21-مايو-2016

البطيخ الأحمر فاكهة الجزائر الأولى(Getty)

لكل شعب من الشعوب طبيعته وميولاته الغذائية التي تشكل شطرًا من هويته العامة، وما قد يكون مكروهًا أو ممنوعًا أو محرّمًا أو مزهودًا فيه في بيئة معينة، قد يصبح الأكثر إقبالًا عليه في بيئة أخرى، وقد نجد أكلة أو فاكهة ما تحقق الإجماع في المعمورة كلها، مع تفاوت نسبة الولع بها والإنفاق عليها.

يجمع الجزائريون على اعتبار البطيخ الأحمر الفاكهة الأولى في يومياتهم خلال الفترة الممتدة من نهاية نيسان/أبريل إلى نهاية أيلول/سبتمبر

من هذه الفواكه التي تكاد تكون حاضرة في جميع مزارع العالم ومطابخه، رغم أن موطنها الأصلي هو أفريقيا الجنوبية، البطيخ الأحمر أو "الحبحب" أو الرقي أو "الدلّاع" كما يُجمع الجزائريون على تسميته على اختلاف مناطقهم، تمامًا كما تجمع الغالبية منهم على اعتباره الفاكهة الأولى في يومياتها خلال الفترة الممتدة من نهاية أبريل/نيسان إلى نهاية سبتمبر/أيلول، ذلك أن هناك ثلاث دفعات لزراعة الدلّاع في الجزائر، أكثرها حلاوة وانخفاضًا في الأسعار دفعة آب/أغسطس القادمة من المناطق الجبلية.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تستيقظ جيدًا دون كافيين؟

يُزرع البطيخ الأحمر في الجهات الأربع للجزائر، بعد أن انضمت مؤخرًا المنطقة الجنوبية ذات المناخ الصحراوي الجاف، خاصة منطقتي غرداية ووادي سوف، 600 كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة، إذ يمنح الهكتار الواحد فيهما ما بين 70 إلى 80 طنًا، ما أهلهما للتصدير خارج الجزائر خاصة إلى السوق التونسية.

تعد دفعة نيسان/أبريل، أو ما يسميها الجيل القديم "الذْواقة" أي بداية تذوق طلائع الغلال، الأغلى سعرًا في الأسواق، إذ يندر أن تجد بطيخة حمراء بأقل من أربعمائة دينار أي ما يُعادل أربعة دولارات، مع ذلك فإن الجزائريين يقبلون على شرائها على حساب فواكهَ أغنى قيمة غذائية وأرخص سعرًا، بل على حساب اللحم والسمك أحيانًا.

يفسر الحاج مفتاح في سوق مدينة الرغاية لـ"الترا صوت" أسباب هذا الميل إلى الدلاع بكونه يكسر الروتين الغذائي بالنظر إلى أنه يتوسط فصلي البرد والحرارة، وإلى أن حجمه الكبير يجعل منه فاكهة جامعة للعائلة. يقول: "إنه من الفواكه القليلة التي تحقق للأسرة لحظات ممتعة يلتقي فيها جميعُ أفرادها بكل ما ينجر عن ذلك من حميمية وأحاديث".

يرافق الدلاع كسكسيَّ الأعراس والولائم التي تزدهر في فصل الصيف، كما يرافق وجبات السحور في رمضان، وكيسَ الهدايا عند التزاور، ويتعدى بيعُه محلات الخضر والفواكه التي تمتلك سجلات تجارية، إلى شاحنات صغيرة تُركن في أرصفة الطرقات وتجوب التجمعات السكنية، من غير أن يحدثَ صراخ وتزمير سائقيها انزعاجَ السكان، عكس صراخ وتزمير باعة سلع أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: خيارات الجسد.. الكربوهيدرات أم الدهون؟

يحرص الجزائري على شراء البطيخ الأحمر على حساب فواكه أغنى قيمة غذائية وأرخص سعرًا، بل على حساب اللحم والسمك أحيانًا

السائد أن الجزائري يطالب البائعَ بإحداث شق صغير في البطيخة بواسطة خنجر، حتى يتأكد من نضجها وحلاوتها، تسمى العملية "الطابع"، ويكون البائع ملزمًا بتغييرها إن لم ترض زبونه. من هذا الباب ينتشر المثل الشعبي "الزهر في الدلاع"، الذي يعني أن الاعتماد على الحظ يكون في البطيخة عند شقها، أما ما سوى ذلك فثمرة للحرص والاجتهاد.

من المثير للغرابة أن ولع الجزائريين بالبطيخ الأحمر يأتي مع اعتقاد نسبة كبيرة منهم بأنه فاكهة فقيرة من الناحية الغذائية، بالمقارنة مع فواكهَ مرافقة له في الموسم مثل العنب والتفاح والخوخ والرمان، وهو اعتقاد يراه المستشار الغذائي سفيان. ح مجانبًا للحقيقة العلمية. يقول لـ"الترا صوت" إنه يريد من المستهلك الجزائري أن ينتقل من استهلاك الدلاع من باب الولع المحض، إلى استهلاكه على أساس أنه فاكهة مفيدة.

يذكر محدثنا أوجه الفائدة الصحية لـ"معشوق الجزائريين" بالقول: "إلى جانب نجاعته في تزويد الجسم بالماء، فإن البطيخ الأحمر مضاد للأكسدة ومقوي للقلب ومستبعد لعدة سرطانات منها سرطان الثدي والبروستات ومثير للانتصاب ومزيل لالتهابات المفاصل ومنظف للكلى وخافض لضغط الدم والوزن الزائد".

من طرائف موقع فيسبوك ذات الصلة بالبطيخ الأحمر، ودحضًا لتبرير الأب الجزائري عدمَ شراء كتب تثقيفية لأولاده بكون الكتاب بات غاليًا، أقدم مجموعة من "الفيسبوكيين" على إطلاق مبادرة تدعو إلى التخلي عن شراء بطيخة كل أسبوع ليتم شراء كتاب بثمنها.

اقرأ/ي أيضًا:

المنشطات.. عودة إلى الحرب الباردة

كيف تتخلى عن مسكنات الألم؟