18-مارس-2016

الملاح في الجزائر، حيث يظهر الطفال وهو في طريق المدرسة من خلال نافذة مغطاة النحل (Getty)

تقول المصادر المتطابقة إن وزارة التربية والتعليم في الجزائر، انطلاقًا من دراسات دقيقة، بعضها قامت بإنجازها وبعضها أنجز من طرف هيئات أخرى، تقول إن فشل المنظومة التربوية بات صارخًا، قررت أن تقوم بإصلاح المنظومة، أو إصلاح الإصلاحات السابقة. إلى هنا الأمر شبه عاد، ذلك أنه مبرر أن تقوم الوزارة بمراجعة لخيارات أثبت الواقع أنها فاشلة، غير المبرر تمامًا أن تلجأ إلى الخبرة الفرنسية نفسها التي لجأت إليها في السابق، بل إلى الخبراء أنفسهم بالأسماء والأفكار والاقتراحات نفسها، منهم جون كلود وجون جاك وريغات بيار.

هل دفع الجزائريون شهداءهم لولا حرصهم على خصوصية إنسانهم ومكانهم التي حاول الاحتلال الفرنسي طمسها؟

هنا تطرح هذه الأسئلة نفسها، بعيدًا عن التشنج الذي يتعامل به بعض الجزائريين مع كل ما هو فرنسي، قريبًا من المنطق الإنساني الذي يُفترض أن تغرسه المنظومة التربوية في عقول طلابها: هل عقرت الجزائر من الخبرات التي يمكن أن تدلي بدلوها في هذا الباب؟ إذا كانت الإجابة لا، فلماذا لم تتم الاستعانة بهذه الخبرات الوطنية؟ وإذا كنت الإجابة نعم، فالوضع يؤشر على أن المنظومة التربوية فاشلة من حيث المنطلق أصلًا، وليس على مستوى البرامج والمناهج فقط، وعلينا أن نستبدلها جذريًا لا أن نكتفي بترميمها فقط؟

اقرأ/ي أيضًا: جنة الحرمان الجزائرية

لماذا الاكتفاء باللجوء إلى الخبرة الفرنسية في ميدان التعليم، بغض النظر عن المعطى الذي يقول إنها نفسها باتت تعاني فقرًا في تقديم الجديد داخل فرنسا نفسها، والزهد في الاستعانة بخبرات أخرى، تجمع الأطراف كلها في العالم على أنها متفوقة، منها الخبرة الأمريكية والبريطانية واليابانية والروسية؟ علمًا أن الكفاءات التي أثمرتها هذه المنظومات باتت تساهم في إنجاز المشاريع الاقتصادية في الجزائر؟

ثم لماذا هذا القفز على مراعاة الخصوصيات في إصلاحات تتعلق بتكوين إنسان له خصوصيات معينة؟ لماذا دفع الجزائريون عددًا من الشهداء يفوق عدد مواطني بعض الدول القائمة، لولا حرصهم على خصوصيات إنسانهم ومكانهم التي حاول الاحتلال الفرنسي على طمسها؟

إنه من الوقاحة إنكار العمق الحضاري لفرنسا، بما يجعلها واحدة من أثرى المشاهد الحضارية الغربية، في المجالات كلها، فلماذا لا تمنحنا فرنسا حين نطلب خبرتها إلا ما يثري فشلنا؟ هل هذا مقصود من طرفها، أم هي ثمرة قفزنا على خصوصياتنا؟

يسأل الجزائري: لماذا لا تمنحنا فرنسا حين نطلب خبرتها إلا ما يثري فشلنا؟

لقد أسس هذا القفز، من بين ما أسس له، قيام الشارع الجزائري بردة فعل للحفاظ على خصوصياته، خاصة تلك المتعلقة بالبعد الإسلامي، فحدث أن توجه، في ظل غياب رؤية وطنية واعية بالمرجعية الدينية الوطنية التي تراكمت عبر عدة قرون، إلى مرجعيات إسلامية بعيدة عنه، فبات شارعًا شبه مدعوش، يحتكم إلى فتاوى مدعوشة، بحيث يمكن أن تجد طالبًا في كلية اللغات الأجنبية يرى في دراستها خروجًا على الدين، أو يرفض الوقوف لتحية العلم الوطني بحجة أنه بدعة.

لا أريد أن أقع في فخ محاكمة النوايا، فأتهمَ نية القائمين على الشأن التربوي في الجزائر، بأنها ليست بريئة، بحيث تهدف إلى تخريب المجتمع وتمييعه وحرمانه من كفاءاته، لكني لن أتنازل عن حقي في الحصول على إجابة عن سؤال هذا العبث، تمامًا كما ينبغي على المربين ألا يتنازلوا عن حقهم في أن يُستشاروا في كل إصلاح أو مراجعة أو إضافة تقوم بها الوزارة الوصية، فهم ليسوا مجرد موظفين عند رب عمل خاص، مطالبين بتنفيذ ما يُمليه عليهم. أين صوت المربي الجزائري في هذا كله؟
    
اقرأ/ي أيضًا:

العبقرية الجزائرية في إنتاج الفشل

من يفكر للدواعش؟!