16-مارس-2023
revolution

حشود كبيرة من السوريين توافدت إلى أماكن إحياء الذكرى الثانية عشرة للثورة السورية. (محمود أبو راس، ألترا صوت)

شهدت اليوم عدّة مناطق في شمال-غرب سوريا مظاهرات شعبية في الذكرى الثانية عشرة لانطلاق الثورة السورية، للتأكيد على استمرارية الثورة ضد نظام الحكم في دمشق، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين والمغيبين قسرًا، وعودة النازحين لمدنهم وبلداتهم.

حشود ضخمة رغم المأساة

شهدت نقاط التظاهر في العديد من مدن شمال-غرب سوريا تواجد العديد من المدنيين لهذه المظاهرة، والتي كان أكبرها في مدينة إدلب، حيث ضمت المظاهرة آلاف المدنيين الذين هتفوا للحرّية وإسقاط النظام على الرغم من المأساة التي عاشتها المنطقة بعد الزلزال الأخير الذي ضرب المنطقة في السادس من شباط/ فبراير الماضي، والذي أدى لوفاة وإصابة ألاف المدنيين.

Syria
آلاف المدنيين طالبوا بإسقاط النظام والعودة إلى مدنهم التي هجروا منها. (محمود أبو راس، ألترا صوت)

يحمل أبو علي (60 عامًا) حفيده على كتفه ويضع علم الثورة على كتف الطفل، ويهتف بصوتٍ عالٍ للحرية والكرامة، فلم يمنعه كبر سنه من مشاركته في مظاهرة اليوم، يقول: "هذا اليوم هو بمثابة عيد بالنسبة لنا، وعدم القدوم والهتاف يعني الحرمان من فرحة العيد، لذلك سنأتي في كل عام لهذه الساحات لنقول لا لحكم الدكتاتور، لا للإجرام والقتل والتشريد، ونعم للحرية والعدالة".

على مقربةٍ من أبي علي تقف سلمى الحسين (24 عامًا)، إحدى الناجيات من الزلزال، تصفق وتغني الأهازيج الثورية المعتادة لدى السوريين، فرغم فقدها لأقاربها بالزلزال إلا أنها تقول: "أنا نازحة من بلدتي في جنوبي إدلب منذ أربع سنوات، لمدينة الأتارب في ريف حلب الغربي، فقدت اثنين من إخوتي نتيجة الزلزال الذي ضرب المنطقة، لكن السبب الأول في ما حدث هو النظام السوري الذي أجبرنا عن النزوح من موطننا الأصلي، لذلك أنا هنا أطالب بإسقاط هذا النظام والعودة لبلدتي".

رغم المآسي التي شهدتها المناطق في شمال-غرب سوريا والتي كان آخرها الزلزال المدمر الذي راح ضحيته الآلاف، توافد السريون للتأكيد إيمانهم بالثورة.

في الوقت الذي يحمل أمجد علوش (36 عامًا)، لافتةً كتب عليها عبارة "نفنى ولا يحكمنا الأسد" متمسكًا بها بشدّة، ومرددًا بأعلى صوته وراء المنشد الذي يُسيّر المظاهرة وكله حماس. يقول أمجد: "أنا معتقل سابق لدى أجهزة المخابرات السورية، وذقت الويلات داخل السجن، وأعرف معنى الإجرام الذي تطبقه هذه الأجهزة المجرمة على المدنيين الأبرياء، لذلك أتيت هنا لأعبر عن رفضي لحكم هذا النظام، وأقول إنني أفضل الموت على العيش تحت كنف حكمه".

عزيمة لم يثنها طول الزمان

بعد السنوات الطويلة التي مرّت على انطلاق الثورة في سوريا، ورغم كلّ المأسي والأوجاع التي عاشها السوريون خلال السنوات الماضية، من قصف وقتل ونزوح، لم يثنهم أي من ذلك عن التمسك بمطالبهم.

فقد شهدت الطرقات الواصلة ما بين المناطق الحدودية مع تركيا شمال إدلب، حيث يتواجد العدد الأكبر من مخيمات النازحين، اكتظاظًا مروريًا نتج عن توجه النازحين المثقلين بالكثير من الأوجاع إلى مدينة إدلب، مركز المحافظة، للمشاركة في المظاهرة المركزية.

سوريا
النازحون طالبوا بإسقاط النظام والسماح لهم بالعودة إلى مدنهم التي هجروا منها. (محمود أبو راس، ألترا صوت)
سوريا
آلاف السوريين تجمعوا في مركز محافظة إدلب لإحياء ذكرة انطلاق الثورة. (محمود أبو راس، ألترا صوت)

تمكن خالد أبو محمد (43 سنة) من الوصول إلى المظاهرة في مدينة إدلب بعد مشوار طويل ومتعب، إذ إنه لا يمتلك وسيلة نقل خاصة به. يقول خالد: "جئت هنا متنقلًا من سيارة لأخرى حتى استطعت الوصول. ولو أمضيت اليوم كلّه كنت سأتابع حتى أصل، لأن الحضور يعني الاستمرار في المطالبة بحقي بالعودة لمنزلي الذي نزحت منه في ريف إدلب الشرقي، ولا أستطيع العودة إليه بوجود قوات النظام السوري. يجب أنّ يسمع العالم صوتنا بعد كلّ هذه السنوات من العذاب، لا نريد مساعدات تبقينا في المخيمات، نريد التخلص من هذا النظام والعودة لبيوتنا وحقولنا".

الشبكة السورية لحقوق الإنسان: وثقنا مقتل أكثر من 230 ألف سوري، أكثر من 15 ألف منهم قتلوا تحت التعذيب، بالإضافة إلى إخفاء أكثر من 154 ألف شخص منذ بدء قمع النظام السوري للثورة بعيد انطلاقها عام 2011.

في حين يقف أحمد العمر (26سنة) مستندًا على عكازه بعد فقده لإحدى أطرافه السفلية. ينظر نحو علم الثورة الذي رُفع من جديد على السارية الموجودة في "ساحة السبع بحرات" بمدينة إدلب، مرددًا وراء صوت المذياع "هل أراك سالمًا منعمًا وغانمًا مكرمًا". يقول وهو يغالب دموعه: "نحن هنا لأننا نثق بأننا سنحصل على حريتنا، وسنعيش في وطنٍ خالٍ من الإجرام والقتل. فقدت ساقي جراء قصف سابقٍ على منزلي من الطائرات الحربية الروسية، ولا أريد أن أفقد الأخرى بسبب بقاء هذا المجرم في الحكم".

جرائم النظام مستمرة

أصدرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" اليوم إحصائية لعدد القتلى والمعتقلين والمشردين في سوريا منذ انطلاق الثورة في عام 2011، إذ قالت الشبكة إنها وثقت مقتل 230224 مدنيًا بينهم 15272 بسبب التعذيب أو الاعتقال التعسفي، بالإضافة إلى  154817 شخصًا تم إخفائهم قسرًا، كما تشرد قرابة 14 مليون سوري، ولفتت الشبكة النظر إلى أن الانتقال السياسي الديمقراطي هو المطلب الأساسي للحراك الشعبي منذ 12 عامًا.

سوريا
منظمات حقوقية طالبت بمحاسبة نظام الأسد عن جرائمه. (محمود أبو راس، ألترا صوت)

وقال فضل عبد الغني مدير الشبكة في تصريح نشر عبر موقعها الرسمي: "تعد الذكرى السنوية الثانية عشرة للحراك الشعبي ضد النظام السوري تذكيرًا صارخًا بالمعاناة المستمرة للشعب السوري، وبطول أمد هذا النزاع وعجز المجتمع الدولي ومجلس الأمن عن إيجاد حل له، أو عدم رغبته في ذلك. لقد تُرك الشعب السوري وحيدًا في مواجهة أحد أقسى الأنظمة الاستبدادية على وجه الكرة الأرضية، وكذلك مواجهة انتهاكات أطراف النزاع الأخرى، ولم يتقدم مسار الانتقال السياسي خطوة واحدة منذ سنوات طويلة".

سوريا
سوريون من كافة الأعمار شاركوا في إحياء ذكرى الثورة. (محمود أبو راس، ألترا صوت).

كما أكد عبد الغني على ضرورة إيجاد حل للكارثة السورية بما يشمل بشكل أساسي محاسبة النظام السوري الذي يعد المتسبب الرئيس فيما وصلت إليه سوريا والسوريين من معاناة وتشريد لأكثر من نصف الشعب السوري.

وكانت سوريا قد شهدت أول حراك سلمي بعد عقود من حكم "آل الأسد" في 15 آذار/مارس 2011، إذ انطلقت مظاهرات عارمة من سوقي الحميدية والحريقة في العاصمة دمشق مطالبة بإسقاط النظام ورافعة شعارات الحرية.