20-أكتوبر-2016

الزفاف في شوارع القاهرة.. صور محمد الشامي/ وكالة الأناضول/ Getty

أفرع النور تتصدر المشهد، الفرحة تعم أرجاء المكان، الكل يرقص على نغمات الدي جي، التهاني تنهال على أسرة العروسين، زغرودة تشق هذة الضوضاء المبهجة تتبعها مجموعة من الزغاريد، الجميع يلتفت إلى باب القاعة الذي دخل منه المأذون، يدخل المأذون وهو يشعر أنه أصبح مركز الحدث، يصل إلي منضدة فرشت بالبياض حيث ينتظره والد العروسة ووكيلها، يقوم العريس من الكوشة ويبدأ كتب الكتاب، فجأة وفي ذروة مراسم كتب الكتاب، تهجم الشرطة إلى القاعة باندفاع شديد، ويتجه قائدهم إلى العريس ويلقي القبض عليه وسط ذهول وذعر الجميع وهو يقول له أنت مطلوب القبض عليك لأنك متهرب.

سرت همهمة بين الجميع في حين سأل العريس متهرب من ماذا؟ فيجيبه الضابط بلهجة خطيرة: "أتدعي بأنك لا تعرف"، يبيض وجه العريس ويصرخ قائلًا: "والله لا أعرف، متهرب من ماذا"، ينظر إليه الضابط باذدراء "ستعرف في النيابة"، ويشير للعساكر بأن يأخذوه.

يذهب والد العروسة التي فقدت الوعي إلى الضابط ويترجاه أن يبلغه بتهمة عريس ابنته لكي يحدد موقفه منه، ولكن الضابط أبى إلا أن يأخذ لذته كاملة غير منقوصة وذلك بزيادة نبرة الخطورة في صوته قائلًا: "كيف تركته يقوم بما قام به يا حاج"، فرد الرجل المسكين متسائلًا "وماذا فعل الرجل يا ابني" ثم أستدرك "يا باشا" بعدما لمح نظرة غاضبة من الضابط، رد الباشا "ستعرف في النيابة يا حاج" أما أنا فلا يجوز لي أن أعلمك بجرم زوج أبنتك.

ذهب العريس إلى النيابة وكله أمل في أن يكون هناك خطأ ما هو الذي أودى به إلى هذا المصير، واستسلم لهذا الأمل

ركب العريس في سيارة الشرطة وكل ما يسيطر على ذهنه مشهد القبض على حسن الهلالي من فرحه في فيلم أمير الأنتقام، وأخذ يفكر في ماذا فعل؟ هو متأكد أنه لم يفعل شيء، هو مواطن أغلب من الغلب يسير بجانب الحيطان إن لم يجد له مكانًا بداخلها، أيكون أحد المرشدين قد سمعه وهو يجادل عم حسنين صاحب عربة الفول في ثمن ساندويتش الفول، الذي برر الزيادة وقتها بارتفاع سعر الدولار، وعندما أبدى هو تعجبه من ارتفاع الدولار، وتأثيرة على كل شيء لم ينبهه لهفوته إلا رعب عم حسنين وتلفته حوله؟

أيكون خطيب عروسه السابق قد دبر له هذة المصيبة؟ طرد الفكرة من ذهنه وهو يقول يبدو أنني ما زلت تحت تأثير الفيلم.

اقرأ/ي أيضًا: ضرائب بالجملة في مصر.. والمشرعون معفون منها!

ذهب العريس إلى القسم وبات في زنزانة القسم لعدم وجود نيابة مسائية، أستيقظ على هزات قدم الحارس وهو يوقظة قائلًا له بتهكم "صباحية مباركة يا عريس، قم من النوم فوكيل النيابة يريد أن يبارك لك"، ذهب العريس إلى النيابة وكله أمل في أن يكون هناك خطأ ما هو الذي أودى به إلى هذا المصير، واستسلم لهذا الأمل وأخذ يتخيل وكيل النيابة وهو يتسائل مستنكرًا عن الذي أتى بهذا المواطن المحترم إلى هنا، وأخذ في غمرة تخيلاته يتصور أن وكيل النيابة أصدر له جواب اعتذار رسمي عما بدر من سلطات الدولة تجاهه هو وعروسه وأسرتيهما، وابتسم وهو يتصور اعتذار الضابط الذي قام بنهره أمام أهله، وتصور كيف أنه سيعفو عنه عند مقدرته.

خرج العريس من تخيلاته بدخوله إلى الطرقة المؤدية لمكتب وكيل النائب العام والتي وجدها مكتظة عن آخرها بمجموعة من العرسان الذين يرتدون مثل بذلته مع تفاوت الأشكال وإن كانوا في أغلبهم من طبقته، وبسؤاله لأول من أقترب منه عما أتى به إلى هنا وجده يجهش بالبكاء ويحدثه عن ظروف القبض عليه من وسط حفل زفافه بطريقة تكاد تكون مطابقة لطريقة القبض عليه.

اقرأ/ي أيضًا: "غير مسبوق" هو سيد الموقف في مصر

ذُهل العريس وأنتظر وهو واجم السر الذي يجعل الشرطة تقبض على معظم العرسان، وأخذ يحدّث نفسه متسائلًا "ما الذي يحدث، هل منعوا الزواج في البلد؟" هز العريس رأسه قائلًا "وهل هذا معقول"، ولكنه سرعان ما راجع نفسه "أليس من الممكن أن يكون البرلمان قد أصدر تشريعًا منع فيه الزواج وهو لم يعرف لأنه لم يقرأ جريدة الأمس ولا اليوم لانشغاله بترتيبات الزواج، كل شئ جائز".

أخذ يؤنب نفسه "أنا أكيد اللي غلطان، كيف أحاول الزواج والبلد تمر بهذة المرحلة المحورية"

أخذ يؤنب نفسه "أنا أكيد اللي غلطان، كيف أحاول الزواج والبلد تمر بهذة المرحلة المحورية، ألم تكن البلد أولى بتكاليف زواجي، ولكن من أين لي أن أعرف أنهم منعوا الزواج".

دخل العريس إلى وكيل النائب العام الشاب الذي سأله عن اسمه وسنه وصنعته ومحل سكنه بصورة آليه ثم قال له أنت متهم بالخروج على النظام العام وإشاعة الفوضى والبلبلة وتكدير السلم العام والسعى الى إسقاط الدستور ومخالفة أحكام القانون لتهربك من دفع ضريبة الزفاف. دهش العريس من كم الاتهامات التي وجهت إليه ولم يتفوه بكلمة واحدة، فقال له وكيل النيابة هل تنكر أنك كنت ستتزوج؟

احتار العريس بما يجيب ولكنه وجد نفسه يهز رأسه بعلامة النفى، فبادره الوكيل بالسؤال الثاني على الفور: وهل دفعت ضريبة الزفاف؟ فكان سكوته أعمق. قال الوكيل: "سؤالي واضح، دفعت الضريبة أم لا؟" فرد العريس: "أنا لا اعرف بوجود مثل هذه الضريبة لأني لم أقرأ جريدة الأمس ولا جريدة اليوم". قال الوكيل: "أنت إذن معترف.. يحبس أربعة أيام ويحال إلى المحكمة بالتهم المذكورة عليه".

ملحوظة: أحداث هذة القصة قد تكون غير حقيقية ولكنها متوقعة الحدوث بعد فرض ضريبة على الزفاف بمصرنا المحروسة.

اقرأ/ي أيضًا:
العسكر والإرهاب.. ثنائية هدر الإنسان المصري
الأزمة تنفجر.. ضبط مواطن متلبسًا بـ"10 كيلو سكر"
أدون لكي لا أنسى الحرية