14-نوفمبر-2015

من موقع تفجيرات برج البراجنة (جوزيف عيد/أ.ف.ب/Getty)

تقول المراسلة في قناة الجديد اللبنانية، نوال بري، في تغطيتها لليوم الثاني بعد الانفجارين اللذين وقعا في برج البراجنة إنه و"بفضل العناية الإلهية لم يقع ضحايا أكثر". هذا الكلام الذي يعتبر بنظر البعض عاديًا غير أنه، إعلاميًا، ليس بكلام مهني.

وإذا أردنا، في هذا السياق، الكلام عن الأخطاء المهنية التي تقع فيها الوسائل الإعلامية في لبنان، في ما يخص أعداد الضحايا وأسماءهم، فيمكننا أن نحصي كمًّا هائلًا من الأخطاء، رغم تكرار التجربة. فسارعت المحطات الإعلامية في تقاذف أرقام عشوائية عن أعداد الضحايا كالعادة. أما الأسوأ من ذلك فهو الحشرية في معرفة أسماء الشهداء، حيث سألت إحدى مراسلات قناة الجديد واحدًا من الجرحى الذي كان على الأرض عما إذا كان يعرف أسماء بعض الشهداء. تلك الحشرية التي تهدف إلى خلق سبق صحفي، والذي قد يحدث في هذه الحالة ذعر في قلوب ذويهم والأهل، هو عمل غير مهني إطلاقًا.

اقرأ/ي أيضًا:
المصورة الهنجارية تُلهم اللبنانية راشيل كرم

في سياق آخر، ساهمت بعض وسائل الإعلام كـ LBCI مثلًا في تصوير موقع الانفجار على أنه معقل لحزب الله، كما ورد في بيان "تنظيم الدولة الإسلامية" التي تبنّته. فيما تضم برج البراجنة أحياء وعائلات فقيرة من مختلف الخلفيات، وضحايا هذا الانفجار ليسوا إلا بمدنيين أبرياء، أما تصوير انفجار الانتحاريين على أنه وقع في منطقة لحزب الله ويستهدف الشيعة ليس إلا خدمة للقاتل. بالإضافة إلى ذلك، فالأسئلة السطحية للمراسلين فهي إما ناتجة عن فتح الهواء لفترة طويلة وبطريقة عشوائية. وإما عن قلة مهنية المراسل وقلة معرفته كإدمون ساسين الذي سأل أحد الموجودين في مكان الانفجار :"شكلها رجعت الانفجارات عالضاحية، حتخافو؟". يأتي صوت المذيع من جهة أخرى في اتصال مع النائب الممدد لنفسه نوار السحالي ليسأله عن وضع المخيمات الفلسطينية والتوتر الذي سينتج فيها جراء الانفجار. هنا، "تنبّأ" الإعلامي، أو فرض أن المخيمات ستتحرك بعد حادثة الانفجار. حرّض ربما، لا تنبأ.

تعتبر الصورة أيضًا عاملًا أساسيًا في التغطيات خصوصًا في الإعلام المرئي والإعلام الإلكتروني نظرًا لسرعة تناقلها وانتشارها

تعتبر الصورة أيضًا عاملًا أساسيًا في التغطيات، خصوصًا في الإعلام المرئي والإعلام الإلكتروني، نظرًا لسرعة تناقلها وانتشارها. وفي هذه الحالة على الوسيلة الإعلامية بوجه عام، والإعلامي بوجه خاص، أن يكون دقيقًا في نشره للصور أو تركيزه على هذه الزاوية أو تلك في التغطيات. فالمبادئ الأخلاقية للـTF1 مثلًا تركز في شرعتها على الوقع الذي قد تحدثه الصورة على المشاهد، وكيفية التعاطي مع مشاهد العنف، كما وعملية تكرار المشاهد التي تعتمدها المحطات.

فنشر صور أشلاء الانتحاري أو عرض صور حصرية من موقع التفجير حيث تظهر فيها فجاعة الحادثة والدماء، مخالفة للمبادئ الأخلاقية وقد تحدث حالة من الذعر والخوف عند المشاهد، وهذا ما حصل في تغطيات الانفجارات، كما وتغطيات مسلسل الانفجارات الذي ضرب لبنان في السنوات القليلة الماضية. بالإضافة إلى ذلك، فتركيز الكاميرا على مسرح الجريمة لمدة ساعة أو أكثر، وإعادة نشر مشاهد أولية للانفجار لا تعطي معلومات إضافية للمشاهد بقدر ما تلعب على مشاعره لتضعه تحت وطأة الحدث وتبعياته، لدرجة أنها تثير في بعض الحالات الاشمئزاز بسبب المبالغة فيها. لذلك فتعامل التلفزيون مع هذه الحالات يجب أن يكون دقيقًا للغاية.

اقرأ/ي أيضًا:
أشلاء الضحايا ليست معرضًا

في الكلام عن الصورة أيضًا، ساهمت بعض التلفزيونات في نقل صور مباشرة من المستشفيات لمدنيين تحت صدمة الانفجار يتلقون العلاج اللازم. العمل الذي يعتبره بعض المراسلين بطوليًا هو منافٍ للمهنية. فنقل صور لأناس في حالات مماثلة هو بهدف السبق الصحفي، فيه تعرّض للكرامة الإنسانية أكثر مما فيه نقل للواقع والحدث.

تضعنا التغطيات للانفجارات والحروب أمام تساؤلات عديدة، خصوصًا بعدما أصبحت الصورة هي العنصر الأهم في نقل الخبر مع تطوّر وسائل التواصل. والإشكالية المطروحة في هذا السياق:" ماذا تخدم أو تقدم هذه الصورة للمشاهد في حال نشرت؟".

أما إذا أردنا الحديث عن المواقع الإلكترونية التي تنقل الأخبار، فغالبًا ما تتجه الأخيرة إلى نشر مشاهد حساسة بهدف الحصول على نسبة مشاهدة عالية، ويعتبر نشر صور وفيديوهات من مواقع الانفجار مادة دسمة بالنسبة للمواقع. فتصبح متداولة على صعيد واسع.

إن أزمة الصورة وكيفية التعامل مع الخبر في ظل تطور وسائل التواصل، ما زالت تشكل صعوبات بوجه الوسائل الإعلامية اللبنانية بهدف الوصول إلى تقديم مواد إعلامية أكثر مهنية. في هذا السياق لا بد من وجود أجهزة فاعلة تراقب الأخطاء الإعلامية بهدف تحسين واقع هذه الوسائل في لبنان.

اقرأ/ي أيضًا:
إعلام لبنان الإسخريوطي