الأسرار المفتوحة.

وبصفته نائبًا للرئيس، غالبًا ما توسط بايدن بين أوباما ونتنياهو.

وأشار مبعوث الشرق الأوسط خلال فترة ولاية أوباما الأولى، دينيس روس، إلى تدخل بايدن لمنع الانتقام من نتنياهو بسبب عجرفته الدبلوماسية خلال زيارة قام بها عام 2010. إذ قال روس: إن "أوباما أراد أن ينتقد بشدة إعلان إسرائيل عن توسعة كبيرة في مساكن اليهود في القدس الشرقية، النصف الذي يسكن فيه العرب في المدينة التي تم الاستيلاء عليها في حرب عام 1967".

على الرغم أن بايدن ونتنياهو يعلنان أنهما صديقان منذ فترة طويلة، فقد توترت علاقتهما في الأشهر الأخيرة بسبب خطة نتنياهو للحد من سلطات المحكمة العليا في "إسرائيل"

وأضاف روس، الذي يعمل الآن في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "كلما كانت الأمور تخرج عن السيطرة مع إسرائيل، كان بايدن هو الجسر.. كان التزامه تجاه إسرائيل قويًا، وهو الذي نراه اليوم."

في حين أن بايدن ونتنياهو يعلنان أنهما صديقان منذ فترة طويلة، فقد توترت علاقتهما في الأشهر الأخيرة بسبب خطة نتنياهو للحد من سلطات المحكمة العليا في "إسرائيل".

الاستياء التدريجي

يجد بايدن ونتنياهو نفسيهما الآن في تحالف غير مستقر، يمكن اختباره من خلال الموقف من الهجوم البري الإسرائيلي المحتمل. لكن السيناتور ليندسي غراهام، أعرب في مقابلة مع وكالة "رويترز"، عن ثقته في أن "قوس الزمن" في علاقة بايدن ونتنياهو سيمكنهما من العمل معًا.

في حين أظهر الجمهوريون إجماعًا شبه كاملًا في تأييد أي إجراء تتخذه "إسرائيل"، يواجه بايدن معارضة من الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي يدفع من أجل" ضبط النفس من قبل إسرائيل، ووقف إطلاق النار".

تخاطب النائبة الأمريكية الفلسطينية الوحيدة في الكونغرس، رشيدة طليب، بايدن: " ليست كل أمريكا معك في هذا الأمر، وعليك أن تستيقظ وتفهم". نحن نشاهد الإسرائيليين حرفيًا يرتكبون الإبادة الجماعية.

لكن الخبراء يقولون إن بايدن يمكن أن يكتسب أرضية بين الناخبين المستقلين الذين يشاركونه تقاربه مع "إسرائيل"، فقد أظهر استطلاع أجرته وكالة رويترز/إبسوس، يوم الاثنين، تعاطفًا عاما أمريكيًا أقوى مع "إسرائيل" مما كان عليه في الماضي، مع دعم على أعلى مستوى بين الجمهوريين بنسبة 54 %، مقارنة بنسبة 37% من الديمقراطيين. وأظهر الأمريكيون الأصغر سنًا دعمًا لإسرائيل أقل من الأمريكيين الأكبر سنًا.

ومن المتوقع أيضًا أن يكون بعض زملائه الديمقراطيين حذرين من مخالفة اللوبي الرئيسي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة، "أيباك"، وهي قوة قوية في الانتخابات الأمريكية.

لكن الأزمة أثارت أيضًا انتقادات لبايدن لعدم تكريسه اهتمامًا كافيًا لمحنة الفلسطينيين، ويقول المسؤولون الأمريكيون إن "الوقت ليس مناسبًا لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية المعلقة منذ فترة طويلة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التعنت من كلا الجانبين".

ويتحدث مستشار المفاوضات الفلسطيني السابق خالد الجندي عن أن "إهمال الإدارة الأمريكية للقضية هو عامل رئيسي في ما نحن عليه اليوم".

ويضيف الجندي، الذي يعمل اليوم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن "الشيك الأبيض الذي قدمه بايدن للهجوم الإسرائيلي على غزة حطم، ربما بشكل لا رجعة فيه، ما تركته الولايات المتحدة من مصداقية ضئيلة".