14-سبتمبر-2017

رافعة الأثقال المصرية سارة سمير في أولمبياد البرازيل 2016 (أ.ف.ب)

تُحب الدول، شعوبًا وحكومات، الاحتفاء برياضييها الذين فازوا باسمها في المحافل الدولية، ينالون ما يستحقون من التكريم ثم الدعاية والترويج الذي يليه، كما ينالون قبل كل ذلك وأهم منه، دعمًا يُساعدهم على الوفاء بالتزاماتهم كـ"أبطال".

لكن الأمر في مصر يختلف قليلًا، فهناك ما هو أبعد من الفوز يحدد حجم الاحتفاء ونوعه، فهناك احتفاء يسمح لك بالخروج على شاشات التلفاز في البرامج الحوارية مع فواصل لأجمل صور للبطل وأبرز المعلومات عنه، ومجهود إعلامي واضح يهدف إلى إبرازه وتلميعه، وهو أمر محمود لو أنه كان يتبع نفس الوتيرة ونفس "الاحتفاء الكبير" مع نجوم آخرين سابقين.

أنقذت الشابة الصغيرة سارة سمير، بلدها مصر في أولمبياد البرازيل بإحرازها ميدالية برونزية في رفع الأثقال

الحالة التي نحاول رصدها، كانت بدايتها مع الربّاعة الصغيرة سارة سمير أحمد، وهي ربّاعة (رافعة أثقال) مصرية من مواليد مدينة الإسماعيلية، وحازت على ميدالية برونزية في وزن 69 كيلوغرامًا ضمن منافسات رفع الأثقال في الألعاب الأولمبية الصيفية. 

اقرأ/ي أيضًا: الأولمبياد سلاح السياسة: الحرب العالمية والباردة

الشابة الصغيرة التي ولدت عام 1998، وجدت نفسها أمام تحديين، الأول أن تذهب لتمثل بلدها في البرازيل عام 2016، أو أن تخوض امتحانات الثانوية العامة، فاختارات تمثيل مصر في دورة الألعاب الأولمبية، وحصدت الميدالية البرونزية. 

كان ذلك وقتها يُعد إنقاذًا كبيرًا للبعثة المصرية التي واجهت انتقادات كبيرة بسبب الإخفاقات المستمرة التي مُنيت بها في البداية، حتى ظهر اسم سارة سمير وزميلها محمد إيهاب، لينقذا مصر من فضيحة الفساد الرياضي، لتلحق بهما أيضًا هداية ملاك في لعبة التايكواندو. 

كانت سارة سمير وقتها تتدرب دون دعم حقيقي من الدولة، إذ إنّ كل ما صُرفَ لها كان مبلغ 10 آلاف دولار لتغطية بعض نفقاتها، كما قامت والدتها بتقديم طلب إلى وزارة التربية والتعليم لكي تُؤجّل امتحاناتها، ولكن الطلب قوبل بالرفض.

ادّعت وقتها وزارة التربية والتعليم أن عائلة سارة لم تقدم طلبًا للتأجيل، ولم تتبع الإجراءات القانونية اللازمة، لتُسجّل سارة التي تعتبر أصغر مصرية تقف على منصة التتويج الأولمبي، راسبة دراسيًا ذلك العام (2016). وجاء رد محمد سعد، نائب رئيس عام امتحانات الثانوية العامة، بأنّ هناك قرارًا وزاريًا رقم 192 لسنة 2001 الذي ينظم امتحانات الرياضيين، ويُقدّم لهم الاستثناءات، لكن عائلة سارة، بحسب زعمه، لم تتقدم بطلب لذلك!

لم تساعد الدولة المصرية سارة سمير في مشوارها ولو حتى باستثنائها من مواعيد امتحانات الثانوية العامة لمشاركتها في أولمبياد البرازيل

من جانبها، ردت عائلة سارة سمير بأنها تسلمت خطابًا رسميًا يفيد رسوب سارة في الامتحانات، قبل خوضها المسابقة الرياضية بساعة، حتى أن العائلة أخفت الخبر عن سارة حفاظًا على معنوياتها. لاحقًا، في حديث لها مع "سي إن إن"، نفت سارة تدخل وزير الشباب والرياضة لمساعدتها في حالتها، كما كان قد وعد أثناء تواجدها في البرازيل.

اقرأ/ي أيضًا: من هم الرابحون والخاسرون في أولمبياد ريو 2016؟

سارة سمير فتاة يافعة، تعيش في أرياف مصر، بإحدى قرى الإسماعيلية. تبدو عليها ملامح الحزن واضحة، ربما بسبب ما خاضته من صعاب، وربما أيضًا لخسارتها والدها الذي توفي قبل أشهر من سفرها للبرازيل، وهو الذي كان نجاحها حلم حياته.

الآن أُغلق ملف سارة سمير، ولم يعد يرد ذكرها في وسائل الإعلام. وقد أكدت أنه رغم استقبال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لها رسميًا بعد وصول البعثة لمصر، إلا أنه لم يتحدث إليها وزملائها مباشرة، لتنفي بذلك مزاعم الصحف المصرية من أن السيسي منحهم دقائق للحديث معهم. 

أما فريدة عثمان أو "السمكة الذهبية" كما لقبها الإعلام المصري، فهي سباحة مصرية شابة، وُلدت في ولاية إنديانا الأمريكية لعائلة ميسورة. فازت فريدة في بطولة العالم للناشئين في السباحة، وسبق لها أن سجلت رقمًا قياسيًا في اللعبة، وتحديدًا في سباق 50 و100 متر فراشة. 

تبدو فريدة أنيقة ومرحة، تعيش في العاصمة، واستطاعت أن تحظى بمدرب خاص لها من الولايات المتحدة وفرته لها عائلتها.

يكشف تمييز الدولة والإعلام في التعامل مع سارة سمير وفريدة عثمان، عن عنصرية طبقية تحكم الاحتفاء بالأبطال الرياضيين في مصر

احتفت وسائل الأعلام المصري بفريدة كوجه رياضي وإعلامي أكثر من احتفائها بفوزها، وغطت وسائل الإعلام الرسمية قصة السمكة الذهبية منذ نعومة أظافرها. صحيح أن إنجاز فريدة عثمان الرياضي كبير، فقد حطمت الرقم القياسي الإفريقي في اللعبة، وحازت أول ميدالية عربية في بطولات العالم للسباحة، إلا أن الدولة لم تكن راعية لهذا النجاح، إلا بعد إتمامه.

استحوذت فريدة على احتفاء البرامج الحوارية، فظهرت مع الإعلامية منى الشاذلي، وغيرها من البرامج التي منحتها مساحة كبيرة للظهور وسرد مشوارها والتعبير عن حلمها.

وبمقارنة بسيطة بين موقف الدولة والإعلام المصري من اللاعبتين، نجد تمييزًا واضحًا على أساس الطبقة الاجتماعية، الأمر الذي يكشف عن عنصرية قميئة في الرياضة المصرية، وهو ما يجعل لكل احتفاء غرضًا من ورائه، وليس باعتباره حقًا للمنجزين أيًا كان مستواهم الاجتماعي والاقتصادي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

سارة سمير ومحمد إيهاب.. أبطال رغم الفساد الرياضي!

ملاحظات اجتماعية عن الأحداث الرياضية