05-نوفمبر-2015

المجتمع صار استهلاكيًا (Getty/China photo press)

العقود المنصرمة كانت تتميّز ببعض المنتجات والسلع التي لم تبرح تفارق منازلنا وأنماط حياتنا لسنين طوال دون أي تذمّر أو شعور بأننا لا نواكب اّخر صيحات الموضة. فمن منّا لم يكبر ويتقدم في العمر على رؤية التلفزيون ذي المدفع، الذي يتطلّب غرفة أخرى ليتسع فيها أو الهاتف ثقيل الوزن الذي كان قطعة أثاث منزلي ننقلها من منزل لآخر دون ملل، وقس على ذلك الكثير من المنتجات.

ومع ازدياد عدد وحجم الشركات متعددة الجنسيات وتوحّش المنافسة فيما بينها من جهة، والتقدّم التكنولوجي الهائل من جهة أخرى، أصبح المجتمع استهلاكيًا أكثر من أي وقت مضى. فإذا امتلكت تلفزيون "ال سي دي" عام 2000 تشعر أنك لا تواكب الموضة إلاّ باستحواذك على تلفزيون "ال اي دي" بعد عام وشاشة ثلاثية الأبعاد من بعدها. أما إذا امتلكت أيفون 2 في العام 2011 فإنك تتأمل ألاّ يخيّب ستيف جوبز ظنّك بإطلاق أيفون جديد بعد ستة أشهر إذ من غير اللائق أن يسبقك مستهلكو سامسونغ فيما هو أحدث.

نمط حياة الملايين يتطلّب ارتشاف قهوة ستاربكس مقابل خمسة دولارات فيما كلفتها تقارب الصفر وذلك لاقتناعنا بأننا نمارس أسلوب حياة أفضل

وما هي الحداثة في هذة الحالة؟ بالطبع ليس تغيرًا "ثورجيًا" كالانطلاق من جيل قديم إلى جيل ذكي أو جيل غير رقمي إلى آخر رقمي بل مجرّد زيادة في ميغابيكسلات كاميرا الهاتف أو انخفاض بضع غرامات في وزنه. الأمر الذي يتطلّب التخلّص من القديم وامتلاك الجديد أسوة بالأقران الذين يمارسون ضغطًا على خياراتك.. أمّا إذا كنت قد امتلكت كنزة خضراء من الماركة التي تتميّز بتمساحها ألا وهي لاكوست منذ بضعة أشهر، قد تقبل على شراء كنزة خضراء أخرى من الماركة نفسها لأن شكل التمساح هذا العام قد أصابه تغييرًا على لونه وشكله ولا يصّح أن لا تواكب ذلك. وهذا التغيير يصيب حصان رالف لورين الشهير من عام إلى عام.

اقرأ/ي أيضًا: اقتصاد الشركات يتجاوز اقتصادات الدول

قديمًا كانت الدول تتوسّع استعماريًا للحصول على أسواق جديدة لمنتجاتها. الأمر الذي لم يعد بالسهولة التي كان عليها سابقًا، وذلك لصعوبة الاستعمار ولسيادة الشركات عوضًا عن الدول. فما هو الملاذ لزيادة الإنتاج المقدور عليه نتيجة التقدم التكنولوجي وتصريفه؟ لعلّ النمط الاستهلاكي السائد واللعب على سيكولوجيا المستهلك وخلق حاجات جديدة تقع في صلب نمط حياته الذي لا يكتمل إلاّ بها يشكّل الإجابة الشافية.

من هذا المنطلق أصبح المجتمع استهلاكيًا لماركات نردّد أسماءها ليلًا ونهارًا وندّخر للحصول عليها. فنمط حياة الملايين يتطلّب ارتشاف قهوة ستاربكس مقابل خمسة دولارات فيما كلفتها تقارب الصفر وذلك لاقتناعنا بأننا نمارس أسلوب حياة لا يكتمل إلاّ بذلك. إنه عصر الاستهلاك والموضة الكونية سريعة التغيّر وتحكّم الماركات العالمية بأذواقنا وخياراتنا وحاجاتنا وحتى رغباتنا حتى غدونا أسرى لمنتجات وسلع. لست بمعرض الانتقاد فقد أكون أسيرًا أيضا ولكن لا بد من تسليط الضوء لنستعيد حقنا بالانتقاء وإطالة عمر بعض ما نحصل عليه بمبالغ ليست بزهيدة البتّة.

اقرأ/ي أيضًا: أسرار نجاح أيفون