11-أبريل-2019

جاءت زيارة السيسي للولايات المتحدة لشرعنة التعديلات الدستورية (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

جاءت زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى واشنطن محملة بدلالات عديدة، منها ما هو مرتبط، كالعادة، بالسعي الدؤوب عند الإدارة المصرية في علاقتها مع واشنطن، لتغطية الانتهاكات الحقوقية، وخلق أولويات جديدة في المنطقة، على غرار "محاربة الإرهاب" أو تعزيز عملية السلام، فيما يبدو كنوع من تحييد القضايا المتعلقة بمعاناة الناس اليومية، تحت استبداد مستمر وغير مسبوق. 

لكن توقيت الزيارة هذه المرة، يرتبط بملف شائك آخر، أي تلك الأحاديث المتصاعدة من آن لآخر عن قرب إعلان الولايات المتحدة مشروع تسوية قسرية للقضية الفلسطينية، الذي بات يُصطلح عليه إعلاميًا بصفقة القرن، وعلى ما يبدو أن الزيارة شملت "وضع اللمسات الأخيرة" على مشروع  التسوية الأمريكي، كما ترجح بعض التقارير. وفي وقت سابق كان جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي قد أعلن في منتصف شباط/فبراير الماضي، أن واشنطن ستقدم خطتها للسلام بين "الفلسطينيين والإسرائيليين"، بعد الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية ، وسيتعين على الطرفين، بحسب تعبيره، تقديم التنازلات من أجل المضي قدمًا في تلك التسوية.

كما عبر كوشنر عما أسماه بالأهمية الكبرى التي تلعبها مصر ودورها في صفقة القرن. في هذا السياق أيضًا، أعرب  وزير الخاريجة الأمريكي عن "تقدير بلاده العميق" للجهود المصرية الأخيرة لاحتواء الوضع في قطاع غزة ومنع تفاقم الوضع، معربًا عن أمله في استمرار التشاور مع مصر في هذا الصدد، وهو ما يوحي بأن ملف "صفقة القرن" هو أهم الملفات التي كانت مطروحة في الخلفية في تلك الزيارة، وأن الإدارة الأمريكية في هذا التوقيت تتجاهل تمامًا الضغط من أجل أوضاع حقوق الإنسان في الداخل المصري.

تغييب ملف حقوق الإنسان

لعل اللقطة الأكثر أهمية في زيارة عبد الفتاح السيسي للولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعد السادسة خلال ثلاثين شهرًا، هي لقطة بعيدة عن مشهد الزيارة نفسه، تحدث عنها مواطن أمريكي مصري وثقته هيومان رايتس ووتش عن الزيارة.

تأتي زيارة السيسي لأمريكا في وقت تخنق فيه حكومته المعارضة قبل استفتاء على التعديلات الدستورية، والتي من شأنها إضفاء الطابع المؤسسي على القمع

يقول حسن إنه تعرض لتجربة الاعتقال والتعذيب في مصر، وأنه كمواطن أمريكي، بات يشعر أنه في ظل الدعم المستمر من الحكومة الأمريكية لنظيرتها المصرية، وكأنه كان يدفع ضرائبه لتمويل هذا التعذيب طوال الوقت.

اقرأ/ي أيضًا: تعديلات جديدة لتمديد ولاية السيسي.. انقلاب على الدستور الخفي

زيارة قبيل التعديلات الدستورية.. ضوء أخضر من أجل تمريرها؟

ذكرت هيومان رايتس ووتش في تقريرها حول زيارة السيسي في التاسع من نيسان/أبريل الجاري، أنها تأتي في وقت "تخنق فيه حكومته المعارضة قبل استفتاء على التعديلات الدستورية، والتي من شأنها إضفاء الطابع المؤسسي على القمع". كما تشير هيومان رايتس ووتش وغيرها من المنظمات الدولية الحقوقية أن إدارة ترامب لا تريد أن تضغط على السلطات في القاهرة من أجل معالجة مشاكل حقوق الإنسان في مصر التي تُدار بوتيرة قمعية غير مسبوقة منذ تموز/يوليو 2013، واضعة أولويات أخرى في العلاقة مع القاهرة.

على العكس من ذلك تجنب ترامب توجيه أية ملاحظات للسيسي حول الملف الحقوقي الداخلي في مصر، وبدلًا من ذلك أشاد به لقيامه بما أسماه "عملًا رائعًا في مواجهة الإرهاب"، دون تحميله أي مسؤولية عن الانتهاكات المستمرة التي يتردد صداها في التقارير الحقوقية الدورية عن مصر.

ولإدراك المنظمة الحقوقية طبيعة العلاقات بين إدراتي ترامب والسيسي فقد وجهت وجهها شطر الكونغرس من أجل "توضيح" أن القمع والاعتداءات المستمرة في مصر يجب أن تضع قيودًا خطيرة على المساعدات العسكرية، مع الإشارة إلى ضرورة ربطها بالإصلاحات الأساسية لملف حقوق الإنسان.

أما مايكل بيج نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنظمة، فقد كان أكثر وضوحًا في تحديده للهدف من الزيارة قائلاً: "بلا مواربة فإن الرئيس السيسي موجود في واشنطن للحصول على ضوء أخضر للتعديلات الدستورية المقترحة التي تمنح السلطات صلاحيات تعسفية وتكرس الطغيان".

التعديلات الدستورية الأخيرة، التي يروج لها النظام المصري بقوة، ويعلق لافتاتها في كل مكان تروج لبقاء السيسي فترة أطول في الرئاسة، وتقوض استقلال القضاء وتهمد لسيطرة عسكرية أكبر على المجالين العام والخاص، وهي سيطرة قائمة بالفعل ولكن بات ينقصها شكل من أشكال القوننة والمأسسة.

تقارير الانتهاكات الحقوقية: الإنسانية الغائبة

في ظل هذه الزيارة وغيرها تستمر الانتهاكات المتتالية لحقوق المعتقلين، في ظروف قاتلة غاية في البشاعة. في هذا الشأن أصدر مركز النديم تقريرًا حول شهادات معتقلين سابقين حول الأوضاع التي عاشوها في السجون، والتي يمكن وصفها بأنها "جحيم أرضي".

أحد من تم الإفراج عنهم بعد أن تعرض إلى هذه التجربة، كان إسلام خليل، وهو شاب في منتصف العشرينيات من عمره يقول "كان أول يوم عيد ميلاد لي داخل السجن هو يوم ميلادي الثاني والعشرين، والذي قضيته داخل سجن أحمد جلال العسكري لأقضي يومي بين الزحف على الرمال الساخنة، على بطوننا وكأنه عقاب من إدارة السجن، لم أعرف سببه حتى الآن، ثم الوقوف في الشمس طوال اليوم، ومن يهتز أو يبدو عليه الاعتراض يتم إجباره على مواصلة الزحف من جديد، ثم ينتهي بنا اليوم في زنزانة مظلمة خانقة، معبقة برائحة البول والبراز المنبعثة من الدلو المخصص لذلك، والزجاجات المعبأة به".

اقرأ/ي أيضًا: مقترح تعديل الدستور.. كل شيء للسيسي!

ويستطرد في موضع آخر بقوله: "عيد ميلادي الثالث والعشرون احتفلت به في سجن بنها العمومي، متجردًا قسرًا من كل ملابسي إلا من شورت داخلي على أرض صخرية داخل زنزانة عرضها متر وطولها مترين مرتفعة السقف، تشعر داخلها أنك في مصيدة فئران أو صرصور محشور داخل علبة كبريت واقفة على رأسها، تلك هي زنزانة التأديب. كان طعامي رغيفًا واحدًا في اليوم وما يمكن تسميته بقية من الجبن وزجاجة واحدة من المياه وزجاجة أخرى لقضاء الحاجة".

تجنب ترامب توجيه أية ملاحظات للسيسي حول الملف الحقوقي الداخلي في مصر، وأشاد بدلًا من ذلك به لقيامه بما أسماه "عملًا رائعًا في مواجهة الإرهاب"، دون تحميله أي مسؤولية عن الانتهاكات المستمرة

كما يبين تقرير هيومان رايتس ووتش أنه وفقًا لمنظمة Justice For life وهي منظمة معنية بحقوق الإنسان ومقرها جنيف، أن المحاكم المصرية أصدرت ما لا يقل عن 2500 حكم بالإعدام في القضايا الجنائية والسياسية في السنوات القليلة الماضية. وعلى الرغم من إلغاء العديد من هذه الأحكام، أعدمت السلطات المصرية ما لا يقل عن 180 شخصًا منذ عام 2013، هذا بخلاف ما توثقه كل عام منصات مستقلة حول الاعتقال والاختفاء القسري في مصر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

2018 في مصر.. حصاد الممنوعات

"عاوزينه للآخر".. كتائب السيسي الالكترونية تحرجه من جديد