09-ديسمبر-2015

السمك في موريتانيا.. الثروة المستنزفة(Getty)

تعتبر موريتانيا، ذات الطبيعة الصحراوية، من أغنى دول الساحل الإفريقي بالثروات الطبيعية، مثل ثروات الحديد والنحاس والذهب، إضافة إلى النفط والغاز، لكنها تتمتع أيضًا بأحد أكبر وأغنى شواطئ العالم بالأسماك، ورغم كل ذلك يعيش حوالي نصف سكانها تحت خط الفقر وتبقى البنى التحتية والسياسات الحكومية دون تلبية طموحات الموريتانيين، حسب خبراء دوليين. وتصل مساحة شاطئ المحيط الأطلسي المطلة عليه البلاد إلى 780 كيلومترًا مربعًا من دلتا نهر السنغال حتى حافة خليج الرأس الأبيض على حدود المغرب شمالًا.

تتمتع موريتانيا بأحد أكبر وأغنى شواطئ العالم بالأسماك وهي من أغنى دول الساحل الإفريقي بالثروات الطبيعية

وتستخرج موريتانيا نحو 840 مليون طن من الأسماك سنويًا، وتعد البلاد أكبر مصدر عربي للأسماك بنحو 44 في المئة، كما أنها تملك 18 في المئة من إنتاج الأسماك العربية لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بعد المغرب ومصر. تصدر موريتانيا نحو 95 في المئة من مجموع ثروتها السمكية للاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر الشريك الاقتصادي الأول لموريتانيا في مجال الصيد يليه اليابان. وكانت آخر دراسة حديثة للبنك الدولي عن الثروة السمكية في الشمال الإفريقي قد أكدت أن الثروة السمكية تشكل ربع ثروة موريتانيا الطبيعية، معتبرة أن الثروة السمكية تتعرض للاستغلال المفرط  من الشركات الأجنبية في غياب سياسات منهجية فعالة في الصفقات العمومية الموقعة من الشركات الأجنبية.

مؤخرًا، أعلن أن موريتانيا ستستفيد إلى جانب تسع دول في أفريقيا الغربية من برنامج إقليمي للصيد حصل على هبة من البنك الدولي بحوالي 20 مليون دولار أمريكي. في هذا الإطار، قال وزير الصيد الموريتاني الناني ولد شروقه خلال انطلاقة البرنامج الذي يموله البنك الدولي "إنهم يسعون إلى إعداد إطار استثماري للقطاع إضافة إلى بلورة إستراتيجية جديدة ومدونة الصيد المنبثقة عنها". وبين الوزير أن "هذا التمويل سيخصص لدعم التوجهات الكبرى للبرنامج خاصة في مجال المحافظة على الثروة وتنميتها وتسيير المصايد وتعزيز الحكامة في القطاع وتطوير البنى التحتية وإنجاز دراسات تهيئة أقطاب الصيد المزمع إنشاؤها على امتداد الساحل الموريتاني فضلاً عن دعم مسار تنفيذ مبادرة الشفافية في قطاع الصيد".

ويرى خبراء دوليون أنه يتوجب على الدول الموقعة على ميثاق الشفافية الدولية في مجال الثروات الطبيعية والتي من ضمنها موريتانيا، أن تلتزم بالكشف عن المبالغ التي استلمتها من الشركات للرأي العام ممثلاً في الإعلام وهيئات المجتمع المدني وغرفتي البرلمان، وعلى هذه الكشوف أن تخضع للتحقق من طرف إداريين مستقلين. ويوافق تيل براكنر، الذي عمل ممثلًا لمنظمة الشفافية في مناطق عدة حول العالم، على ضرورة إفصاح الجهات المستثمرة من شركات عن الصفقات التي تبرمها مع حكومات البلدان مستدركًا أن "موريتانيا تدخل في أزمة كبيرة بسبب انتهاك قوانين الشفافية في مجال التسيير وخاصة في قطاع الصيد الذي يبقى خارج رقابة منظمة الشفافية الدولية".

ويقول براكنر في مقال له إنه تحدث قبل فترة مع "با عليو كوليبالي"، المنسق العام لمجموعة (PWYP in Mauritania) المهتمة بقضايا الشفافية في موريتانيا، وقد سأله عن السياسة الموريتانية في قطاع الصيد ومستوى الشفافية في هذا القطاع الهام، إضافة إلى تفشي الفساد والمحسوبية، وصرح كوليبالي أن "المعلومات المتوفرة لديهم عن قطاع الصيد محدودة جدًا، مضيفًا "أنه تم إدراج موريتانيا في  تقرير منظمة الشفافية سنة 2005 وشملت التقارير قطاع المعادن فقط ولم يتم دمج قطاع الصيد لذلك تبقى كل المعلومات عن مدخلات هذا القطاع مبهمة".

يؤكد كوليبالي أنهم "يطالبون بتحقيق الشفافية في قطاع الصيد منذ سنوات"، لكن الحكومة لم تستجب إلى مطالبهم، معتبرًا أن السلطات الموريتانية أرادت أن تظهر اهتمامها  بموضوع الشفافية لكنه في حقيقة الأمر اهتمام يفتقد للإرادة السياسية القوية. ويرى باحثون من أبرزهم الإمام ولد محمد محمود، الموريتاني المهتم بالشأن التنموي والاقتصادي: "أن بلاده رغم مشاركتها في المبادرة الدولية للشفافية في ألمانيا مؤخرًا إلا أنه لا يلاحظ أي تغيير أو تطور في تطبيق قوانين الشفافية وتوصياتها المقدمة من المنظمة العالمية للشفافية التي هي عضو فيها".

ويؤكد ولد محمد محمود لـ"ألترا صوت" أنه "لا يمكن لأي كان أن يعرف المبالغ المالية الطائلة التي تستلمها الحكومة الموريتانية مقابل عمليات الصيد في الشواطئ الموريتانية"، مستثنيًا ما تم دفعه تحت إطار اتفاقية الصيد مع الاتحاد الأوروبي والتي صارت نتائجها معلومة لدى الجميع ، حسب تعبيره، ومؤكدًا أن "هناك ملحقات في الاتفاقية غير واضحة وغير معلنة على الأقل إعلاميًا". ويضيف ولد محمد محمود أن "الكثير من سفن الصيد التابعة ملكيتها إلى أفراد خارجة عن إطار الاتفاقيات وتزاول الصيد في المياه الموريتانية في حين لا يمكن تقدير ريعها ولا أين تذهب هذه الأموال الطائلة، كما أن الأموال المدفوعة من قبلهم لا تتلاءم مع أعداد سفنهم التي تصطاد في مياه البلاد".

وبشأن الاتفاقيات التي تربط موريتانيا بالاتحاد الأوروبي في مجال الصيد، يشير عبد الصمد ولد مبارك وهو باحث متخصص في الاقتصاد الموريتاني، إلى أن هناك عدة مزايا يجنيها الجانب الموريتاني وهي إلزام الجانب الأوروبي بجعل 60 في المئة من العمالة على سفنهم من الموريتانيين، وإلزامه بإتباع سياسة التفريغ في الموانئ الموريتانية، وما ينجم عنها من خدمات آنية وقيمة مضافة، وهناك استثناء فئة الرخويات (الأخطبوط)، وهو نوع باهظ الثمن ومختص بالسوق اليابانية، إضافة إلى مقايضة مالية سنوية تزيد على مئة مليون يورو تضاف إلى ميزانية الاستثمار الموريتانية.

وتقدم استراتيجية الصيد المعروفة محليًا بـ"الكوتا" والتي أقرتها الحكومة، طريقة جديدة للنفاذ إلى المورد السمكي، تقوم على أساس توزيع حصص نسبية ثابتة ومؤمنة، يعني ذلك منح شركة معينة أو فاعل فردي معين حق الحصول على كمية محددة من الأسماك لفترة طويلة سيتم تحديدها لاحقًا. وبالنسبة لإبراهيم صار، الصياد التقليدي المنخرط في تعاونية "مول" التي تشغل ألف عامل بحري في نواكشوط، فإن نظام "الكوتا" يعني نهاية الصيادين التقليديين.

تتعرض الثروة السمكية الموريتانية إلى استغلال مفرط من الشركات الأجنبية في غياب سياسات منهجية فعالة من الحكومة

وخلال مناقشة هذه الإستراتيجية، في كانون الأول/ديسمبر 2014، تعرض الوزير لمعارضة وانتقاد شديدين من ممثلي الصيادين التقليديين، والذين رأوا أن المشروع يهدف إلى خصخصة الثروة السمكية، وبالتالي حرمان الصيادين التقليديين من عملهم. وقد اعتمدت موريتانيا، خلال الـ25 سنة الأخيرة، 6 استراتيجيات لتسيير الثروة السمكية وتربية الأحياء المائية. ووفقًا لمجموعة من وزراء الصيد السابقين الذين حضروا نقاش الإستراتيجية الجديدة، فإن هذه الأخيرة ينبغي أن تتضمن "تشجيع الصيادين الوطنيين، تعزيز البنى التحتية القاعدية، الحفاظ على الثروة السمكية واندماج القطاع في الاقتصاد الوطني".

وتخوف العديد من الصيادين التقليديين من الإستراتيجية الحكومية لقطاع الصيد والتي قد تحرمهم من وظائفهم، إذ يوفر الصيد التقليدي 90 في المئة من العمالة الكلية للقطاع، والتي تصل إلى 53 ألف وظيفة عمل. ويشكل قطاع الصيد أكبر مزود للعمالة في البلاد، حيث يلعب دورًا بارزًا في محاربة البطالة، كما يوفر ربع العائدات الضريبية للبلاد ونصف تدفقات العملات الأجنبية. وفي الوقت ذاته ترى المعارضة الموريتانية أن الشواطئ ساحة مفتوحة تعيث فيها الأمم الكبرى المهتمة بالصيد فسادًا تحت غطاء المسؤولين الموريتانيين المنخرطين في سوق الفساد المالي الذي أنهك قطاع الصيد.

اقرأ/ي أيضًا:

الموريتانيات.. الكرامة في بقايا الأرز

أفريقيا.. ملاذ الموريتانيين الأخير من البطالة