09-ديسمبر-2015

احتجاجات سابقة في فبراير الماضي ضد استخراج الغاز الصخري في الجزائر(بشير رمزي/الأناضول)

مشاهد مختلفة لغليان سياسي واجتماعي في الجزائر هذه الأيام، صور تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة شديدة، أما البرلمان الجزائري فعلى فوهة بركان، عراك وتشابك بالأيدي بين نواب أحزاب السلطة ونواب المعارضة والسبب المصادقة على قانون الموازنة/المالية لسنة 2016، والنتيجة كانت تفوق الأغلبية البرلمانية وأحزاب السلطة وبالتالي المصادقة على القانون لتسقط أحلام المعارضة، التي رأت في القانون إجحافًا في حق الجزائريين ومحاولة لتفقير المواطن البسيط.

رفضت أحزاب المعارضة في البرلمان الجزائري قانون الموازنة لسنة 2016 واعتبرته محاولة لتفقير المواطن البسيط

المعارضة المجتمعة في سبع كتل سياسية تحت قبة البرلمان وصفت القانون بـ"أخطر قانون في تاريخ الجزائر"، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك لتسجل أن قانون المالية للسنة المقبلة "يلغي البعد الاجتماعي للدولة". اشتد الصراع في مقر مجلس نواب الشعب وارتفعت الأصوات بأن الجزائر مقبلة على احتجاجات عارمة ستدفع فاتورتها الباهظة من جيوب المواطن وصور البعض الجزائر "بالأسود" خلال سنة 2016 خصوصًا مع تواصل انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية.

أما بعيدًا عن البرلمان وفي المنطقة الصناعية بالرويبة، حوالي اثنين وعشرين كيلومترًا من مركز العاصمة الجزائرية، تمثل المشهد في حراك اجتماعي مطلبي، حيث خرج آلاف من عمال الشركة الوطنية للسيارات الصناعية إلى الشارع وقاموا بغلق كل الطرقات المؤدية إلى قلب العاصمة مطالبين بصرف رواتبهم المتأخرة. الاحتجاج عرف انزلاقات خطيرة إذ تم اعتقال العشرات من العمال واحتدت المواجهة والتدخل من قوات مكافحة الشغب.

ولم تمر إلا بضع ساعات حتى خرج سكان البيوت الفوضوية بمنطقة "درقانة" بالعاصمة الجزائرية إلى الشارع بعد قرارات محافظ الجزائر بتهديم المحلات والمساكن الفوضوية وعدم تعويض التجار والسكان. وارتفعت الاحتجاجات ووصلت إلى حد غلق الطريق أمام مرور الترامواي وإحراق العجلات المطاطية مما أدى إلى تشابك بين السكان وقوات مكافحة الشغب. ورفع المحتجون العديد من الشعارات والمطالب تمحورت حول "ترحيلهم إلى مساكن لائقة وتعويض التجار بمحلات أخرى"، مهددين بالاستمرار في الاحتجاج وغلق الطرقات إلى غاية تلبية كافة مطالبهم.

أصبح الحراك الاجتماعي في الجزائر أشبه برد فعل على قوانين يراها المواطن "مجحفة" في حقه

الظاهر أن الحراك الاجتماعي في الجزائر أصبح عبارة عن ردة فعل على قوانين يراها المواطن "مجحفة" في حقه كقضية رفع أسعار البنزين المرتقب في السنة المقبلة، أيضًا إيقاف توظيف حاملي الشهادات العليا فضلًا عن قرارات عشوائية بترحيل سكان أحياء الصفيح وتهديم محلات فوضوية. كلها قرارات ألهبت الشارع الجزائري، الذي انكسر حاجز الخوف لديه، بعد أن عانى لسنوات من ويلات الإرهاب فكان قبل سنة 2000 يجنح نحو الأمن والاستقرار فقط ولكنه يتحول اليوم إلى قوة ضاربة في الشارع تحركه قرارات سياسية واحتقان الأوضاع أيضًا.

كما أن هذه الاحتجاجات تعكس الهشاشة الاجتماعية في الجزائر وهو ما يعني أن السياسات التي اتبعتها الحكومة لم تفكك المشكلات الاجتماعية المتراكمة في المجتمع الجزائري والمتصلة بالشغل والسكن والصحة والتعليم والبنية التحتية. وقد سجلت الجزائر أزيد من أحد عشر ألف احتجاج في السنة الماضية مما يعطي صورة عن ضعف بنية الأطر المدنية والفاعلين وغياب قوى المجتمع المدني وبالتالي فهي لا تعبر عن انشغالات المواطن ويضطر المواطن للاحتجاج والإضراب.

وإذا حاولنا مقارنة الاحتجاجات في السنوات الأخيرة واستدعينا التاريخ مع طبيعة الاحتجاجات التي كانت في العقود السابقة، نجد أن كل الاحتجاجات لها سياقها السياسي والتاريخي لكن اللافت أن الاحتجاجات في فترة التسعينيات أي ما بعد تشرين الأول/أكتوبر 1988 كانت ذات عناوين سياسية وجزء من حراك سياسي مطلبي، بينما الاحتجاجات في السنتين الأخيرتين أغلبها ذات طابع اجتماعي بحت وغير متناسقة وغير متزامنة ومتفرقة، لأن المواطن الجزائري صار يرفض الانخراط تحت أي غطاء مدني أو سياسي وأخذ زمام المبادرة للاحتجاج بنفسه قصد تحقيق مطالبه. المواجهة في الشارع اليوم تفرض على النظام في الجزائر ردة فعل تهدئ المواطنين وتبسط هدنة اجتماعية في الشارع. 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر.. الصناعات التقليدية تعاني عديد الصعوبات

المطلقات في الجزائر.. حقوق مهدورة وتحرش جنسي