05-أغسطس-2015

في عشوائيات نواكشوط (Getty)

وسط كوخ متواضع في حي "الكبة"، أقدم الأحياء العشوائية بالعاصمة نواكشوط، يجلس محمد علي بين أفراد أسرته، ينتظرون غائبًا منذ 15 عامًا، ما زالت وعود وصوله قائمة. كل شيء تغيرت معالمه باستثناء ملامح الهيكلة العمرانية للحي، رغم صبر قاطنيه على السنوات العجاف، وهم يترقبون "طلائع" وفود وزارة الإسكان والعمران. منذ 15 عامًا وهم ينتظرون الدولة لتزيل "العشوائيات"، وتحقق حلم آلاف السكان.

الخدمات الأساسية غائبة تمامًا عن عشوائيات نواكشوط

مسؤولية الدولة

يرى محمد علي أن غياب أجندة واضحة لدى السلطات الموريتانية، لمواجهة تمدد العشوائيات في العاصمة نواكشوط، شكل أبرز عائق تنموي. مع مرور الوقت، زاد الإهمال من معاناة سكان الأحياء الشعبية، مشيرًا إلى أن الجهات الرسمية تساعد بشكل أو بآخر على انتشار الظاهرة. خلال لقائنا معه، تحدث عن أمور كثيرة، أبرزها غياب الرعاية من طرف وزارة الإسكان، الجهة المسؤولة عن القضاء على العشوائيات، ما يفاقم مصاعب الفقر، نتيجة غياب الحاجات الأساسية عن السكان. ويجزم أن غالبية عمال قطاع الإسكان أصبحوا يتاجرون بالقطع الأرضية، وهو ما فاقم ظاهرة تمدد العشوائيات، وعقّد حلها، حتى أصبحت تشكل أكبر المشاكل التي تواجه كافة الحكومات والأنظمة المتعاقبة على الحكم في موريتانيا.

أزمات متعددة

وسط أحياء "دبي"، ليست دبي الإماراتية، و"الفلوجة" في مقاطعة "توجنين" في العاصمة نواكشوط ينتظر محمد وآمنة حلولًا سحرية. ينتظرون الجهات الرسمية لكي تمد أنابيب مياه الشرب، وتزرع الأعمدة الكهربائية، وتوفر متاجر جديدة في الأحياء الشعبية تحوي المواد الغذائية والملابس بأسعار في متناول الفقراء. محمد ولد السالك هو أحد سكان حي الفلوجة، يشكو من انعدام الأمن، ثم يردف "ونقص مياه الشرب". يتذكر شيئًا آخر "اعتماد السكان على كهرباء عبر أسلاك ممتدة ومتناثرة داخل العشوائيات". هكذا تكون الحياة في العشوائيات الأسلاك الكهربائية تمثل آلة موت فتاكة نظرًا لخطورتها على الأطفال، وخاصة في فترات تساقط الأمطار على العاصمة. أسعار السلع الغذائية والرئيسية باهظة، رغم أن معظم السكان من الفقراء.

الجذور التاريخية

شكلت موجات الجفاف التي ضرب موريتانيا في نهاية سبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن المنصرم، أحد أهم الأسباب التي دفعت العديد من الأسر إلى الهجرة نحو العاصمة نواكشوط، بحثاً عن فرص عمل أو مساعدات حكومية، وهو ما زاد من توسع العشوائيات وتفاقم كافة أشكال المعاناة داخلها. للقصة جذور، وفي هذا الإطار يقول أحمد ولد عبد الله، إن "فوضى العمران بالعاصمة نواكشوط اتسعت على نحوٍ مضطرد خلال العقود الماضية بسبب هجرة سكان من المناطق الداخلية، وانتشار الفقر والبطالة بين معظم أفراد المجتمع، مما ساعد على انتشار الأحياء الشعبية والعشوائيات وسبب فوضى معمارية أصبحت تستعصي على الحل". ولا يفوته التذكير بأن غياب الجهات الرسمية عن وضع حلول جذرية لتحجيم الظاهرة ساهم في نمو الأحياء العشوائية المعروفة محليًّا بـ "الكزرة"، وجعلها تعم أطراف العاصمة نواكشوط، كما توجد أيضًا في وسط المدينة وفي معظم جهاتها، وهو ما أعطى للعاصمة وجهًا مشوهًا وغير لائق. وجه تصعب إزالته على المدى القصير والمتوسط.

انتشار الأحياء الشعبية في نواكشوط وحولها سبب فوضى معمارية أصبحت عصية على الحل

وعود بلا جدوى

قبل ثلاث سنوات تعهدت الحكومة الموريتانية بإنهاء العشوائيات خلال ستة أشهر، لكن تلك الوعود تبين لاحقًا أنها كانت مقدمة لإطلاق حملة انتخابية. سرعان ما تم نسيان ما ورد خلالها من تعهدات، حيث يستغرب سكان الأحياء الشعبية تجاهل الحكومة لملف "الكزرة"، وسط ارتفاع الأصوات الشعبية المنادية بضرورة الإسراع في حل الملف، وإنهاء معاناة آلاف المواطنين الذين يعانون من نقص المياه، وانعدام الكهرباء، والبقاء في أكواخ غير صالحة للسكن نهائيًّا. ويقول مصدر داخل وكالة التنمية الحضرية التابعة لوزارة الإسكان بأن الكثير من العوائق تحول دون إنهاء أزمة العشوائيات، معتبرًا أن "بعض الموظفين لا يرغبون في حلها نظرًا لاستفادتهم من المتاجرة بالقطع الأرضية، وصعوبة مواجهة الملف الذي يخضع لضغوط من جهات عليا ليس في مصلحتها إنهاء الملف المتعقد". وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن هناك تلاعبًا واسعًا بملف العمران في العاصمة، ما جعل الجهود تذهب مهب الرياح، بحيث يصعب وضع حد لشبكات الجريمة الفاعلة، أو وضع حد لتضاعف ثروة بعض رجال الأعمال والإداريين وبعض الموظفين الكبار بفعل استغلال النفوذ، من دون أن تعرف الأسر المنكوبة في العشوائيات طريقها إلى الاستقرار.