كما كان متوقّعًا، سقطت هدنة إدلب، وانهار معها اتّفاق وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد الأخيرة. هذا بالضبط ما يقولهُ الميدان، وما تؤكّده المعطيات الميدانية والسياسية أيضًا، في ظلّ غياب أي إعلان عن انتهائها رسميًا، لربّما سعيًا من الأطراف الضامنة، تحديدًا الأتراك، للحفاظ على الاتّفاق الهشّ لأطول فترةٍ ممكنة من خلال حثّ روسيا على إجبار النظام الالتزام بالاتّفاق ووقف هجماته وانتهاكاته، لا سيما بعد تصريح وزير الخارجية التركيّ مولود جاويش أوغلو بأنّ الحديث عن انهيار الاتّفاق لا يزال مبكّرًا.

لم تكن الهدنة المتمخّضة عن اتّفاق روسيّ – تركيّ في منطقة خفض التصعيد في سوريا إلّا على محكّ الانهيار

لم تكن الهدنة المتمخّضة عن اتّفاق روسيّ – تركيّ، ومنذ دخولها حيّز التنفيذ منتصف ليل السبت الأحد 11/12 كانون الثاني/ يناير الجاري، إلّا على محكّ الانهيار. فالتصعيد لم يهدأ إطلاقًا، والطائرات التي غابت عن سماء المنطقة ليومين تقريبًا، تولّت مهماتها المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ مواصلةً استهداف المدنيين رغم الهدنة المعلنة، وسط حديث متواصل لإعلام النظام عن اقتراب معركة الحسم في إدلب وأرياف حلب الغربية والجنوبية التي استقدمت إليها مؤخّرًا تعزيزاتٍ وصفت بالضخمة.

اقرأ/ي أيضًا: إدلب بعد الهدنة الروسية - التركية

كانت طائرات النظام خلال الأيام الأولى للهدنة قد ألقت منشورات ورقية فوق قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبيّ الشرقيّ، تدعو المدنيين إلى مغادرة المنطقة عبر معابر أبو الضهور والحاضر والهبيط أيضًا، وتطلب من الفصائل الاستسلام، مؤكّدةً أنّ ميليشيات الأسد لن تتراجع حتّى تسيطر على كامل المناطق المحرّرة في الشمال السوريّ، غير مباليةً بما توصّل إليه الأتراك والروس من اتفاقيات لم تثبت فاعليتها في وقف الهجمات على مناطق خفض التصعيد.

وتماشيًا مع سعيها المحموم لوقف الهجمات على المنطقة ومنع حدوث أزمةٍ إنسانية كبيرة ستتسبب بخلق موجة نزوح جديدة في منطقة تضمّ نحو 4 ملايين مدنيّ، وقد تتحمّل وحدها نتائجها، واصلت تركيا مباحثاتها مع روسيا التي رتّبت لقاءً في العاصمة موسكو بين رئيس مكتب الأمن الوطني التابع للنظام علي مملوك، ورئيس جهاز الاستخبارات التركية حقان فيدان، دون الخروج بنتائج إيجابية، بل يمكن القول أيضًا إنّ اللقاء عمّق الخلافات بين الطرفين.

نتائج لقاء مملوك – فيدان السلبية كانت قد انعكست سريعًا على التصريحات الإعلامية للطرفين، حيث سارعت وسائل إعلام النظام إلى اعتبار اللقاء جزءًا من محاولات التطبيع معه، مؤكّدة أنّ مملوك طلب من فيدان احترام السيادة السورية وانسحاب القوات التركية من أراضيها، وأخبره أنّ الدولة، وفي إطار حربها على الإرهاب، مصمّمة على استعادة السيطرة على كامل إدلب ومحطيها. في المقابل، رأى البعض أن هناك اصرارًا تركيًا على إنهاء ملفات إدلب وليبيا بناءً على التصريحات التركية، حيث هدّد الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان قبل أيام خليفة حفتر ووصفه بـ"الفارّ"، وأكّد أنّ تركيا ستتصدّى بنفسها للنظام السوريّ إن استمرّ في حملته البرية والجوية على منطقة خفض التصعيد.

في خطوة من شأنها أن ترفع منسوب التوتّر في المنطقة، تداولت وسائل إعلام محلّية أخبارًا تتحدّث عن طلب الأتراك دعمًا للفصائل المقاتلة من الولايات المتّحدة الأمريكية، وأنّ أنقرة رتّبت لقاءً بين عددٍ من قادة الفصائل ومسؤولين أمريكيين اليوم، الجمعة 17 كانون الثاني/ يناير، لبحث مسألة التسليح والدعم العسكري واللوجيستي المطلوب لتدارك الوضع الميدانيّ، وإيقاف هجمات ميلشيات الأسد وروسيا بالقوّة هذه المرّة، بعد أن برهنت السياسية على فشلها في تحقيق ذلك.

استأنفت المقاتلات الحربية الروسية برفقة طائرات النظام، منذ ليل الثلاثاء 14 كانون الثاني/ يناير الجاري، قصفها لمدن وبلدات محافظة إدلب

على خطٍّ موازٍ، استأنفت المقاتلات الحربية الروسية برفقة طائرات النظام، منذ ليل الثلاثاء 14 كانون الثاني/ يناير الجاري، قصفها لمدن وبلدات محافظة إدلب، حيث شنّت ستّ غارات على بلدات داديخ وخان السبل والهرتمية، وجدّدت قصفها في اليوم التالي، الأربعاء 15 من الشهر نفسه، قصفها مدن معرة النعمان وكفرنبل، وبلدات معرشمشة وتلمنس والبارة وحرش بينين، قبل أن تستهدف منتصف النهار منطقة الصناعة وسوق الهال في مدينة إدلب بعدّة غاراتٍ راح ضحيتها أكثر من 20 مدنيًا، ونحو 70 جريح.

اقرأ/ي أيضًا:  تقدير موقف: اتفاق إدلب.. فرص النجاح وتحديات التنفيذ

تزامنًا مع استئناف الطائرات الحربية قصفها للمنطقة، دارت مساء الأربعاء اشتباكات عنيفة بين قوّات النظام وفصائل المعارضة على محاور ريف إدلب الشرقيّ، انتهت بسيطرة الميليشيات على قرية أبو جريف وتل خطرة، قبل أن تبدأ الفصائل المقاتلة يوم أمس هجومًا معاكسًا تمكّنت خلاله من طرد الميلشيات من أبو جريف وإعادة فرض سيطرتها عليها، موقعةً أكثر من 20 قتيلًا قالت الفصائل إنّ غالبيتهم يتّبعون لميلشيا لواء القدس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نزوح أكثر ومساعدات أقل.. مجزرة إدلب مستمرة

قانون "قيصر" الأمريكي.. هل يلُف حبل المشنقة حول رقبة الأسد؟