30-أبريل-2016

حلب بالأحمر (من هاتشتاغ #حلب_تحترق)

من عادة المجزرة أن تأخذنا إلى الصمت، ومن عادة الصمت أن يمضي بنا إلى احتقار ذواتنا العاجزة عن أي فعل، إلى درجة أننا نمضي بعيدًا في جلد أنفسنا إلى حدّ اعتبار ذلك الصمت -الذي يختاره الإنسان كتعبير عن موقف وليس ذلك النوع من السكوت الذي يخون الحق- نوعًا من المشاركة في الجريمة، ولعلّ هذه أكبر إهانة من الممكن أن تلحق بالصمت كفعلٍ نبيل، لأنّه حين يستولي على المشهد الذي يتسيده موتٌ واسعٌ بلا حدود، لا يكون الصمتُ، الصمت عن الحياة والحزن والاشمئزاز من هذا العالم، إلا موتًا آخر، وانضمامًا طواعيًا إلى قوافل الراحلين وهم يمضون بصمتٍ عظيم لا يتسع له إلا الموت نفسه.

الصمت محاولة الناس في إعلان الاحتجاج على الحياة نفسها، وهي تنصر المجرمين وتستقوي بهم على الفقراء

نصمت لأنّنا في عداد الموتى والضائعين تحت الأنقاض، لأننا من هؤلاء المصابين والمشوهين والثكالى واليتامى ولأننا لا نستطيع إلا أن نكون منهم، فما حدث لهم أصابنا بعطبٍ عميق، ولم يعد هناك معنى لأيّ معنى، وقول لأي قول، صار الصمت نفسه هو القول والفعل، وهو أيضًا محاولة الناس الوحيدة، في إعلان الاحتجاج على الحياة نفسها، وهي تنصر المجرمين وتستقوي بهم على الفقراء.

اقرأ/ي أيضًا: حلب.. الحداد أحمر

كان الصمت أكثر هيبة في الماضي. كان تعبيرًا صميميًا عن لا جدوى الكلمات والبكاء، كان موتًا رمزيًا لا يضع المرء في صف الضحايا وحسب، بل يجعله ضحيةً كاملة الأوصاف إلا أنه كُتب لها النجاة، لكن الصّمت نفسه مات، قتلته الحداثة والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، فبينما بات الناس يستعملونها كفضاء للصراخ والبكاء والعويل وهم يحاولون قهر القهر، كانوا من دون أن يدروا يحوّلون الألم إلى مناسبة عامة، ينضم إليها بكاةٌ من كل الأنواع والاختصاصات، ومن بعدها ينسحبون كلٌ إلى شؤون صوته، تاركين الصمت وحيدًا كما يُترك الموتى في العادة. يمكن أن نتفهم ذلك السلوك من حيث إن الناس يذهبون إلى البكاء على صفحات الإنترنت على المبدأ الذي قال به ابن الرومي: "يشفي وإن كان لا يجدي". 

السوريون، مع مجزرة حلب الكبيرة، أعادوا للصمت شخصيته المفقودة، وسوى أنهم ابتكروا طريقة تصميت جماعية من خلال الصورة الحمراء التي استبدلوا بها صورهم الشخصية، ابتكروا في الوقت نفسه لونًا للصمت. من كان يظنّ أنه أحمر؟ ربما تكون له ألوان كثيرة، لكنّ صمتَ السوريين ذو لون أحمر. اخترع السوريون صمتًا يليق بالضّحايا، صمتًا جماعيًا كبيرًا له لون المرحلة، وله لون حلب التي باتت حمراء ولم تعد "شهباء". 

اقرأ/ي أيضًا:

لم يعتقلكَ أحد

في قريتنا ماسوني