30-سبتمبر-2015

تكلفة الخيمة ليست زهيدة (Getty)

تُعد الخيمة في موريتانيا تراثًا شعبيًا عريقًا وسكنًا ملائمًا قبل نشأة الدولة الحديثة. أيام كان المجتمع بدويًا يعتمد في حياته اليومية على الترحال طلبًا للانتجاع بعيدًا عن المدينة وضجيجها الصاخب. مثّلت الخيمة سكنًا ملائمًا لبساطتها وسهولة طيّها أوقات السفر الذي كان الموريتانيون يعشقونه في صحرائهم الشاسعة والمترامية الأطراف.

وظل الموريتانيون منذ القدم يعتمدون على "الخمية" كسكن لائق وملاذ وحيد للبدو الرحل من أبناء "شنقيط"، حيث شكلت منزلًا متنقلًا. تغرس في الأرض كل ما كان المكان ملائمًا لذلك؟ ولم يترك الموريتانيون قديمًا الخيمة في وحشة وحدها وإنما كان الشاي، والجماعة، وأزوان (آلات الطرب)، ثلاثي لا يفارقها إلا حينما يشرع في طيها من بلد لتوضع في آخر.

والخيمة في موريتانيا تراث أصيل ما زال يشهد إقبالًا كبيرًا، فلا تكاد ترى أحد المنازل الكبرى في العاصمة الموريتانية نواكشوط إلا وفوقه خيمة مضروبة. إما من الحجارة كزمر للتمسك بها وإما من القماش وهو العمل التقليدي والمعاصر، وهو ما يفضل الموريتانيون في المنازل الفاخرة في حي "تفرغ زينه" أحد أكبر الأحياء في نواكشوط، وأكثرها غنى.

تضرب بعض الأسر خيمًا فوق منازلها حفاظًا على التاريخ

وتقول سكينه بنت محمد ـ إحدى ساكنات حي "تفرغ زينه" أرقى الأحياء الشعبية بموريتانيا لمراسل "الترا صوت" إن أسرتها تضرب خيمة فوق سطح منزلها الراقي، مشيرةً إلى أن ذلك يعتبر تمسكًا من الأسرة بالتراث الموريتاني الأصيل". منظر الخيمة فوق سطح المنزل يمثل انتسابًا حقيقيًا للوطن، كما أنه يجلب الراحة والاطمئنان للبال.

لم تشكّل "الخيمة" في موريتانيا تراثًا عريقًا فحسب، بل إنها مكسب اقتصادي ووسيلة عيش لدى الكثير من فقراء البلد الذين وجدوا في صناعة الخيام وتطريزها وبيعها للمعجبين الكثر، مهنة مربحة تساعدهم في التغلب على مصاعب العيش وتفاقم البطالة في موريتانيا.

ويعتبر سوق بيع الخيام في العاصمة الموريتانية نواكشوط الواقع قرب "المسجد المغربي" مكانًا لتأمين حياة الكثير من النساء، اللواتي يعملن في مهنة صناعة الخيام وبيعها، حيث يشهد السوق طلبًا متزايدًا في فصل الخريف، وفي أجواء السياسة ومواعيد الانتخابات الرئاسية والبلدية والبرلمانية، التي يعتمد المشاركون فيها على الخيام كوسيلة لجلب الأصوات، ومكان لتوفير الطرب والاسترخاء للمواطنين.

هكذا، يحتضن سوق الخيام في نواكشوط أعدادًا كبيرة من النساء اللواتي جئن من ولايات مختلفة من موريتانيا، وهدف هؤلاء النسوة الوحيد هو صناعة الخيام وبيعها للمواطنين. ويعتمد العاملات في مجال بيع الخيام على ترويج بضاعتهم بادخال أنواع مختلفة من التطريز خلال صناعة الخيام ليحتل الثمن مكانه، كما أن لطول الخيمة وعرضها مكانة في النفس وفي الثمن. وهذه ليس المهنة الوحيدة التي تدل إلى نشاط المرأة الموريتانية ودورها في سوق العمل.

إقرأ/ي أيضًا: الموريتانيات.. الكرامة في بقايا الأرز

تقول فاطمة، إحدى العاملات في السوق، إن سعر الخيمة التي يصل طولها طولها إلى 20م يبلغ 100 ألف أوقية أي ما يعادل (400 دولارًا أمريكيًا) كما أن سعر خيام التطريز التي تعبت النساء كثيرًا في الإحاطة بها بأشكال الزخرفة وأنواعها يبلغ 300 ألف أوقية إلى 250 ألف أوقية حسب الإبداع في جمال التطريز. وهذه مبالغ ليست بالزهيدة في بلاد كموريتانيا الفقيرة.

وتضيف فاطمة أن السوق يحتضن الكثير من النساء العاطلات عن العمل في موريتانيا واللواتي يعلن على أبناء وبنات، وفي الغالب الأعم تكون النسوة العاملات بالسوق هن مطلقات أو زوجات توفي أزواجهن ولم يبق لهن أمام شح الموارد وغلاء الأسعار سوى النزول إلى السوق، والبحث عن عمل يكفيهن شر الفقر المدقع، ولا ينتهي بهن إلى التسول في الشوارع والبحث عن لقمة العيش بطرق غير شريفة. إنهن عاملات وصاحبات كرامة.

إقرأ/ي أيضًا: أفريقيا.. ملاذ الموريتانيين الأخير من البطالة