21-مايو-2024
لاجئة سورية صغيرة في لبنان

(Getty) أطفال سوريون في مخيم للاجئين السوريين في لبنان

في عام 2011، تبلور لدى جيلنا فهمٌ جديد ومختلف لسوريا ومعنى الانتماء لها. لأول مرة، منذ وعينا، تُفصل البلاد عن شخص الأسد وعائلته، وتعود حيزًا جغرافيًا وسياسيًا ننتمي إليه دون وسيط لا يلعب دور الوساطة بيننا وبين الانتماء إليه فقط، بل يفرض علينا طريقته في فهم البلاد والانتماء لها بل والتعبير عن هذا الانتماء أيضًا.

أزال هذا الفهم الجديد للبلاد الإضافات التي كانت تتبعُ اسمها، سوريا الأسد، لغايات تأكيد الملكية والإشارة إليها أو التذكير بها. وأعاد أيضًا تشكيل هويتنا وفهمنا لذاتنا والمكان الذي ننتمي إليه، إذ ثمة فرق هائل بين الانتماء إلى سوريا، وسوريا الأسد.

وعلى مدار أكثر من عقد، أصبحت هويتنا كسوريين أشد وضوحًا رغم ما مرّت به سوريا وما مر به السوريون، خاصةً في بعض بلدان اللجوء، حيث أصبحت الهوية نفسها تهمة وأداة وصم. ولكن، في المقابل، وفي هذه البلدان تحديدًا، كان هناك جيل ينشأ دون أن يعرف عن سوريا ما يكفي ليشعر حقًا بأنها وطنه وأساس هويته.

أعادت العنصرية والكراهية ضد السوريين صياغة فهم الجيل الذي نشأ بعيدًا عن سوريا لهويته وذاته

لا يعرف أبناء هذا الجيل عن سوريا التي غادروها أطفالًا أكثر مما عرفوه من عوائلهم. وليست سوريا بالنسبة لهم سوى مكان بعيد تعيش العائلة على أمل العودة إليه. إنها، كما هي حاضرة في مخيلتهم، جزء من ماضي العائلة والمكان الذي يتحدث عنه أقاربها ويتابعون أخباره، أحيانًا، عبر التلفاز. وهي لذلك حاضرة في حياتهم بمقدار حضورها في أحاديث العائلة وحياتها اليومية.

لذا، لا تزال سوريا بالنسبة لهم أبعد ما تكون عن هوية وانتماء، بصرف النظر عن فهمهم وإدراكهم لمعنى هي المصطلحات. ولكن الأمر بدأ يتغيّر، في لبنان خاصةً، مع تصاعد الحملات العنصرية وازدياد التجييش والتحريض ضد السوريين بهدف ترحيلهم إلى حيث لا تزال المسالخ البشرية قائمة.

فأمام هذه الواقع، وتحت تأثير إدراكهم بأنهم ليسوا جزءًا من هذا المكان الذي يرفض حتى وجودهم المؤقت (ويعبّر البعض عن الرفض بإهانة السوريين وإذلالهم)، لم تعد سوريا في نظرهم مكانًا بعيدًا متخيلًا، وإنما جزء منهم طالما أنها المكان الذي أصبحوا يسمّون باسمه، بطريقة تفيض بالاحتقار والكراهية، في ظل هذه الحملات.

هكذا، راح كثيرون من أبناء هذا الجيل ينشرون في "تيك توك" أغاني سوريةً تؤكد هويتهم السورية وتشدّد على فخرهم بها. وهذه ليست طريقة في التعبير فقط، وإنما في مواجهة حملات الكراهية والتشهير التي تحط من شأن هويتهم وتريد منها أن تكون مجرد تهمة لا تثير لدى من يحملها سوى النفور.

الأحرى أنها جعلت منها أداة للوصم. ولكنها، على العكس من المأمول، ربما، لم تثر لدى هذا الجيل مشاعر الخوف والخزي والعار، وإنما ضرورة الانتماء إلى مكان وهوية أصبحا، بعد الحملة، واضحين ومفهومين لدى الكثير منهم، أولئك الذين شعروا لأول مرة منذ 13 عامًا بأنهم سوريون.

وإذا كانت الثورة وإجرام النظام قد أعادا صياغة فهمنا لهويتنا وذاتنا والمكان الذي ننتمي إليه، فإن حملات العنصرية والكراهية قد فعلت الأمر نفسه بالنسبة إليهم.