22-مايو-2017

تظاهرة منددة بجرائم الأسد في الولايات المتحدة (محمد بلال كيناساري/الأناضول)

قبيل قمة الرياض التي زار فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الملكة العربية السعودية، أقر مجلس النواب الأمريكي ما يُسمى إعلاميًا بقانون "قيصر" لحماية المدنيين السوريين، وذلك في 18 أيار/مايو من العام الجاري، وهو القانون الذي عُطل من قبل إدارة أوباما، اعتمادًا على تسويات سياسية بين الولايات المتحدة وروسيا حول الأزمة السورية ويدعو القانون لحماية المدنيين السوريين من جرائم الحرب التي يرتكبها النظام السوري وداعميه، كما يوقع عقوبات صارمة على النظام السوري وداعميه، سواء كانوا أشخاصًا أو دولًا أو كيانات، بما فيهم روسيا وإيران وحزب الله.

قانون "قيصر" في انتظار توقيع البيت الأبيض

و"قيصر" أو "سيزار"، هو الاسم الحركي الذي اختاره ضابط سوري منشق عن النظام في عام 2014 كاحتياط أمني حفاظًا على حياته، وقام هذا الضابط بتسريب ما يقرب من 55 ألف صورة لجرائم النظام السوري، والتي اعتمدتها لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة والمكلفة ببحث جرائم الحرب في سوريا، لإثبات تورط نظام بشار الأسد في عمليات تعذيب وقتل ممنهجة للمدنيين، كما أن هناك تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في شباط/ فبراير الماضي تحت عنوان "المسلخ البشري"، يذكر أن حوالي 13 ألف مدني، أعدموا شنقًا بشكل سري في سجن صيدنايا العسكري شمالي دمشق، على مدار السنوات الخمس الأخيرة.

"قيصر" هو الاسم الحركي الذي اختاره ضابط منشق عن النظام السوري، سرّب 55 ألف صورة لجرائم الأسد

مر قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين بعقبات كثيرة وحيل سياسية حالت دون إقراره من قبل إدارة أوباما التي اتبعت سياسة البعد عن التدخل العسكري في المنطقة العربية، هذا قبل أن تتغير السياسة الأمريكية بالكامل، ليصوّت مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة على القانون المذكور، ليكون ضمن القوانين القليلة التي تصدر بموافقة أغلبية الحزبين الجمهوري والديمقراطي. 

اقرأ/ي أيضًا: الأمم المتحدة تصوت على محاسبة مجرمي الحرب في سوريا

وخلال الأيام القليلة المقبلة سيُحال القانون إلى مجلس الشيوخ للبت في أمره، وفي حال أقره المجلس يُرسل إلى البيت الأبيض، ليعتمده الرئيس ويوقع على القانون. وحتى الآن لم يعلن البيت الأبيض عن موقفه حيال القانون، ولكن البوادر الأولية تشير نحو مباركة البيت الأبيض، بخاصة بعد الضربة الأمريكية لقاعدة الشعيرات الجوية التابعة للنظام السوري الشهر الماضي، على خلفية مجزرة خان شيخون، وفي ظل توطد العلاقات الأمريكية السعودية التي بالطبع تعادي نظام بشار وداعميه.

أهم ما ينص عليه القانون

أقر الكونغرس الأمريكي، بحسب نص قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، بأن أكثر من 15 مليون سوري أصبحوا في عداد اللاجئين أو النازحين طول السنوات الخمس الماضية، مُعتمدًا تقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان، والذي ينص على أن ما يزيد على 60 ألف سوري بمن فيهم أطفال، لقوا حتفهم في السجون السورية منذ العام 2012، وأن أفعال بشار الأسد الإجرامية ضد الشعب السوري تسببت في وفاة أكثر من 400 ألف مدني، وأدت إلى تدمير ما يزيد على 50% من البنى التحتية الحيوية لسوريا، وإجبار 15 مليونًا على النزوح، ما عجّل بحدوث أسوأ أزمة إنسانية منذ أكثر من 60 سنة. 

كما أقر بأن تمسك الأسد المستمر بالزعامة وأفعاله في سوريا، يعد بمثابة عامل جذب للفكر المتطرف لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة فتح الشام (النصرة سابقًا)، كما أشار نص القانون إلى الأسلحة التي استخدمها النظام السوري، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية، وأساليب التعذيب والإعدامات وحرق الجثث.

ويسعى قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين من جرائم الحرب والمجازر الإنسانية التي تُمارس ضدهم، سواء من النظام أو من مليشيات أجنبية داعمة له، أو دولاً تقف بجانب بشار الأسد. ويفرض القانون عقوبات اقتصادية على كل من الدول التي تمول أو تتعامل مع الحكومة السورية أو بنك سوريا المركزي، أو كل من يتعامل تجاريًا مع القطاعات الرسمية للحكومة السورية.

كما يتضمن القانون قائمة بأسماء مسؤوليين سوريين، تُفرض عليهم العقوبات، منهم قادة عسكريون في سلاح الجو والاستخبارات العسكرية ومسؤولون عن الأمن السياسي، وصولاً إلى بشار الأسد نفسه وأسرته. وتشمل العقوبات حظر التأشيرات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وحظر علاقات العمل مع المواطنين الأمريكيين، وحجز أي ممتلكات أو أرصدة للأسماء التي تضمنتها القائمة على الأراضي الأمريكية، في حالة العثور عليها، كما تُدرج أسماء المتورطين من الدول الأخرى خلال 30 يومًا من توقيع الرئيس الأمريكي على القانون، ويدخل القانون حيز التنفيذ بموعد أقصاه 120 يومًا من توقيعه.

يفرض قانون قيصر عقوبات على الأسد وأسرته وقادة نظامه وكل من يدعمه من كيانات ودول، دون أن يذكر روسيا وإيران!

ولم ينص قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين على توقيع العقوبات على روسيا أو إيران، ولكن يُفهم ضمنيًا من النص المذكور أن روسيا وإيران وحزب الله يدخلون ضمن أهم الداعمين للنظام السوري، وبالتالي يقعون تحت طائلة العقوبات المذكورة. ويحدد القانون شروطًا معينة لرفع العقوبات، أهمها التوصل لآلية واتفاق جذري لوقف الحرب الأهلية في الأراضي السورية، وحظر استخدام المجال الجوي السوري من قبل السلاح الجوي للنظام أو الكيانات الداعمة له، والتوقف عن قصف المدنيين السوريين والهجوم عليهم، بالإضافة للإفراج عن المعتقلين السياسيين داخل سجون الأسد.

تداعيات قانون قيصر: هل يجبر الأسد على الرحيل؟

في أول رد فعل رسمي من الإدارة الروسية على القانون المذكور، ندد سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، بمشروع قانون قيصر، متهمًا الإدارة الأمريكية والساسة الذين عملوا على تمرير القانون، بـ"العمل لصالح الإرهابيين، والسعي لإسقاط السلطة الشرعية للبلاد، وإزالة النظام القائم في سوريا، لا للوصول لتسوية سياسية للأزمة السورية، الأمر الذي يفتح المجال أمام الجماعات المتطرفة للسيطرة على مقاليد الحكم هناك".

يعتبر قانون قيصر رمزيًا، إلا أنه يمكن استخدامه مستقبلًا كورقة ضغط لإجبار الأسد على الرحيل

ومن ناحية أخرى علّق جوشوا والكر مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق على قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين باعتباره خطوة رمزية لمجلس النواب الأمريكي لتبييض وجهه على الساحة الدولية، بسعيه لخطوات جدية لحل الأزمة السورية، لأن الكونجرس في النهاية ليست لديه السلطة لشن حرب على النظام السوري، ولا يتبنى مثل هذه الاستراتيجية حتى الآن، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب له سياسة مختلفة عن الرئيس السابق أوباما، وقد قام بقصف سوريا من قبل. 

اقرأ/ي أيضًا: في حلب.. الأسد وأمريكا يتبادلان الأدوار

وعلى الرغم من أن قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين يعتبر رمزيًا، إلا إنه يمكن استخدامه مستقبلاً كورقة ضغط قوية لإجبار الأسد على المغادرة، في حال اجتمعت الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها من الدول العربية، لتشكيل شراكة حقيقية للضغط على الأسد.

يبدو أننا إذن بصدد صراعات ذات صدى واسع ستشهدها الساحة السياسية خلال الأيام القليلة المقبلة، فيما يخص الأزمة السورية، بخاصة بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران، يتحدد على إثرها إما زيادة الاحتقان بين أنظمة الدول المذكورة، أو الوصول إلى تسوية سياسية بشأن بشار الأسد وجرائمه في سوريا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل نشهد حربًا أمريكية على إيران قريبًا؟

سوريون في هولندا للأسد: "سي يو إن لاهاي"