02-يونيو-2017

تهجير المدنيين من حلب (محمد سايح/الأناضول)

بعد سيطرة النظام السوري على الشطر الشرقي لمدينة حلب، وقّع مع المعارضة اتفاق وقف إطلاق نار في أنقرة بضمانة روسية تركيا، باستثناء مناطق جبهة "فتح الشام"، قبل أن تندمج ضمن تشكيل هيئة "تحرير الشام"، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تمهيدًا للذهاب إلى اجتماع "أستانا 1"، لبحث خارطة الانتقال السياسي للحكم في سوريا.

واستغل النظام السوري بدعم روسي وإيراني –كانت السبب الرئيسي لإفشال الاتفاق– التزام المعارضة بوقف إطلاق النار لشن حملة عسكرية عنيفة على جبهات الغوطة الشرقية، وريف دمشق الغربي، سمحت له باستعادة مناطق جديدة، وتأمين محيط العاصمة دمشق بأكثر مما هو متوقع، قياسًا بمناطق سيطرته سابقًا.

1. "وادي بردى".. استعادة نبع المياه المغذي لدمشق

تمكّن النظام السوري بسيطرته التي فرضها على مدن وبلدات بريف دمشق، من عزل منطقة "وادي بردى" بشكل كامل، والذي تتوزع قراه (بسيمة وعين الخضراء وعين الفيجة ودير مقرن وكفير الزيت ودير قانون والحسينية وكفر العواميد وبرهليا وسوق وادي بردى) على ضفتي نهر بردى المُغذي لمياه العاصمة دمشق، بنسبة تصل إلى 70% تقريبًا.

بعد سيطرة النظام على حلب الشرقية، وقع اتفاق وقف إطلاع نار مع المعارضة، ما لبث أن خرقه لشن حملة عسكرية على الغوطة الشرقية

استمرت الحملة العسكرية لمدة شهر تقريبًا لم يأبه النظام خلالها بانقطاع المياه عن العاصمة، إنما مضى في حملته العسكرية على المنطقة من قبل قواته مدعومًة بمليشيات أجنبية فلسطينية وحزب الله اللبناني، الذي شارك بشكل غير محدود في العمليات العسكرية، إلى أن أعلن النظام رسميًا في 29 كانون الأول/ يناير 2017، خروج مقاتلي المعارضة مع عوائلهم، فيما يقدر بحوالي 1900 شخصٍ، إلى الشمال السوري.

اقرأ/ي أيضًا: شبيحة الأسد.. تعرف على أبرز المليشيات الأجنبية المقاتلة مع النظام السوري (1-3)

2. حي الوعر.. المعارضة تفقد أخر معاقلها في مدينة حمص

منذ عام 2012 تقريبًا خضع حي الوعر الحمصي لحصار كبير، وكان آخر معاقل المعارضة السورية داخل مدينة حمص. وعلى مدار أعوام الحصار اعتمد سكان المدينة الزراعة على أسطح المنازل تفاديًا لسياسة الحصار، والتي زاد عليها تأخير وصول المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين. وتخللت هذه الفترة عمليات قصف يومية، ومحاولات اقتحام فاشلة.

وبعد عمليتي التفجير في شباط/فبراير الماضي، التي استهدفت فرعين أمنين للنظام في حمص، بدأت قوات النظام حملة عسكرية عنيفة على حي الوعر، بذريعة أن فصائل المعارضة في الحي هي المسؤولة عن تنفيذ التفجيرين، فاستهدف النظام على إثر ذلك، الحي، بعشرات الغارات الجوية، إلى أن قبلت المعارضة بالخروج إلى شمال سوريا، على أن يتم تنفيذ الاتفاق خلال شهرين اعتبارًا من 13 آذار/مارس الماذي، وقُدر عدد المغادرين من الحي بـ20 ألف شخص، أي ما نسبته 75% من السكان الأصليين.

3. المدن الأربعة.. استكمال خرائط حزب الله

نظرًا لما تمثله مدينة الزبداني بريف دمشق الغربي من أهمية للنظام السوري وحزب الله اللبناني، قاما بربطها مع بلدتي كفريا والفوعة بريف إدلب المواليتين، والمحاصرتين من قبل فصائل المعارضة السورية منذ أربعة أعوام تقريبًا، ومعهما الزبداني ومضايا. وفي حزيران/ يونيو 2016، أُعلن عن تفعيل هدنة "المدن الأربعة"، بعد اتفاق موقع بين تحالف جيش الفتح والنظام السوري.

خريطة توضح مناطق النفوذ في سوريا حتى آذار/مارس 2017
خريطة توضح مناطق النفوذ في سوريا حتى آذار/مارس 2017

لكن نيسان/أبريل من العام الجاري، مثّل حدثًا مفصليًا، عندما أُعلن عن إبرام اتفاق ينص على خروج مقاتلي المعارضة مع عوائلهم من الزبداني ومضايا وسرغايا إلى شمال سوريا، مقابل خروج القوات الداعمة للنظام مع عوائلهم في كفريا والفوعة إلى مناطق سيطرته، لتكون هذه الاتفاقية الأولى من نوعها على صعيد التغيير الديموغرافي، بعد أن اقتصرت على خروج مقاتلي المعارضة فقط، لتصبح الزبداني المدينة الثانية بعد داريا التي يُهجر سكانها بشكل كامل.

وتأتي الأهمية الاستراتيجية لمدينة الزبداني في المرتبة الأولى لدى حزب الله، على اعتبارها استكمالًا للمعارك التي بدأها في 2013، لتأمين طول الشريط الحدود مع سوريا، حيثُ تبعد الزبداني عن الحدود اللبنانية نحو 11 كيلومتر، وما يقرب من 14 كيلومتر عن بلدة "النبي شيت" ذات الأهمية الاستراتيجية لحزب الله. وبالسيطرة عليها يكون النظام السوري قد أمّن محيط العاصمة من مدينة "أزرع" في ريف درعا الجنوبي، وصولًا لمدينة حمص وسط سوريا، ضمن خط طولي.

4. التغيير الديموغرافي يطال أحياء دمشق العاصمة

تعتبر عملية التغيير الديموغرافي التي حصلت في الأحياء الشرقية للعاصمة دمشق، وهي برزة وتشرين والقابون، من أكثر الاتفاقيات غموضًا، بسبب أن مضمونها غير معروف، فعبد إخلاء مقاتلي المعارضة مع عوائلهم من حييّ برزة وتشرين، خرج في 14 أيار/مايو الماضي، مقاتلي المعارضة مع عوائلهم من حي "القابون" إلى شمال سوريا، بعد معارك عنيفة تقدم فيها "فيلق الرحمن" إلى مناطق استراتيجية في قلب العاصمة دمشق، قبل أن يتراجع بسبب الهجوم الذي نفذه جيش الإسلام على مقرات الفيلق وهيئة تحرير الشام، وانقطاع خطوط الإمداد عنهم. 

ولا توجد إحصائية محددة لعدد الخارجين من الأحياء الثلاثة، بسبب أن معظمهم كانوا من نازحي الغوطة الشرقية، ليحملوا حقائبهم في نزوح ثاني مجهول المصير.

وإضافة لأحياء دمشق الشرقية، يوجد سكان بلدات جنوب دمشق المهددين بتهجير قسري مماثل، ما لم يوافقوا على البنود المطروحة من النظام السوري، إضافة لأن مقاتلي هيئة تحرير الشام المتواجدين في مخيم اليرموك ينتظرون تأمين طريقًا لهم للخروج مع عوائلهم إلى الشمال السوري. 

إضافةً إلى الحديث الدائر عن خروج مقاتلي تنظيم داعش مع عوائلهم إلى مدينة الرقة، بعد أن خرج معظم سكان هذه المناطق على مدار الأعوام الفائتة إلى الدول المجاورة، وكان غالبيتهم من الناشطين، بسبب إحكام الفصائل المتشددة سيطرتها على مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن.

5. المناطق الشرقية

تعرضت المناطق الشرقية التي شهدت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عليها من قبضة داعش، بالإضافة للبلدات والمدن في ريف حلب، لعملية تهجير قسري بحق السكان الأصليين للمنطقة، سعيًا منها لاستكمال خريطة مناطق ما تُسمى بـ"الإدارة الذاتية". 

وإذا ما تتبعنا خارطة السيطرة نجد أن المناطق التي حصل فيها تهجير قسري كانت مدينة منبج والقرى المحيطة بها في ريف حلب الشرقي كبلدة عين عيسى، ومدينة تل أبيض بريف الرقة، إضافة لما يحدث من نزوح لسكان القرى المحيطة بريف الرقة، يرافقه قصف عشوائي سقط على إثره مئات الضحايا المدنيين خلال عملية حصار الرقة الجارية حاليًا بدعم من التحالف الدولي.

المناطق الشرقية التي سيطرت عليها "قسد" من داعش، تعرضت لعمليات تهجير قسري لسكانها الأصليين، لتستكمل "قسد" خريطة الإدارة الذاتية

ويأتي إعلان مليشيا الحشد الشعبي العراقية وصولها إلى الحدود السورية، وهي متهمة بارتكاب جرائم حرب خلال معركة الموصل؛ لينذر بكارثة إنسانية قد تطال الخارطة السكانية للمنطقة الشرقية، كونها مستهدفة من قوات الأسد والمليشيات الإيرانية، إضافة إلى "قسد"، ما يهدد حياة المئات من السكان الأصليين، بالأخص أن التحالف الدولي في تقارير سابقة، ردًا على استهدافه المدنيين أثناء العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة، قال إنه حصل على الإحداثيات من القوات العراقية في الموصل، أو من "قسد" شمال سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: الحشد الشعبي.. المليشيا في مواجهة الدولة من الداخل

وللتنويه فإن هذه المناطق خضعت سابقًا لعمليات تهجير قسري، بعد أن سيطر عليها داعش، ونزح من سكانها الآلاف بعد أن باعوا ممتلكاتهم بثمن رخيص، كي يتجنبوا الاصطدام مع مقاتلي التنظيم المتشددين، وهربًا من قوانينه الصارمة على السكان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف وقع التغيير الديموغرافي "القسري" في سوريا (1-3)

التهجير الكبير.. كيف وقع التغيير الديموغرافي "القسري" في سوريا (2-3)