14-سبتمبر-2016

بشار الأسد بعد صلاة العيد فى أحد مساجد مدينة داريا

"ولِم يا ربي لا تلهمنا ومضة عن معنى هذه الرحلة الشاقة المخضبة بالدماء؟ ولم لا ينطبق هذا البحر الذي شهد الصراع منذ الأبدية؟! ولِم تأكل هذه الأرض أبناءها عند المساء؟ وكيف يكون للحجر دور في المسرحية، وللحشرة دور، وللمحكوم عليه في السجن دور، وأنا لا دور لي؟" نجيب محفوظ – السمان والخريف

الذين ذهبوا لذبح الحسين صلوا صلاة العصر وقالوا في التشهد الأخير "اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد"، ثم أرسلوا لاحقًا يسألون أهل العلم هل يُفسد دم البرغوث الوضوء؟ يبدو معنى الدم في هذا السياق عبثيًا والدم هنا لا يحمل معنى صاحبه فقط بل معنى المكان والزمان والتاريخ وتراتبية الأحداث والمعنى وراء المعنى والجنون والعقل مختلطان في العقل الواحد متجابهان كفارسين أنهكهما العجز وقتلهما الكبرياء.

آخر ما تبقى لنا من حنين بائد، نسكبه في قعر كؤوس نشربها وندعي السلوى، ونحن نرقب النزف ونسب السباب العاجز ونتساءل عن أي شام سنحكي لأولادنا

ثلاثة في هذا العيد أضعهم أمام بعضهم دون قصد في اختلاط البكائيات والكربلائيات، مشهد بشار وزمرته وهو يصلي العيد في داريا بعد ترحيل المقاومين منها وما تبقى فيها من أهلها. طاغية يصلي على جثة وطنه، يعمل فيها فحولته حتى وهي تحتضر، أو كرامٍ يُمثل بجثة كما اغتنمه، الشرعية ترتدي جماجم الشهداء وتتزين بجلود الأطفال الناعمة التى تغطي جسد الغول الساكن في غابتنا.

اقرأ/ي أيضًا: كيف مولت "الأمم المتحدة" بشار الأسد

وتتعلق بعيون مدننا - التي يفتحها الطغاة - آخر ما تبقى لنا من حنين بائد، نسكبه في قعر كؤؤس نشربها وندعي السلوى، ونحن نرقب النزف ونسب السباب العاجز ونتساءل عن أي شام سنحكي لأولادنا وقد انفرد كل لئيم منها بطرف.

داريا التي كانت تملؤها الاحتجاجات السلمية، لم ترق لساكن القصر الذي يسكن على بعد سبعة كيلومترات منها، وعصابته الآن تنهش ما تبقى من المدينة، ما لم يستطع أهلها حمله، فدخلها بعدما أخلى ربع مليون نسمة منها وجلس على تلها الخَرِب يصلي هكذا كما صلى قتلة الحسين قبل أن يذبحوه وأهله وهم يناجون في تشهدهم الأخير روح جده النبي.

المشهد الثاني مشهد افتراش الغزاويين الأرض والنوم عليها متناثرين كأوراق الخريف بعثرهم الانتظار ومذلة المعابر وجار السوء وغطرسة القريب، مهانات متتالية في أبسط الحقوق، ولا يزال هناك في القاهرة من يقول إن بينهم الخونة، وكل أحاديث إعلام مبارك المدجن التي تلوكها بعض الألسنة في مصر دون وعي ولا بينة، رغم أن التاريخ قد أثبت بالتجربة العملية أن الخونة على الجانب الآخر يبيعون الأرض، ويطمسون حقها التاريخي في الخرائط والكتب والمجلدات العتيقة.

المشهد الثالث كان صلاة عيد أهالي المعتقلين في سجن طرة أمام السجن. السجن في مصر ليس قضية بطولة أو شجاعة، أو نبل، السجن في مصر سحق للروح، محو للعقل، واستبداد بالجسد، ونفي من الحياة من أخبارها وأحبابها، وشوارعها وسبابها ومعاركها وروتينها وأملها ويأسها والسبل فيها.

أحد عشر سجنًا بنتهم الداخلية المصرية في ثلاث سنوات وصل عدد قاطنيها إلى أكثر من أربعين ألف سجين، هكذا بلا منطق، التواجد في السجن لم يعد إلا تجسيد للعبث، لا منطق سوى العبث والبلطجة السياسية.

إذا مررت بأي طريق في مصر ووجدت سيارة الترحيلات فتسمع صوت المعتقلين في الصندوق الحديدي الكبير يهتفون ضد الظلم؛ فيهتز قلبك اضطرابًا وشجنًا.

اقرأ/ي أيضًا:
تعالوا أحدثّكم عن القِوادة
علي حبيب.. بطل الحل الانتقالي في"سوريا الأسد"