12-يناير-2020

(Getty) سوريون وسط الأنقاض في أعقاب الضربات الجوية التي شنها النظام على سوق بنش

أعلنت وزارة الدفاع الروسية مساء الخميس، 9 كانون الثاني/ يناير الجاري، وقف إطلاق النار في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، بناءً على اتّفاق توصّلت إليه كلٌّ من تركيا وروسيا بشأن منطقة خفض التصعيد الأخيرة، في الوقت الذي كثّفت فيه الطائرات الحربية التابعة للنظام وسلاح الجو الروسيّ استهدافها لمدينة معرّة النعمان وريفيها الشرقيّ والجنوبيّ، في خرق واضح للهدنة المعلنة من جانب الروس فقط.

ترفض تركيا بشكلٍ قاطع الشروط الروسية القاضية بدخول الشرطة المدنية التابعة لحكومة الأسد إلى منقطة خفض التصعيد

رأت مصادر محلّية أنّ الحديث عن الهدنة، رغم الإعلان الروسيّ، لا يزال أمرًا مبكِّرًا، باعتبار أنّ اتّفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا لم يوقّع بعد، حيث كانت المباحثات لا تزال جارية بين الطرفين في اليوم التالي لإعلان وزارة الدفاع الروسية، أي يوم الجمعة 10 كانون الثاني/ يناير الذي انتهى بإعلان وزارة الدفاع التركية توصّل الجانبين إلى اتّفاق لوقف الهجمات البرية والجوية التي ينفّذها النظام السوريّ على منطقة خفض التصعيد الأخيرة، على أن يدخل الاتّفاق الجديد حيّز التنفيز عند منتصف ليل السبت – الأحد.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: اتفاق إدلب.. فرص النجاح وتحديات التنفيذ

رافق الحديث المتزايد عن الهدنة الجديدة أخبارًا تُفيد بأنّ روسيا رفعت سقف مطالبها للالتزام بوقف إطلاق النار، مستفيدةً ممّا حقّقته ميدانيًا بعد سيطرة الميليشيات التي تُشغِّلها في حملتها الأخيرة التي بدأت في تشرين الثاني/ نوفمبر على نحو 50 قرية في ريف إدلب الجنوبيّ والشرقيّ.

الأخبار المتداولة في المنطقة تُفيد بأنّ روسيا أضافت شروطًا جديدة على الشروط القديمة التي تمخّضت عن اتفاق سوتشي بين الرئيسين التركيّ رجب طيب أردوغان والروسيّ فلاديمير بوتين، أي حلّ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقًا) وذراعها المدنيّ "حكومة الإنقاذ"، ورسم حدود المنطقة منزوعة السلاح بعمق يتراوح بين 15 إلى 20 كيلومتر حول منطقة محافظة إدلب ومحيطها، أي ريف حلب الغربيّ والجنوبيّ، وحماة الشماليّ، وريف اللاذقية الشرقيّ. بالإضافة إلى العمل على سحب السلاح الثقيل من المناطق المذكورة، وإدخال بعض مؤسّسات النظام المدنية إلى المنطقة، وعلى رأسها الشرطة المدنية.

الحديث عن إقامة منطقة منزوعة السلاح في منطقة خفض التصعيد الأخيرة جاء بعد أن تمكّنت ميليشيات النظام مدعومة بغطاءٍ ناريّ روسيّ، من تجاوز حدود المنطقة الآنفة، وقضم أجزاءٍ كبيرة منها، أي المنطقة المفترض أن تكون بموجب الاتّفاق خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، منها قلعة المضيق وكفرنبودة في ريف مدينة حماة الشمالي، خطّ الدفاع الأوّل عن محافظة إدلب، ومعها بلدات مورك واللطامنة وكفرزيتا التي سقطت بعد وقوعها في الحصار الناتج عن سيطرة قوّات النظام على مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبيّ.

الأخبار المتداولة تُفيد بوجود عثرات عديدة بين تركيا وروسيا حول ملف إدلب والشمال السوريّ، إذ ترفض تركيا بشكلٍ قاطع الشروط الروسية القاضية بدخول الشرطة المدنية التابعة لحكومة الأسد إلى المنقطة، مقدّمةً تمكين الحكومة السورية المؤقّتة بأجهزتها الأمنية والعسكرية من إدارة المناطق المحرّرة بديلًا لمطالب روسيا المصرّة على إدخال مؤسّسات الأسد المدنية إلى مدن معرّة النعمان وسراقب وأريحا وجسر الشغور، تمهيدًا لإحكام السيطرة على الطريقين الدوليين (M5)، و(M4)، مما يعني عزل مناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل عن بعضها، وقطع طرق الإمداد إليها.

ميدانيًا، كثّفت طائرات النظام وروسيا من غاراتها على منطقة خفض التصعيد بعد يومٍ واحد من إعلان وزارة الدفاع الروسية وقف إطلاق النار في المنطقة، حيث استهدفت الغارات الأحياء السكنية في مدينة معرّة النعمان وريفها: معرشورين ومعرشمارين ومعصران وتلمنس ومعرشمشة والدير الشرقي والحامدية والدير الغربي.

بينما قامت يوم أمس، السبت 11 كانون الثاني/ يناير، عشية دخول اتّفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، بارتكاب ثلاثة مجازر في مدينة إدلب حيث أفرغت طائرة حربية حمولتها وسط المدينة المكتظّة بالسكّان والنازحين، مما أدّى لمقتل عدد من المدنيين وإصابة أكثر من 40 آخرين. بالإضافة إلى مجزرة أخرى في بلدة بنش أسفرت عن مقتل 4 مدنين وإصابة العشرات، تلتها غارات مكثّفة استهدفت المنازل السكنية في بلدة النيرب، موقعةً أربعة قتلى وعشرات الجرحى معظمهم من النساء والأطفال.

وعلى الرغم من الإعلان الروسيّ والتركيّ حول التوصّل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار، إلّا أنّ العديد من المنظمات والمؤسّسات المدنية والإغاثية كانت قد حذّرت المدنيين من العودة إلى قراهم في الريف الشرقيّ والجنوبيّ لمدينة معرّة النعمان باعتبار أنّه لا توجد ضمانات حقيقية لسلامة وأمن العائدين في ظلّ استمرار قوّات النظام بقصف الأرياف الآنفة بالمدفعية وراجمات الصواريخ، وخرقها بشكلٍ مستمر للهدنة المُعلنة.

ويرى أهالي محافظة إدلب أنّ الهدنة الجديدة مجرّد خدعة روسية، لا تختلف إطلاقًا عن الهدن السابقة التي شهدتها المنطقة منذ تطبيق مخرجات مؤتمر أستانا وتوقيع اتّفاق سوتشي. مُعتبرين أنّ الهدنة في الوقت الحالي لا تصبّ في مصلحة الثورة، لا سيما بعد الضربات الموجعة التي وجّهتها فصائل المعارضة لقوّات النظام من خلال هجماتها المعاكسة التي أوقعت خسائر بشرية كبيرة في صفوف الميليشيات.

كثّفت طائرات النظام وروسيا من غاراتها على منطقة خفض التصعيد بعد يومٍ واحد من إعلان وزارة الدفاع الروسية وقف إطلاق النار فيها

الخلاصة أنّ الفصائل لا تنظر بعين الرضا إلى الهدنة، لا سيما وأنّها أتت دون أبعاد واضحة، أو تفاصيل مُعلنة لناحية مُخرجات الاتّفاق الذي تمخّضت عنه، والمدّة المُحدَّدة لها أيضًا، مما يجعلها أمرًا غامضًا إنّ دلّ على شيء فهو يدلّ على استمرار المباحثات الروسية – التركية حيال هذا الملف الشائك والمعقّد.

اقرأ/ي أيضًا: عين الأسد على استعادة إدلب.. هل يصمد اتفاق سوتشي؟

وإلى ذلك، كانت المراصد المحلّية في ريف إدلب قد وثّقت بعد نحو ساعة تقريبًا من دخول الهدنة حيّز التنفيذ عند منتصف ليلة السبت – الأحد، أكثر من 30 رماية صاروخية ومدفعية استهدفت قُرى معرشورين وكفرباسين، في خرق واضح ومبكّر للهدنة استمرّ حتّى ساعات الصباح الأولى، حيث عادت مدفعية النظام قصف قُرى تلمنس ومعرشمشة ومعرشمارين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المدنيون في إدلب.. ورقة بيد النظام وروسيا

الجولاني والبغدادي.. من ربح الحرب الأهلية الجهادية؟