21-أغسطس-2016

محمد بدارنة/ فلسطين

يجد المنتبه لمسارات الرواية المعاصرة في العالم، أنها تسير اليوم إلى الاهتمام بالبناء والتقنية، جاعلة اهتمامها بهما فوق كل اهتمام. فيرتبط التجديد في العمل الروائي بتطوير أنساق فنية جديدة، ونقاش مستمر يجعل كل طريقة فنية تحت تساؤلات دائمة.

في الأدب الفلسطيني، يبدو الاشتغال على التجديد آخر ما يهتم به صناع الرواية

في الأدب الفلسطيني، يبدو الاشتغال على التجديد آخر ما يهتم به صناع الرواية. والمقصود بالتجديد هنا، تطوير بنى جديدة للعمل الروائي، سردًا وتقنية ولغة. إذ يذهب جزء من الروائيين الفلسطينيين إلى تقديم روايات "الحيط الحيط" أي أعمال تسعى إلى تلبية الشروط الأولية للعمل الروائي وحسب، "وتقول يا رب السترة" كما ورد في المثل الشعبي. أي كتابة عمل على الحد، يحقق قدرًا مطلوبًا من النجاح، ولكن دون أية رغبة بالتجريب، أو في استخدام بنى وتقنيات روائية جديدة، وتستند دائمًا إلى أنماط تقليدية سوقها مضمون. روايات تقدم نموذجًا منضبطًا ومقبولًا، لكنه يظل جبانًا، جبن من لا يسعى لفعل أي جديد. 

اقرأ/ي أيضًا: رواية ما بعد الانتفاضة الثانية.. الحاضر المفقود

قد تندرج هذه النتيجة ضمن نتائج كثيرة أسس لها الانشغال بالمقولات السياسية في الأدب الفلسطيني، فعندما تغلب المقولة على العمل الإبداعي، يصير الاهتمام بتقديم الجديد تجديدًا على صعيد المقولة فقط، ويتحول الحقل الروائي والفضاءات العامة المتشكلة من خلاله، إلى سجال سياسي وحسب. ولا نجد أي حوارات جدية عن تطوير الجانب الفني للنص، ولا نجد صراعات بين مدارس تقليدية أو تجديدية كما تبدو الحال في الشعر مثلًا.

غياب هذا النقاش يجعلنا نتساءل بجدية عن مصائر الرواية الفلسطينية الجديدة وتطورها، كيف يمكن تطوير أنماط روائية جديدة بدون نقاش جاد وعام عن بنى العمل الروائي. والأهم من دون صراع بين الأجيال الروائية المختلفة. فللمفارقة يجد المطلع على المكتوب نقدًا عن العمل الروائي إصراره على استحضار نماذج روائية قديمة، وإن كانت نماذج مهمة وريادية فلسطينيًا وعربيًا. ويتم استحضار مقارنات تتعامل مع هذه النماذج كمعيار. 

بهذا الصدد ينشغل النقاد الفلسطينيون بتصنيفات وفئات على غرار أدب الشباب، أو روايات الشباب. لكنه تصنيف غير مفهوم، لأنه لا يرتبط بأنواع مختلفة من العمل الأدبي، وإنما بتصنيف متعلق بفوارق العمر فقط، وبرغبة إرضاء أبوية الجيل القديم على ما يبدو.

بشكل عام يمكننا القول إننا أمام روائيين من دون مشروع، أو مشاريع متعلقة فقط بمعنى سياسي، أو بمعنى متعلق بالمواضيع المشتغل عليها، لا بطرق فنية أو روائية. فنجد روائيين يستمرون في كل أعمالهم بالكتابة عن إشكاليات اجتماعية أو سياسية ثابتة، ولكن بدون حرص على تقديم نموذج فني ثابت وخاص. وهذا المسار يضيف تساؤلًا جديدًا عن إمكانية تقديم رواية فلسطينية جديدة فعلًا. 

في فلسطين، روائيون يكتبون عن إشكاليات اجتماعية أو سياسية ثابتة، بدون حرص على تقديم نموذج فني خاص

الأهم أن ظروفًا كثيرة أسست لمعنى رائج على ما يبدو، عن مجاراة الأدب الحديث، الذي يميل إلى سرديات يومية صغرى. فيتم استغلال هذا الوصف المباشر للأدب الحديث، الذي قد يميل إلى التبسيط بقدر ما يبدو مائلًا إلى التكثيف، ويتم استخدامه في غير مواضعه. فيذهب الجيل الجديد من الروائيين الفلسطينيين إما إلى تقديم تفاصيل يومية، وسير جزئية، لكنها بقيت محملة بسرديات كبرى! أو إلى استغراق في أعمال ذاتية. ما يعنينا أن كلتا الحالتين تقدمان نموذجًا صارمًا عن الواقع، وجديًا إلى حيث تخال أن الواقع نفسه ليس جديًا إلى هذه الدرجة. 

اقرأ/ي أيضًا: "أولاد الغيتو- اسمي آدم".. سردٌ بلغة النّار

فيغيب مثلًا أي نص روائي ساخر من معظم الأعمال الروائية الفلسطينية الجديدة، وكذا تغيب روايات الخيال بالمطلق، ناهيك عن روايات الخيال العلمي التي تفتقدها المكتبات العربية إجمالًا. كل ما في الأمر أن هناك نمطًا رائجًا من الكتابة، بجمهور جاهز، وأدوات محددة، ولا نجد من يتكلف عناء شق طرق أخرى.

هذا النقاش الغائب، وإن بدا ثانويًا، إلا أنه مقدمة ضرورية لفهم إصرار الرواية الفلسطينية على نماذج تقليدية، حتى لو حاولت تغليف هذا القديم بقشور الرواية المعاصرة، مثل الانزياح إلى الحوار بدلًا من الأحداث، واليوميات عوضًا عن العام. ولكنه انزياح غير كاف، لا يتعلق بجوهر العمل الروائي. وهذه مقدمة أيضًا للإجابة على أسئلة تخلف الرواية الفلسطينية عن الأماكن التي تتوصل إليها الرواية في العالم باستمرار.

اقرأ/ي أيضًا:

أنيس صايغ.. أرشيفٌ لفلسطين

غسان كنفاني.. الإقامة في زمن الاشتباك