17-مايو-2020

تضييقات مستمرة على الصحافيين في مصر (تويتر)

1.

قررت نيابة أمن الدولة العليا حبس سامح حنين 15 يومًا على ذمة التحقيقات بتهمة نشر أخبار كاذبة ومشاركة جماعة إرهابية على تحقيق أهدافها. سامح صحفي مسيحي متخصص في تغطية الشأن القبطي، ومنذ متى تهمنا هذه التفاصيل الصغيرة؟

لدى النظام الحالي راسخة بأن المساحة التي تركها  مبارك للإعلام في السنوات  الأخيرة لحكمه كانت السبب في تعبئة الناس ضده والثورة عليه، لذلك كان قراره من اللحظة الأولى عدم ترك أي مساحة 

2. 

منذ اقتحام نقابة الصحفيين دشن الصحفيون شعارًا أصبح يُستخدم بانتظام في نهاية أخبار اعتقال الصحفيين: "الصحافة ليست جريمة"، لكن شعارًا عكسيًا تمامًا يرفعه النظام الحالي ويطبقه على الأرض بكل إصرار وعنف ودون أي مراوغة: "الصحافة جريمة".

اقرأ/ي أيضًا: حسام بهجت.. العسكر في مواجهة صحافة التحقيقات

بعد أن أحكمت أجهزة الدولة قبضتها على وسائل الإعلام الخاصة وتملكتها بالأوراق لا مجازًا، بقي عدد محدود من وسائل الإعلام المحلية خارج هذه الحظيرة فقامت الدولة بحجبها عن المستخدمين في مصر هي وباقي المواقع العربية والأجنبية غير المرغوب فيها، وتوسعت الدائرة لتشمل جميع المواقع التابعة للمنظمات الحقوقية. ظهرت بعض المواقع التي تساعد على تخطي الحجب فتم حجبها هي أيضًا.

بعد كل ذلك بقي بعض الصحفيين المعارضين والمهنيين الذي يخلصون لمهنتهم ويرغبون في توصيل الحقائق للناس، إما عن طريق وسائل الإعلام المحجوبة أو عن طريق صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك بدأت الحملات المتتابعة لملاحقة هؤلاء وحبسهم باتهامات من نوعية الانضمام لجماعة محظورة ومساعدة جماعة إرهابية على تحقيق أهدافها ونشر أخبار كاذبة، ولأنه لا توجد أدلة طبعًا على الانضمام المزعوم، ولا تحديد لماهية الجماعة، ولا مؤشرات على كذب الأخبار المنشورة ولا أنها نشرت أصلًا، لا يتم تحويلهم إلى المحاكمة ويبقون جميعًا قيد الحبس الاحتياطي اللانهائي لسنوات، وإذا بلغوا الحد الأقصى للحبس الاحتياطي أو حصلوا على حكم بإخلاء السبيل وُضعوا على ذمة قضية أخرى، ليبدأ العد من جديد حتى يتخذ شخص ما قرارًا ما بخروجهم من السجن بعد التأكد من أنهم لن يعملوا في الصحافة مجددًا.

يسعى النظام ليكون الراوي الوحيد، لذلك لا يسمح بوجود صحفي يمتلك رواية أخرى، لا يهتم بالتقارير الحقوقية التي تضع مصر في المرتبة الثالثة عالميًا في حبس الصحفيين، لذلك سنخبر الأوروبيين بكل حزم أن حقوق الإنسان عندهم ليست كحقوق الإنسان عندنا. لا يجد النظام حاجة للمراوغة، لذلك يضع في لائحة الاتهامات تهمة نشر أخبار كاذبة دون أن يتجنبها كسابقيه حتى لا يُقال عنهم إنهم يحبسون الصحفيين في قضايا نشر، نحن نعتبرهم مجرمين ونعتبر النشر جريمة فهل من معترض؟

3. 

لدى النظام الحالي قناعة راسخة بأن المساحة التي تركها حسني مبارك للإعلام في السنوات الخمس الأخيرة لحكمه كانت السبب في تعبئة الناس ضده والثورة عليه في 2011، لذلك كان قراره من اللحظة الأولى عدم ترك أي مساحة أمام الإعلام الحر للتنفس، والتأكيد على أنه لا توجد أي مؤسسة داخلية ولا خارجية، لا نقابة الصحفيين ولا المنظمات الحقوقية ولا مقرري الأمم المتحدة، بوسعهم إنقاذ أي صحفي من الحبس أو الضغط للإفراج عنه، لا ضمانة لأي صحفي للبقاء حرًا إلا بالالتزام الكامل والحرفي بالقواعد التي أرساها النظام، لا رواية إلا روايتي، لا حماية لصحفي إلا بأن يكتب ما يُملى عليه، أو لا يكتب أصلًا.

بينما أكتب هذه السطور تحتجز أجهزة الأمن لينا عطا الله لأنها فقط كانت تجري مقابلة مع الدكتورة ليلى سويف، والدة علاء عبد الفتاح، أمام سجن طرة، ولا أدري إن كان سيُفرج عنها لاحقًا أم ستلحق بزملائها، ويقضي معتز ودنان عامه الثالث في الحبس الاحتياطي لأنه أجرى حوارًا مع شخصية عامة كالمستشار هشام جنينة، وهو العام الثالث أيضًا لعادل صبري الذي اعتقل لأن موقع مصر العربية الذي يترأس تحريره نشر موضوعًا مترجمًا عن المخالفات الانتخابية، ويشمل القوس حسن البنا مبارك ومصطفى الأعصر وخالد داود وسولافة مجدي ومحمد صلاح وحسام مؤنس وهشام فؤاد ومصطفى الخطيب وحسن القباني ومحمود حسين، وقائمة طويلة من الصحفيين المحبوسين وصولًا إلا هيثم حسن وسامح حنين اللذين انضما إلى القائمة في الأسبوع الأخير.

كل هؤلاء لم يفعلوا سوى ممارسة مهنتهم بشكل مجرد، لم يحرض أيهم على العنف أو يدعو لفعل خارج على القانون، معظمهم حتى خصوم قدامى للإسلام السياسي أو شاركوا بحماس في إسقاط حكم الإخوان. خالد داود الذي كان متحدثًا باسم جبهة الإنقاذ، الجبهة المعارضة الأهم أيام حكم الإخوان، والذي نجا من الموت وقتها بعد الاعتداء عليه بالأسلحة البيضاء، متهم الآن بالانضمام لجماعة إرهابية وهي نفس التهمة الموجهة للصحفي "القبطي" سامح حنين. لكن لأن الصحافة في عرف نظام الحكم الحالي جريمة في حد ذاتها، هم خلف القضبان الآن.