30-يناير-2016

عيون القبيلة تراقب نساء اليمن (أ.ف.ب)

للقبيلة اليمنية أعراف صارمة تبقي الشباب اليمني حبيس لعنتها طيلة حياته، إن لم يُقتل كل من خالفها. وفي العرف القبلي، لا حديث عن الحب إلا بعد الزواج إذ يستنكر العرف، وبشدة، القول إن الحب شعور يطلق محاكاةً لمؤثرات مر بها الشخص فلا حول له ولا قوة أمامها.

للقبيلة اليمنية أعراف صارمة تبقي الشباب حبيس لعنتها طيلة حياته، إن لم يُقتل كل من خالفها. وفي العرف القبلي، لا حديث عن الحب إلا بعد الزواج

"أعين فضولية في قبيلتي تتبعت وراقبت تحركاتي حتى كشفت قصة حبي"، يقول محمد قاسم لـ"الترا صوت". ظل محمد متكتمًا بشأن قصة حبه مع إحدى قريباته لعام كامل، رغم معرفته أن هذا الحب من الخطورة بمكان، بحيث قد يؤدي إلى أذيتهما. يضيف محمد: "ما كنت أحس به من مشاعر صادقة كانت تغمرني أكثر من الخوف وتنسيني عنف القبيلة، عندما بدأت الشبهات تحوم حولنا وتم كشف أمرنا فررت من ريف منطقتي في محافظة اب، وسط اليمن، إلى ضاحية أخرى في المدينة، أما حبيبتي فتعرضت للضرب المبرح من أهلها، ما اضطرني إلى العودة ومصارحة قبيلتي بحبي لها، وكان أن تزوجنا لكن عيون القبيلة وعلى الرغم من مضي ثماني سنوات من تاريخ زواجنا لا تزال تنظر إلينا بعين الخطيئة والاحتقار".

مخاوف وقمع

الجهل والأمية اللذان يسيطران على قيادات القبائل اليمنية هو سبب تقديس العادات والتقاليد وهذا ما جعل الوضع أكثر تعقيدًا خصوصًا في المسائل العاطفية وأنتج خوفًا مبالغًا فيه. في هذا السياق، تتحدث علياء عبدالكافي لـ"الترا صوت": الحب هو الموت في قاموس قبيلتي والعقاب أقسى بالنسبة للمرأة، وذلك لأنني فقط أنثى يعتبرون أن وقوعي في الحب يعني مباشرة أن يلحقني عار طيلة حياتي وسيشار إلي وكأني ارتكبت رذيلة وقد أحرم من الزواج إلى الأبد".

توضح علياء: "إذا ما فكرت امرأة قبلية في الهروب من أجل حبها أو مخالفة العادات القبلية فإن أهلها سيتبرؤون منها ولن يكون لها مكان لتعود إليه، أذكر أنه كان يتزايد قلق أبي عندما يراني أصعد السلم التعليمي بتصدري المركز الأول كل عام إلى أن نجحت بتفوق في الصف السادس وهناك كانت النهاية، فبدلاً من أن يكرمني بالهدايا كما حصل مع إخوتي، كافأني بإخراجي من المدرسة وكانت الحجة أن كثرة التعليم يوقع الفتيات في الحب والخطيئة". 

ويبقى الخوف من تقاليد القبيلة ملازمًا للمرأة حتى تلك التي بلغت في دراستها المرحلة الجامعية، حيث التقى "الترا صوت" بطالبات في جامعة عدن أجمعن أن "خوف الآباء من وقوع بناتهن في الحب لا يجب أن يمنعهن من حقوقهن في التعليم والعمل وممارسة حياتهن بشكل طبيعي". في هذا الإطار، تقول الطالبة الجامعية نوال: "التوجه بكلمة واحدة بحسن نية إلى شاب إما إطراءً أو مدحًا أو حتى إعجابًا قد تخلق للمرأة المصائب في مجتمعنا، هذا المجتمع لا يؤمن إلا بآية قرآنية واحدة "فأتوا البيوت من أبوابها"، لكن الزواج لا يعني تحريم الحب".

وتخشى الكثير من الفتيات أن توقعهن الأقدار في مصائد الشباب المخادعين، وهذا هو حال سناء جمال، التي تقول إن حبها كان عفيفًا مع أحد جيرانها، غير أنها أدركت وبعد مرور أشهر أن "الشاب يتلاعب بها فتراجعت عن علاقتها به لإدراكها عواقبها الوخيمة جيدًا، وخوفًا على سمعتها"، وتؤكد سناء أن "هناك فتيات في قرى قريبة من قريتها قد فقدن حياتهن بسبب هذه المغامرة الفاشلة والمؤامرات الكيدية التي تحصل سواءً نتيجة الغيرة أو نتيجة ما يعتبر عيبًا وعارًا أو تجنبًا للقيل والقال".

القبيلة.. ميدان الفهم الديني

رغم كثرة الطقوس والعادات التي تقيمها بعض القبائل اليمنية، والتي لا علاقة لها بالدين الإسلامي أحيانًا كثيرةً، إلا أن شيوخ القبائل يؤكدون أنها مستمدة من صميم الدين الإسلامي. الشيخ أحمد قايد شيخ قبيلة آل يوسف، تحدث لـ"الترا صوت": "ما نعرفه منذ سنوات عديدة هو أن الحب يكون دائمًا بعد الزواج، وهذا متعارف عليه، فخرق هذا التقليد يعد خروجًا عن الدين وعن العادات القبلية، ناهيك أنه يمكن أن يضع سمعة القبيلة في الحضيض".

يربط شيوخ القبائل اليمنية معاداتهم للحب ولحقوق المرأة في اختيار من تشاركه حياتها بتطبيقهم تعاليم الدين الإسلامي

بخصوص تصريح الشيخ أحمد، أبدى الشيخ يحيى، أحد شيوخ نفس القبيلة، رضاه مؤكدًا: "الحب قبل الزواج جريمة، فالحب معناه التواصل والخلوة ثم الوقوع في الخطيئة وأي شيء مخالف لشرع الله، لن يسمو لفكرة قيام أسرة وإن أقيمت فإنها ستكون مفككة أو تصيبها لعنة الله على مدار الأجيال".

زواج على مقاييس القبيلة

في القبيلة اليمنية، يختار الأب أو "رجل المنزل"، الزوج المناسب للفتاة وهي لا تزال طفلة وغالبًا ما يكون أحد أقاربه. نبيلة أحمد، أوضحت لـ"الترا صوت" أن "أباها وبمشورة كبار العائلة زوّجها من ابن عمها ولم يسألها عن رأيها إن كانت تحبه وترغب في الزواج منه أم لا". نبيلة، التي عاشت طفولتها مع ابن عمها في منزل واحد وجمعتهم مائدة واحدة، أضافت أنها "كانت تعتبره طيلة الوقت أخًا لها فكان وقع خبر زواجها منه سيئًا حتى أنها ظلت فترة زمنية لا تستطيع استيعاب ما يجري حولها والاعتراف بالواقع"، وفق تعبيرها.

عن كل هذا تحدثت المختصة الاجتماعية مها عوض، لـ"الترا صوت": "تُمارس القبيلة دور القاضي وتقمع الحب وتريد من خلال ذلك إثبات قوتها وقيامها كدولة ضمن حدودها، كدولة مستقلة داخل الدولة وهذا لم يعد مجديًا ولا يجب أن يتواصل".

اقرأ/ي أيضًا:

رجال اليمن.. الخزي والعار لمن يتزوج موظفة!

قاصرات اليمن على مائدة الزواج المبكر