24-أكتوبر-2017

مشيًا على خطى الأسد، يركز السيسي على "مصر المفيدة" ويهمل البقية (Getty)

صباح بارد في تشرين، يتثاءب سائق التاكسي، وهو يحول المذياع إلى إذاعة "الشباب والرياضة" على موجات برنامج "تحيا مصر"، الأغاني الوطنية ذاتها التي تسمعها بعد كل مصيبة. بات الأمر شديد السخرية والمرارة في آن، وأنت تسمع "أصله معداش على مصر" لتأخذك السخرية إلى داعش الذي "عدى" على مصر واستقر فيها، واستطاع أن يتمدد أكثر من تمدده في أي بلد آخر، رغم تكرار المسؤولين في كل مناسبة عن اندحار التنظيم وتفتته وغروبه عن مصر.

أنت تسمع "أصله معداش على مصر"، تأخذك السخرية إلى داعش الذي "عدى" على مصر واستقر فيها واستطاع أن يتمدد أكثر من تمدده في أي بلد آخر

في سوريا والعراق وحتى الفلبين، يخرج الديكتاتور دوتيرتي ليحتفل مع جيشه وطاقم حكومته بانتهاء عصر داعش في الفلبين، بينما هناك في مصر مشاهد لا تُنسى وأخبار يتم التعتيم عليها، عن الموت الذي يخرج من أمراء التنظيم ويُسلط سيفه على العسكريين هناك في كمائن ثابتة ومتحركة، وعلى مدنيين وقعوا تحت سيطرتهم بسبب حظهم العاثر.

اقرأ/ي أيضًا: البرلمان المصري يمنع النقاب بحجة مكافحة "الإرهاب"!

بعد تحرير سيناء بقليل، قامت والدة صديقتي بابتياع أرض في سيناء، وقررت أن تضع جُل مدخراتها في بيت كبير تبنيه هناك، والدة صديقتي التي فقدت أخاها واثنين من أقاربها في حرب أكتوبر، كانت لا تستطيع تصديق أن سيناء لن تكون آمنة إلى الدرجة التي وصلتها اليوم. بعد عدة سنوات، بدأت حالتها النفسية تزداد سوءًا إثر التوترات هناك، باختصار لم يعد حتى الطريق من وإلى سيناء آمنًا.

في العريش، يحكي لي صديق من هناك أن الأمان بات أمرًا مرتبطًا بالحظ. انقطاعات الماء والكهرباء أمر عادي قد يصل إلى أسابيع أو أشهر، التجارة كاسدة والناس في البيوت يتكاملون ويتضامنون فيما بينهم ليعيشوا، لكن كل شيء يزداد سوءًا.

تستمر المذيعة في القراءة من أجندة الأوامر التي أتت من "أعلى" في إعطاء أبناء الوطن من المستمعين  نصائح في أن يتحروا الدقة في تبادل المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي لأن الإشاعات "عيب" ولكنها لم تشر ولو إشارة بسيطة إلى الصمت الذي يصل حد الاستهتار بأعصاب ودماء وأرواح الموتى، الذين لا يعرف أهلهم عنهم شيئًا، العدد الكبير الذي تحدثت عنه مصادر أمنية إلى وكالات أجنبية، يعتم عليه إعلام البلد، رغم ما قد يخفيه من خيانة متعمدة من مندسين بين الجنود، إلى الدرجة التي جعلت رئيس أكاديمية الشرطة السابق يطلق تصريحًا عن أن "رائحة الخيانة باتت تزكم الأنوف".

اقرأ/ي أيضًا: لماذا كل هذا الفشل المصري في مكافحة الإرهاب؟

يسألني سائق التاكسي بسذاجة: "كيف يمكن لنا أن نتحكم في الإشاعات التي يطلقونها على فيسبوك؟"، فأقول له بصبر نافذ: "الأصح لماذا تُرك الناس أصلاً للإشاعات؟ ولماذا لم يقطع الرئيس زيارته إلى العلمين من أجل متابعة الحادث عن كثب؟".

نظر الرجل لي في المرآة ولم يجب.

لطالما استند السيسي في شرعيته في حكم البلد على التفويض الذي وعد فيه بمكافحة الإرهاب، ولا يزال النظام عاجزًا في هذه المعركة لليوم

بالتأكيد عاش هذا الرجل إبان النكسة حين كان المذيع يخرج للناس ليقول" لقد أسقطنا عددًا من الطائرات، وحررنا مناطق.. وصدقه الناس حينها". تعود المذيعة السمجة لتقول إن "لهفة الناس لمعرفة المعلومات في التو واللحظة هي ما يُفسد الأمر. أشيح بوجهي إلى النيل البائس وأنا أقول لا فائدة تُرجى من هذا البلد!".

لطالما استند السيسي في شرعيته في حكم هذا البلد على التفويض الذي وعد فيه البلاد والعباد بمكافحة الإرهاب، ومن حينها إلى اليوم، اعتقل آلافًا من أبناء مصر بدعوى مكافحة الإرهاب، واستشهد العديد من أبناء الجيش والشرطة وعُذب وقتل آلاف من المدنيين، واختفى قسريًا العشرات ولا يزال النظام عاجزًا عن الانتصار في معركته على الإرهاب، الذي تجاسر على الانتقال من أطراف البلاد إلى عمقها في الإسماعيلية وطنطا والمحلة، وحتى القاهرة، بل ويكسب في كل يوم معارك جديدة.

بل وكأنه يرمي بكل مصر خلف ظهره ليُنشئ، العاصمة الإدارية الجديدة التي سمتها مجلة أكتوبر المقربة من النظام بـ"درة التاج المصري"، مشيًا على خطى الأسد في إنتاج "مصر المفيدة"، مسكونة بأصحاب الملايين، وعامرة بمنشآت ضخمة، فاخرة، مترفة الطابع لا تشي سوى ببؤس القادم من مستقبل هذا البلد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جشع وتخبط نظام السيسي وراء فشل المدارس اليابانية في مصر!

هل تحمينا الاعتقالات السياسية من الإرهاب؟