18-مايو-2016

لا عنف حلب في ثورتها/ 2012 (أ.ف.ب)

الثورات العربية، التي بدأت سلمية في معظمها، لم يخطر ربما ببال مشعليها أبدًا أن اللاعنف مرعب أكثر في معادلة القوى المتصارعة على مقاعد السلطة، ذلك أن المتوقع أن يكون العنف هو الوسيلة الرسمية لأي تغيير قد يحدث لتغيير الوجوه السلطوية. وتعودت السلطة على أنها الضرس الذي يجب خلعه في سبيل الحرية. لكن تبين مؤخرًا، وخاصة بعد النموذج السوري، أن البعض يريد تصدير الفوضى كأسلوب أوحد لأي تغيير مرغوب.

تبين مؤخرًا، وخاصة بعد النموذج السوري، أن البعض يريد تصدير الفوضى كأسلوب أوحد لأي تغيير مرغوب

الفيلسوف البريطاني "برتراند راسل" له رؤية مثالية إلى حد ما عن اللاعنف، يقول إنه "سلوك عقلاني يهدف إلى تفادي الصراع مع طرف معين أو أطراف محددة بغية إحلال السلام مع الجهات التي قد تكون سببًا في التوتر وإقناع الآخرين أن الحروب تؤدي إلى الكثير من الخسائر المادية والبشرية". والسؤال الأول الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: "ماذا لو دُفعت الأطراف إلى العنف دفعًا لأنه يفيد طرفًا على حساب الطرف الآخر في لعبة السياسة؟ إذًا السياق الذي نتحدث عنه هنا هو سياق يسمح بهامش الاختلاف وبهامش من الحرية ولو ضئيل، ويسمح بمجابهة القمع ولو بقدر قليل".

أقرأ/ي أيضًـا: احتجاجات الجزائر.. العيش الكريم أولًا ودائمًا

أسلحة حرب مختلفة

في عالمنا العربي يعد كتاب "حرب اللاعنف" من أهم المصادر التي تناولت هذا الموضوع بالتفصيل وأهم فصل في هذا الكتاب هو في تقديري الفصل الذي يتحدث عن نوعية السلاح في حرب لا مكان فيها للعنف ولكن أيضًا لا مكان فيها لاستجداء الحرية. يفرق الكاتب بين اللاعنف القائم على المفاوضات والاسترضاء والآخر القائم على وسائل أخرى للضغط ويقسم تحولات اللاعنف إلى ثلاثة أقسام: الاحتجاج اللاعنيف، اللاتعاون والتدخل.

الاحتجاج اللاعنيف يتمثل في حملات التنديد والاحتجاج التي رأينا أمثالها على السوشيال ميديا: أمثلة حملة "الكاميرا بتهزك" للاحتجاج على اعتقال فرقة أطفال الشوارع بمصر، أو جمع بيانات المعارضة، كما شملت الاعتصامات والمشاهد المسرحية التهكمية و"الكوميكس" المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، والغناء والبرامج الساخرة وأيضًا الجنازات الكبيرة وهي من الأمور التي تحاربها الأنظمة القمعية بعنف لمعرفتها دلالاتها الرمزية.

الهدف الحضاري من رفض الأمر الواقع وتغييره هو خلق مجتمعات متكاتفة لا يعجبها الظلم وهضم الحقوق ولا يقودها الاعتراض إلى حتفها

أما عدم التعاون فهو في المقام الأول يعني مقاطعة الخصم، تلك المقاطعة التي تسبب له مشكلات كمقاطعة وسائل الإعلام المحرضة. والتدخل قد يكون نفسيًا كتلقيب الخصم بألقاب تقدح فيه أو الإضراب عن الطعام، أما التدخل الجسدي فهو التدخل الذي يمارس فيه الاعتراض بالجسد مثل الاعتصام بالوقوف أو برفع لافتات صامتة، أو بالصمت مثل الفيديو الذي صوره بعض الشباب الصامتين اعتراضًا على اعتقال فرقة أطفال الشوارع.

أقرأ/ي أيضًـا: مصر.. النيابة تصر على سجن "أطفال الشوارع" 

في نقطة مهمة وردت في أساسيات اللاعنف، يتحدث الكتاب عن الفارق بين الاحتجاج والمقاومة ويفعل ذلك بأبسط الطرق الممكنة، يقارن بين احتجاجه وصراخه وهو طفل حين يغضب وبين رفض أخيه الانصياع دون صراخ أو جلبة وكان يقول: "ارتبط درسي الأول الذي تعلمته عن العصيان المدني بولادة أخي، حيث كنت مفتونًا بإصرا ره البريء على تنفيذ ما يشاء وبالطريقة التي يشاء، وعندما لا يرغب في عمل شيء فإنه ببساطة يرفض ولا يساوم على هذا الرفض، وهو ما كان مغايرًا تمامًا لما كنت عليه، حيث أنني كنت ابنًا مطيعًا جدًا".

ويضيف الكاتب: "ولا أقصد بهذا أنني لم أكن أعترض، فلقد كنت أصيح بشكل عنيف وأصرخ وأجادل، ولكن عندما ينتهي هذا الاحتجاج والصراخ فإنني أنصاع للأمر في نهاية المطاف. وقد ساعدني هذا التباين بيني وبين أخي كثيرًا في فهم الفارق بين مفهوم المقاومة والاحتجاج، في أن الاحتجاج قد يكون مجرد تعبير عن موقف ثم العودة والإذعان".

لذلك تحديدًا فإن مظاهرات جمعة الأرض مثلًا، التي احتشد فيها المصريون تنديدًا بصفقة الجزيرتين تيران وصنافير، اللتين تم ضمهما للسعودية، يمكن أن تدخل في نطاق الاحتجاج، أما مظاهرات 1968، التي حدثت في فرنسا بين طلاب الجامعة والتي كان من نتائجها إضراب أكثر من 1500 عامل مصنع تضامنًا مما أدى إلى شلل تام في حركة الإنتاج، فيمكن أن تسمى هذه الإضرابات مقاومة. الهدف الحضاري من رفض الأمر الواقع وتغييره هو خلق مجتمعات متكاتفة لا يعجبها الظلم وهضم الحقوق ولا يقودها الاعتراض إلى حتفها.

أقرأ/ي أيضًـا:

مصر.. السلطات تطارد "أطفال الشوارع" بسبب "فيديو"

الولايات المتحدة صامتة بينما #حلب_تحترق