أنهت روسيا إجراء "استفتاءات" في أريع مناطق تحتلها في أوكرانيا، وهى دونيتسك، ولوغانسك، وخيرسون، وزاباروجيا، وهو ما يمهد الطريق لضم المزيد من الأراضي، والتي تشكل نحو 15% من الأراضي الأوكرانية. وهدد الكرملين بضم تلك الأراضي في وقت سابق من هذا الأسبوع، حيث تحاول موسكو ابتزاز كييف لوقف هجومها المضاد الذي حقق نتائج غير مسبوقة. ومع تصميم أوكرانيا المدعومة من الغرب على مواجهة ادعاءات بوتين، لا تتضح الصورة لمعرفة ما سيحدث في المناطق المحتلة.

لا بد من فهم خطوة الضم في سياق التطورات الميدانية، ففي الأسابيع الأخيرة خسرت روسيا تفوقها العسكري في ساحة المعركة

لماذا يقوم بوتين بعملية الضم؟

بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاءات التي طالب فيها الناخبون بالانضمام إلى الاتحاد الروسي، اعتبرتها كييف والعواصم الغربية بالباطلة والوهمية، فقد أشرف جنود روس مسلحون على مكاتب التصويت، وأرغموا سكان المناطق المحتلة تحت تهديد السلاح على المشاركة، في حين فر الكثير من سكانها الرافضين للسيطرة الروسية.

وكما كان متوقعًا، حصلت موسكو على النتائج التي أرادتها، فقد أعلنت تلك المناطق موافقتها على الانضمام للاتحاد الروسي بنسبة تفوق 90%. وبوجود طلب مختوم بنتائج الاستفتاء، وإن كان غير معترف به دوليًا، تستعد الحكومة الروسية لضم المقاطعات الأربع، بما في ذلك المناطق التي لا تخضع حاليًا لسيطرتها.

ولا بد من فهم خطوة الضم في سياق التطورات الميدانية، ففي الأسابيع الأخيرة خسرت روسيا تفوقها العسكري في ساحة المعركة، حيث حقق الهجوم المضاد الأوكراني الذي بدأ نهاية الشهر الماضي مكاسب على الأرض. فقد استرجعت القوات الأوكرانية أكثر من 3000 ميل مربع في غضون أسابيع فقط، وتم طرد الروس من معظم مقاطعة خاركيف، التي وعد الروس سكانها المحليين بأنهم "أتوا هنا ليبقوا إلى الأبد"، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأت القوات الروسية بفقدان أراضي في مقاطعات دونيتسك ولوغانسك، ما خلق شعورًا بأن موسكو تعرضت لهزيمة.

يذهب محللون إلى القول بأن روسيا تنفذ عمليات الضم الآن من أجل وقف تراجعها في أوكرانيا، ومن خلال إعلان أن هذه الأراضي أصبحت جزءًا من روسيا، فهي تهدد برد ساحق، كجزء من حرب دفاعية ما لم توقف أوكرانيا جهودها الناجحة لتحرير أراضيها. ومن خلال التهديد بتصعيد كبير، تسعى روسيا إلى إبطاء خسائرها حتى تتمكن من إعادة تجميع صفوف قواتها.

ما هو الجدول الزمني للضم الروسي؟

توقعت مصادر إعلامية أن يلقي بوتين خطابًا أمام مجلس الاتحاد الجمعة 30 أيلول/سبتمبر يعلن فيه قرارًا بضم الأراضي الأوكرانية التي جرت فيها عمليات الاستفتاء رسميًا، بموجب قانون يتم تقديمه أولاً إلى مجلس الاتحاد وهي الهيئة العليا للبرلمان الروسي، ومن ثم يقوم بوتين بالتوقيع عليه.

ولن تأخذ إجراءات تنظيم مراسيم الضم وقتًا طويلًا، لكن مجلس الاتحاد أشار إلى أنه لن يعقد جلسة خاصة يوم الجمعة، بل سيعقد الجلسة المخطط لها في 4 تشرين أول/أكتوبر المقبل. وقالت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالنتينا ماتفينكو "إننا سنحترم إرادة سكان مقاطعة جمهوريتي دونيتسك الشعبية ولوغانسك الشعبية، ومقاطعتي زابوروجيا وخيرسون، وإذا كانت هناك مثل هذه الإرادة من جانبهم، فسوف ندعمها بالطبع". وأضافت "في الوقت الحالي، لا أرى ضرورة لعقد أي اجتماعات غير مقررة، أعتقد أننا مستعدون للنظر في هذه القضية في 4 تشرين الأول/ أكتوبر".

قد يشير ذلك إلى أن روسيا قد تختبر ردة فعل كييف والغرب للدفع بالمفاوضات من جديد، أو أنها تختبر الدعم المحلي لعملية الضم، لكن مع انعدام الثقة بالرئيس الروسي خارجيًا، يبدو أن الصفقة غير  مطروحة، ويبدو أن الضم هو المحصلة الأكثر ترجيحًا.

ماذا قد يحدث بعد الضم؟

هذا هو السؤال المهم، لأن ما يترتب عليه هو دخول الحرب مرحلة جديدة وخطرة. فقد أشار بوتين ومسؤولون روس كبار آخرون إلى أنهم سيتعاملون مع الهجمات على المناطق التي سيتم ضمها بأنها هجمات على أراضٍ روسية ذات سيادة. وعلى الرغم من أن أوكرانيا قد شنت بالفعل ضربات داخل الأراضي الروسية خلال الحرب، بما في ذلك الهجمات المدمرة على قاعدة جوية روسية في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، لكن هذه المرة تقول موسكو إنها جادة، وتهدد بالتصعيد.

على صعيد العمليات العسكرية، قد تبدأ روسيا في استهداف مزيد البنية التحتية والمراكز السكانية والمباني الحكومية بصواريخها، على غرار الضربات التي استهدفت البنية التحتية عن طريق استهداف محطة الطاقة الأوكرانية بالقرب من ميكولايف في وقت سابق من هذا الشهر، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي على كامل شرق أوكرانيا.

ولا يستبعد أن تبدأ موسكو أيضًا في إجراء تدريبات نووية، أو حتى تنفيذ ضربات نووية تكتيكية في مناطق محددة من أوكرانيا لبث الرعب في صفوف الأوكرانيين والغرب. كما ينتظر أن تعزز روسيا من قوتها على الأرض بعد الإعلان عن حالة التعبئة الجزئية، والدفع بالحشود إلى الجبهة للحفاظ على خطوط الحرب، ومنع خسارة المزيد من الأراضي في ظل الهجوم المضاد الأوكراني.

داخليّا قد تغلق روسيا الحدود، أو تفرض الأحكام العرفية في بعض المناطق، ويمكن أن تشمل الإجراءات المنصوص عليها في الأحكام العرفية، مصادرة الممتلكات، وفرض حظر للتجول، واعتقال معارضي الحكومة، بالإضافة لتشييد معسكرات للاعتقال، وغيرها من الإجراءات الصارمة بالتزامن مع التعبئة الجزئية.

كيف سيكون رد الفعل الأوكراني والغربي؟

تقول أوكرانيا إنها لن تقبل بالابتزاز النووي الروسي، وإنها عازمة على تحرير كامل أراضيها التي احتلتها روسيا منذ بداية الغزو، وهو نفس موقف الدول الغربية. فقد وجه زعماء غربيون تحذيرات صارمة للغاية إلى الكرملين بعدم تصعيد الصراع من خلال استخدام أسلحة غير تقليدية، بما في ذلك الخيار النووي.

هناك حالة من عدم اليقين بشأن ما سيحدث في الأيام المقبلة التي تبقى مفتوحة على عدة احتمالات، فالرئيس بوتين وجه تهديده بشكل مباشر، قائلًا "الأمر ليس خدعة"، لكنه من المعروف أن الأخير يتعرض لضغوط شديدة من أجل الاحتفاظ بالأراضي التي سيطر عليها.

على صعيد العمليات العسكرية، قد تبدأ روسيا في استهداف مزيد البنية التحتية والمراكز السكانية والمباني الحكومية بصواريخها

على المدى الطويل يبدو أن لدى بوتين نفس الهدف، السيطرة السياسية على أوكرانيا، بينما كان يتحدث قبل الحرب عن أنه يريد ضمانات أمنية بشأن عدم توسع الناتو شرقًا. لكن مع مرور الوقت أصبح من الواضح أن بوتين يسعى لتغيير النظام في كييف، والهيمنة على المستقبل السياسي للبلاد. لذا ربما لن يرضيه ضم الأراضي في شرق أوكرانيا. وبينما يريد وقف التقدم الأوكراني على المدى القصير، وإعطاء قواته وقتًا لإعادة تجميع صفوفها، يتوقع الكثيرون أنه سيعود إلى الهجوم بمجرد أن تكون قواته جاهزة.