14-سبتمبر-2017

مسجد دمره انتحاريون في أفغانستان (Getty)

لم يكتفِ تنظيم داعش بالترويج الإعلامي التقليدي لدولته التي باتت تقتصر اليوم على أجزاء من محافظة دير الزور. فقد لجأ إلى بعض من غرائب الدعاية البعيدة كل البعد عن التعبير الديني المباشر والمتطرف. هذه الغرائب شملت الاكتئاب والأزمة المالية والرياضة والرعاية الطبية والإغراء بالثراء عبر النفط.

بداية احتلال تنظيم داعش مدينة الموصل أصدر التنظيم مقطع فيديو ظهر فيه ثلاثة مقاتلين يتحدثون بلكنة بريطانية بعنوان "لا حياة بدون جهاد"

مع بداية احتلال تنظيم داعش مدينة الموصل أصدر التنظيم مقطع فيديو ظهر فيه ثلاثة مقاتلين يتحدثون بلكنة بريطانية بعنوان "لا حياة بدون جهاد". وجّه مقاتل يدعى "أبو البراء الهندي" نداءً لعلاج المصابين بالاكتئاب: "إلى كل إخوتي في الغرب. أعلم كيف تعيش وفقًا لتجربتي في العيش هناك. في العمق تشعرون بالاكتئاب. وعلاج الاكتئاب هو الجهاد. أيها الإخوة، تعالوا إلى الجهاد ونالوا السعادة التي ننعم بها".

اقرأ/ي أيضًا: الدليل المختصر لفهم إستراتيجية داعش الإعلامية

العاطلين والكسالى 

ركّز التنظيم بشكل كبير على اللعب بمشاعر العاطلين عن العمل، النساء والرجال. ففي العديد من الإصدارات يتم توجيه النداء بغرض التجنيد عبر اللعب على وتر "عدم الحاجة للعمل". المقصود العمل الوظيفي المأجور. كذلك توجهت دعاية مكثفة للنساء غير الراغبات في العمل في الدول الحديثة. ويتم التركيز في إصدارات التنظيم أن المرأة عليها القيام بالأعباء التقليدية المعروفة، وهي العناية بالمنزل والأسرة، وخصص كتيبة نسائية صغيرة للنساء الباحثات عن حب المغامرة. مطلقو هذه النداءات كانوا يدركون تمامًا أنها تصل لشريحة من المستهدفين هي فئة "الكسالى"، إضافة إلى اليائسين من إيجاد وظيفة، والناقمين على النظام الاقتصادي في بلدانهم.

في تونس على سبيل المثال، فإن 90% من الملتحقين بداعش ينحدرون من البلدات المهمشة اقتصاديًا بحسب دراسة بدرة كالول، مديرة "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية" في تونس.

وفي تحليل أجراه موقع "فوكاتيف" الإخباري الأمريكي، يعرض أحد تلك الفيديوهات التي تصور القوة الناعمة لداعش والرسالة التي يبثها التنظيم: "تعال حيث المتعة والغذاء والخدمات.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، نشر من أطلقت عليهم صحف الغرب اسم "جهاديو المستقبل" – أي الراغبون في الانضمام إلى تنظيم داعش من شباب أوروبا وأمريكا – أسئلة عبر موقع Ask.fm، علي مسؤولي تنظيم داعش في العراق وسوريا للتعرف علي وسائل الترفيه الموجودة هناك مثل خدمة "واي فاي" أو الرعاية الطبية لتقويم الأسنان وخلافه، وكان يرد عليهم قادة من داعش يشجعونهم ويقولون لهم إن "أبو فراس" سيوفر لهم كل شيء". "لا تقلق سنوفر لك كل ما تحتاج".

في المقابل، قام التنظيم في أفغانستان بإغراء الأفغان للانضمام إليه عبر رواتب بلغت 500 دولار شهريًا وهو مبلغ يعادل أضعاف ما يتقاضاه الجندي في الجيش الأفغاني. وتمكن من استقبال مئات المقاتلين في ولايتي فرياب وجاوزجان.

لجأ التنظيم كذلك إلى إطلاق ما عرف بـ"الفتاوى النفطية" خلال فترة سيطرته على مدينة بنغازي وأجزاء من منطقة الهلال النفطي الليبي. هذه الفتاوى تعد المقاتلين بالثراء وتشيع إمكانية تصدير النفط الليبي عبر وسطاء في البحر المتوسط.

الأزمة الاقتصادية

ولم يفوّت داعش فرصة "الأزمات الاقتصادية" في العالم للعب على وتر "الاستقرار الاقتصادي" في دولته. ففي إصدار بعنوان "شروق الخلافة وعودة الدينار الذهبي" في أغسطس 2015 يتحدث الوثائقي الصادر عن مركز "الحياة" التابعة للتنظيم بأسلوب استهزائي بما أسماه "النظام الاستعبادي الرأسمالي المبني على ورقة نقدية تسمى الدولار". ويعلن عن "دخول الخلافة بقوة إلى الدائرة المالية". وشرح الإصدار الداعشي بإسهاب أن عملة الدينار الذهبي حل مثالي للتضخم الاقتصادي وارتفاع الأسعار ووسيلة للحفاظ على المدخرات الشخصية عبر سرد مساوئ التبادل العالمي المعتمد على الدولار.

بعد أقل من 6 شهور، نشرت صور من مناطق سيطرة داعش لصرافي العملات، حيث تظهر أكوام من العملات الورقية العراقية والسورية والدولار الأميركي!

ومن الطب والاقتصاد والبطالة استخدم التنظيم "قطاع السياحة" كجزء من "الوجه الآخر" للطابع الدموي في المناطق التي يحتلها. وشهد افتتاح أول مول تجاري في الرقة رسالة تحاكي الحياة الحديثة، خصوصًا لسكان منطقة الخليج. وظهر في الفيديو شخص يتحدث عن أن "المول" يتوفر فيه كل الحاجيات، مثله مثل مول الإحساء (في المملكة العربية السعودية).

نشر داعش دليلًا سياحيًا يظهر استمتاع مقاتليه بأجواء العطلة الصيفية وتربية النحل في المزارع

ونشر التنظيم أيضًا دليلًا سياحيًا يظهر ما وصفه باستمتاع مقاتليه بأجواء العطلة الصيفية وتربية النحل في المزارع، سعيًا منه إلى استمالة الناس لزيارتها. ونشرت وكالة "أعماق" مجموعة من الصور "السياحية" يظهر في إحداها شخص ملتحٍ يسترخي على ظهره في مياه نهر دجلة. وفي صور أخرى يظهر أشخاص يقفزون من على جرفٍ عالٍ في مياه النهر. ونشر التنظيم أيضًا مقطع فيديو جديدًا يحمل عنوان "نزهة الرعية في الدولة الإسلامية" أظهر لقطات لأطفال يلهون في مدينة ألعاب ترفيهية.

اقرأ/ي أيضًا: تل معروف.. شهادة على كفر داعش

يجمع هذا النوع من الترويج بين الطرافة المثيرة للسخرية والاغتراب النفسي للتنظيم عن العالم. ومعظمها ترد في ثنايا رسائل يوجهها بغرض حشد المقاتلين للتجنيد في صفوفه. ومن مضامينها جذب فئة من هواة مظاهر البطولات التاريخية عبر الإكثار من مشاهد "فرسان يمتطون ظهور الخيل" حاملين سيوفًا لا تصلح للقتال بكل حال، لكنها قد تبدو مثيرة لبعض المهووسين والمغتربين عن العالم الحديث.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا لن تنتهي "داعش" بعد الموصل؟

هل سيحارب العالم داعش؟