كتب الزميل بلقاسم بوبكر على جداره في فيسبوك: "المعارضة في مزفران، الموالاة في القاعة البيضوية، والشعب في كيل الزيت"، وتقريبها للقارئ العربي كما يلي: عقدت الأحزاب الجزائرية المعارضة، أو ستعقد لأنني في حالة إبداعية فرضت علي مقاطعة العابر، مؤتمرًا لها في قاعة مزفران غرب العاصمة، فيها اليمين واليسار وما بينهما، وتلتقي على هاجس تمدين الحكم الذي تقول عنه إنه مغتَصَب من شلة معينة، تستمد شرعيتها من رئيس لم يعد يستطيع القول لشعبه: "صباح الخير أو عيدكم سعيد"، بالموازاة مع عقد أحزاب الموالاة للسلطة مؤتمرًا لها في القاعة البيضوية في العاصمة أيضًا، وأيضًا فيها اليمين واليسار وما بينهما، وتلتقي على هاجس استمرارية الدولة تحت قيادة الرئيس الحالي الذي تقول عنه إن ما يهمها من صحته أنه يفكر ويتابع ويقرر ويوجه ويستقبل، وثمرة ذلك نأي البلاد عن فخاخ السقوط أو الفوضى أو الإرهاب.
هل ذهب الشعب الجزائري فعلًا في كيل زيت المعارضة والموالاة معًا؟
المعارضة تقول إن مؤتمر الموالاة لم يكن مبرمجًا قبل إعلانها عن مؤتمرها، وهو بهذا جاء ليسرق الأضواء منها ويشوش على حضورها ومقولاتها التي منها وجوب الذهاب إلى جمهورية ثانية، والموالاة تقول إنها أكبر من أن تنزعج من أحزاب لفظتها الصناديق فباتت عاجزة حتى عن حماية مناضليها من التسرب إليها، ناهيكم عن استقطاب مناضلين جدد.
اقرأ/ي أيضًا: في الفارق بين شياطين الجزائر وملائكته
هنا يأتي دور شرح عبارة "كيل الزيت" الواردة في المنشور الفيسبوكي لزميلنا بلقاسم، ويُقصد بها الآنية التي يُكال بها الزيت عادة ما تسع لترًا أو نصفَه أو ربعَه، وما يبقى في قعره من زيت يستحوذ عليه صاحب الكيل، فلا يظهر له أثر أو يطاله نظر، ويقيس عليه الجزائريون كل حق مهدور، فيقال: "راح في كيل الزيت".
هل ذهب الشعب الجزائري فعلًا في كيل زيت المعارضة والموالاة معًا؟ فهو لديها خيال لصورة تعطي الشرعية ولا تمتلكها فتحاسب على أساسها؟ هل جاءت هذه الاستقالة الشعبية من التفاعل مع المواعيد الانتخابية، خاصة الشباب، ثمرة لإحساس الشعب بهذه الحقيقة؟ وقد تفطنت السلطة والمعارضة معًا إليها، فوقع بينهما تحالف اضطراري تمامًا كما يتحالف شخصان مربوطان إلى سلسلة واحدة في حالة بات أحدهما مهددًا بالسقوط. سلطة ترى صورتها في معارضتها ومعارضة ترى صورتها في النظام القائم.
اقرأ/ي أيضًا: الجزائر.. تلاميذ أم فئران تجارب؟
يكفي أن نعد السنوات التي مكثها القائمون على الأحزاب المعارضة في إدارة هذه الأحزاب، لندرك وجه الشبه بينها وبين النظام، كلاهما متفقان على أن احتكار الشخص الواحد للكرسي لا يخل بالحياء والديمقراطية. كم سياسيًا جزائريًا معارضًا تخلى من تلقاء نفسه عن إدارة الحزب لغيره وتفرغ هو للنضال داخل الحزب؟ وجوه قليلة فعلت ذلك، وما سواها إما استمر في كرسيه، وإما انشق بفصيله عن حزبه الأصلي، وأسس حزبًا جديدًا لأن فصيلًا آخر طالبه بأن يكون ديمقراطيًا.
المعارضة والموالاة متفقان على أن احتكار الشخص الواحد للكرسي لا يخل بالحياء والديمقراطية
هنا يطرح هذا السؤال نفسه: هل يحق لهذه المعارضة أن تقول للرئيس بوتفليقة إنه لم يعد جديرًا بأن يستمر في الحكم؟ كيف يطالب صاحبُ رصيد ثلاثين سنة من الاحتكار صاحبَ رصيد عشرين سنة بمبدأ التداول على السلطة؟ والحديث قياس على شريحتي المثقفين والشباب، إذ تكاد خزانات الأحزاب المعارضة أن تخلو منهما، ليس عزفًا منهما عنها، بل إقصاء لهما، فبأي منطق تملك هذه الأحزاب الحق في أن تطالب النظام بأن يشبّب ويثقف نفسَه؟
إن هناك سلطة تمثل أنها تقصي المعارضة ومعارضة تمثل أنها تعارض نظامًا، لكنهما في العمق متفقان على استمرار الوضع على ما هو عليه. بما يذكّرنا بحكاية الأعمى والأعرج اللذين اتفقا على أن يتبادلا المنافعَ، بأن يرى الأعمى بعيني الأعرج ويمشي الأعرج برجلي الأعمى، ولكم أن تتصوروا ما ينتج عن هذا التحالف من عثرات.
اقرأ/ي أيضًا: