06-يوليو-2023
كخه

يغير الذكاء الاصطناعي اللعبة في صناعة الفن وإنتاج المحتوى، ولكن أي ثمن سيدفعه الإبداع البشري جراء ذلك؟ دعونا نتعمق في عواقب صعود الذكاء الاصطناعي في عالم الموسيقى وكتابة السيناريو ومنصات البث الشهيرة، إذ شكّل ظهور الموسيقى التي يتم توليدها بواسطة الذكاء الاصطناعي تحديًا كبيرًا لمنصات بث الموسيقى، كما باتت تقنيات الذكاء الاصطناعي توفر وسائل مبتكرة لإنتاج الموسيقى، وسهلت عن غير قصد تدفق موجة من المحتوى المزيف وغير المرخص، مما يطرح معضلات قانونية وأخلاقية ومالية.

منصة Boomy AI نموذجًا

بنقرات قليلة فقط تتيح منصة Boomy AI  لتوليد الموسيقى، إنشاء أغانٍ في غضون ثوانٍ قليلة وإرسالها إلى منصات البث لجني الأرباح بمجرد استماع الأشخاص لها.

ويمكن لتقنيات إنشاء الموسيقى بالذكاء الاصطناعي أن تلتف حول الألحان والكلمات الخاصة بالأغاني المحمية بحقوق الطبع والنشر، وتنشئ أعمالًا مشتقة منها دون إذن صريح من أصحاب حقوق النشر الأصليين.

الاستخدام غير المصرح به لهذه المواد أثار تحفظات ومخاوف لدى العديد من المجموعات الموسيقية والفنانين والعاملين في مجال الموسيقى حول العالم، وهو ما دفعهم للضغط على منصات مثل سبوتيفاي Spotify لمنع مثل هذه الممارسات. إذ باتت هذه المنصات تعتمد على توزيع حقوق الملكية بحسب عدد مرات بث الأغنية، ما فاقم المشكلة لأن هذا النموذج في العمل حفز انتشار الخدمات الاحتيالية التي تعِد بزيادة ظهور المقاطع الموسيقية وإنجاحها من خلال بيع الزيارات عبر الإنترنت، كما توفرت بذلك بيئة خصبة للتلاعب من خلال الزيارات الوهمية، إذ يمكن للروبوتات تشغيل الأغاني المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي مرارًا، ومن ثم إخفاء حجم الزيارات وحقوق الملكية.

ويمكن لتقنيات إنشاء الموسيقى بالذكاء الاصطناعي أن تلتف حول الألحان والكلمات الخاصة بالأغاني المحمية بحقوق الطبع والنشر، وتنشئ أعمالًا مشتقة منها دون إذن صريح من أصحاب حقوق النشر الأصليين.

وفي هذا السياق أشارت دراسة فرنسية إلى أن ما بين 1 إلى 3 في المائة من جميع الموسيقى التي يتم تشغيلها على منصات البث الشهيرة، تُطلب من قبل روبوتات، وهو ما يعني مليارات الزيارات الوهمية. 

هكذا إذًا، فإن المشكلة تتجاوز الآثار المالية الناتجة عن مثل هذه الظاهرة، إذ أصبح الفنان يتنافس مع الموسيقى المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي والمستمعين المزيفين على حد سواء. وهذا الواقع بات يؤثر على جوهر الإبداع الفني ويتحدى قيمة الموسيقى التي يبدعها الإنسان، ومثل هذه الممارسات التي لا رادع لها، يمكن أن تقلل من دافعية الفنانين وحماسهم لابتكار موسيقى جديدة، ومن ثم فهي تهدد حيوية النظام الموسيقي وتنوعه.

لكن من باب الاستجابة للضغوط المتزايدة، بدأت سبوتيفاي باتخاذ إجراءات مضادة، مثل حذف أعداد هائلة من الأغاني المنتجة من قبل بعض الشركات المتخصصة بإنتاج الموسيقى بواسطة الذكاء الاصطناعي مثل شركة بومي Boomy، ولكنها رغم ذلك لا تزال تواجه التحدي المتمثل بمراقبة برنامجها بشكل فعال. 

وفي حين بات من الضروري الاعتراف بإمكانيات الذكاء الاصطناعي في توليد الموسيقى والمجالات الإبداعية الأخرى، فإنه من الضروري أيضًا وضع تدابير قوية لمنع إساءة استخدام التكنولوجيا والحفاظ على حقوق الفنانين والحفاظ على كل ما يضمن إنتاج موسيقى نوعية.

تسونامي الذكاء الاصطناعي يصل هوليوود 

لا تقف الموسيقى وحدها بمواجهة الذكاء الاصطناعي، إذ إن كتابة السيناريو بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي شكلت تحولًا مزلزلًا في عالم هوليوود، أو إن هذا على الأقل ما حاول كتاب هوليوود تسليط الضوء عليه من خلال إضرابهم واعتراضاتهم المستمرة بسبب ما يعتبرونه تحولًا في صناعة السينما مع استعداد أدوات الذكاء الاصطناعي مثل تشات جي بي تي ChatGPT للمشاركة في عملية كتابة السيناريو.

;lkjh

 يشعر كتاب السيناريو بالقلق من أن استوديوهات الإنتاج الفني قد تستغني عن الإبداع البشري وتحرم الكتاب من وظائفهم في هذا المجال. أما الخوف الأكبر فهو يتمثل في أن يؤدي ظهور منصات البث هذه إلى تعطيل نماذج الصناعة التقليدية ويساهم في كثير من الأحيان في إبعاد الكتاب عن أدوارهم الإبداعية إلى أدوار غير مستقرة قائمة على الوظائف بهدف كسب العيش وحسب.

لعل البعض يرى في هذه المخاوف قدرًأ من المبالغة نظرًا إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يحتمل استخدامها لكتابة السيناريو تنتج نماذج عامة وأولية، فمثلًا يمكن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل تشات جي بي تي لصياغة نصوص تستند إلى الكتب الموجودة أو الأعمال المنشورة والتي تدربت عليها بطبيعة الحال خوارزميات الأداة، ومن ثم فإن الأداة لن تنتج إلا مسودة أولية يجب على الكتاب من البشر تنقيحها. 

من ناحية أخرى، يثير الدور المحتمل للذكاء الاصطناعي في كتابة السيناريو أيضًا أسئلة مهمة حول طبيعة العمل الإبداعي والتأليف، فقد تغلغل الذكاء الاصطناعي بالفعل في العديد من جوانب إنتاج الأفلام، بدءًا من معالجة التقدم في السن لدى الممثلين وفرض الرقابة على الحوار في مرحلة ما بعد الإنتاج وحتى تنسيق توصيات المشاهدين على منصات البث. ومع ذلك، فإنه مع اقتراب الذكاء الاصطناعي من القلب الإبداعي لصناعة الأفلام، أي عملية الكتابة، فإنه يواجه مقاومة شرسة.

إن كتاب السيناريو، المعتادون على مواجهة الاستبدال والمنافسة، ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي على أنه منافس جديد ومزعج. ولكنهم يجادلون أنه رغم براعته في العمليات الرياضية، فإن الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى الحس الإنساني اللازم لنسج روايات مقنعة وخلق شخصيات تلقى قبولًا عاطفيًا.

 كما تتجاوز شكوك كتاب السيناريو حدود مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على الإبداع. ولعله من المفهوم أنهم يخشون أن يكون استخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة السيناريو مؤشرًا على ظهور توجه يقلل من قيمة حرفتهم وابتكاراتهم الشخصية.

كتاب السيناريو يجادلون أنه رغم براعته في العمليات الرياضية، فإن الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى الحس الإنساني اللازم لنسج روايات مقنعة وخلق شخصيات تلقى قبولًا عاطفيًا.

وحيث إننا نناقش تقاطع التكنولوجيا مع الإبداع وما ينتج عن ذلك من تضارب وتجاذب، فمن الضروري التعرف على الآثار العميقة لهذا التقاطع. إذ إن منصات البث، المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تغير المشهد الفني بلا شك، فلقد أعادت تشكيل كيفية استهلاكنا للموسيقى والأفلام وأثرت عن غير قصد على العملية الإبداعية.

ومع ذلك، ففي خضم العجائب والمعجزات التكنولوجية التي يجلبها الذكاء الاصطناعي، يجب أن نتذكر أن الإبداع البشري هو الذي يعطي الحياة لونًا وطعمًا ورائحة، وأن اللمسة الإنسانية تعطي عمقًا للشخصية المبتكرة، وروحًا للحن، وصدى للقصة. لذلك، وخلافًا للرأي السائد عن مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة البشر ولغتهم، فإنه مهما تقدم سيظل مفتقرًا للفهم الدقيق للتجارب البشرية التي هي جوهر الفن المؤثر حقًا.

إن فكرة استبدال الذكاء الاصطناعي بالإبداع البشري لفكرة بعيدة المنال، وربما تكون مقدمة تليق بقصة خيال علمي. وحتى مع استمرارنا في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، يجب علينا التأكد دائمًا من أنه يكمل الخيال البشري ويحفزه، لا أنه يحل محله أو يثبطه.

أخيرًا، فإن ما يجب الحديث عنه ليس المعركة بين الذكاء الاصطناعي من جهة والإبداع البشري من جهة أخرى، بل كيف يمكن تظافر الاثنين لخدمة البشرية. ما يجب أن يحدث هو أن نسعى لمستقبل يُمكِّن فيه الذكاء الاصطناعي الفنانينَ والكتاب، ويزودهم بأدوات وفرص جديدة دون تآكل أسس أعمالهم، وعندها فقط ستُكشف لنا جوانب جديدة للإبداع البشري.