02-سبتمبر-2015

استهدف الحراك التيار الوطني الحر أيضًا (أ.ف.ب)

المذيعة: لماذ الإصرار على الزج باسم الرئيس بري في موضوع الفساد؟

الوزير: نستغرب فعلًا.

السؤال ليس مزحة كما سيعتقد كثيرون، خاصةً من اللبنانيين. فالمذيعة هي منار صباغ، مقدمة برنامج "بانوراما اليوم"، على قناة المنار، التابعة لحزب الله، والوزير هو وزير الصحة، علي حسن خليل، من حركة أمل.

هذا السؤال الكفيل بإظهار موقف واضح لتبييض صورة أحد الزعماء المشاركين في فساد هذا النظام تاريخيًا. وهذا ليس اتهامًا مباشرًا للرئيس بري، إنما يكاد يكون نقلًا طبيعيًّا لحديثٍ شائع ومعروف في الشارع اللبناني، عن رئيس البرلمان لأكثر من عشرين عامًا. وعمومًا، المنار، جزء من السلطة السياسية، لأنها تابعة لحزب من الأحزاب التي تكوّن هذه السلطة. هذه الوسائل الإعلامية التي تعتبر إحدى الأدوات المهمة سلطويًا.

إذًا، تعمل السلطة في لبنان على ضرب الحراك الشعبي بمختلف الأساليب، مستخدمةً أدوات القمع الأمني المباشر، كرش المتظاهرين بالمياه أو استعمل القنابل المسيلة للدموع، والرصاص المطاطي، بالإضافة إلى سلاح أخطر يتمثل بخطابات التمييز والطبقية بحق المتظاهرين. ولا بد من أن إحدى أهم أدوات النظام لإفشال أو تشويه أي تحرك مطلبي في وجه السلطة السياسية في لبنان هي الإعلام. ذلك الإعلام الموجه الذي يتبنى خطاب الأحزاب السياسية، الطائفية طبعًا. فالوسائل الإعلامية حصلت على تراخيصها بناءً على مبدأ المحصاصة الطائفية، وهي بالتالي تشكل أداة للأحزاب المشاركة في تكوين هذا النظام وتساهم أيضًا في تأمين استمراريته.

ادعت المحطة البرتقالية أن الحراك غير واضح المعالم ذلك لأن الحراك استهدف التيار الوطني الحر أيضًا

ومما لا شك فيه، أن تجاهل الحراك الشعبي وعدم توفير التغطية الكاملة للتظاهرات، كانت إحدى أوجه تعامل إعلام السلطة مع هذا الحراك في بداية المطاف. هل ستقف السلطة ضدّ نفسها؟ اللافت أيضًا أن الصراع الطبقي الذي تتعاطاه السلطة على الشعب تبلور في تغطية أحداث الحراك من قبل الصحف المحلية ومحطات التلفزة الداعمة للسطة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عنونت صحيفة "l’orient le jour"، الإثنين 24 آب/أغسطس، "من ترك كلابه بين المتظاهرين؟". وتقصد الصحيفة بالكلاب أولئك المتظاهرين الذين يعبرون عن غضبهم من الطبقة الحاكمة مستخدمين "العنف". فالصحيفة المذكورة تبنّت الخطاب التي تعتمده الطبقة السياسية من خلال تصنيف المتظاهرين وتمييزهم إلى قسمين، السلمي الذي لم يستعمل العنف، والذي أشار إليه وزير الداخلية والبلديات في تصريحاته وخصّه في تحية في إحدى تغريداته على مواقع التواصل الاجتماعي، والآخر الذي استعمل العنف كآداة للتعبير، والذي عيّرته الصحيفة بصفة "الكلاب" مع لمز وهمس من باب الفوارق الطبقية على نحوٍ لا يخلو من العنصرية.

 في السياق نفسه نشرت صحيفة "المستقبل"، الواقعة في الضفة المقابلة للمنار، الإثنين ذاته، سلسلة من الصور بالأبيض والأسود على امتداد الصفحتين الرابعة والخامسة معنونةً "الدولة تنفض آثار الحقد: الأحد الأسود في لقطات"، عارضةً صور للقوى الأمنية تستعمل العنف مع المتظاهرين من خلال رشهم بخراطيم المياه وصورة لواجهة إحدى المحال التجارية في سوليدير/البلد، المتضررة من ممارسات المتظاهرين. ذلك رغم أن شعبًا بأسره تضرر من سوليدير. وبالتالي فقد تبنت الجريدة موقف وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق.

من الواضح إذًا، أن الصحيفة حاولت المبالغة في تصوير الضرر الاقتصادي التي تعرضت له سوليدير جراء عنف المتظاهرين، ذلك الموقف الذي لا يخلو من الطبقية، بالإضافة إلى خطاب "الإندساس" الذي روجت له الفئة السياسية نفسها، المبني على أساس طائفي وطبقي واضح.

وكي لا ننسى، أنه موقف "مستعار" من نظام الأسد. الموقف نفسه تبنته الصحيفة نفسها ومحطة المستقبل أيضًا من الحراك يوم السبت في 29 آب/أغسطس. فقد حورت الجريدة أهداف الحراك الذي ما زال طور النشوء، بما يتماشى مع مصالحها ومواقفها السياسية، معنونةً على الصفحة الرئيسية صباح الأحد 30 آب/أغسطس "الشعب يطالب برئيس.. والشغب يريد إسقاط النظام". واصفة، في العدد إياه، المتظاهرين في ساحة رياض الصلح بالمشاغبين كما وصنّفتهم افتراءًا على أنهم "سرايا مقاومة"، مجموعات تابعة لحزب الله، ومشيدةً بممارسات القوى الأمنية "السلمية" و"صبرها"على المتظاهرين "المشاغبين". كما أنها اتبعت سياسية النقد الهدام للحراك، حالها حال بعض الصحف كالديار وغيرها التي عملت على الترويج إلى أن الحراك "أمريكي".

محطة المستقبل أيضًا استعملت الخطاب نفسه في مقدمتها في النشرة المسائية يوم الأحد في 30 آب/أغسطس، واصفةً المتظاهرين في ساحة الشهداء على أنهم حضاريين، مشيدة بالتحرك، بينما نعتت من كانوا في رياض الصلح بالمشاغبين، فهؤلاء يهدّدون "المصالح الاقتصادية للسلطة". قناة الـ"أم تي في"، الشهيرة بعنصرّيتها المركبة، صنّفت المتظاهرين الذين مارسوا أعمال العنف على أنهم يمارسون رياضة رخيصة. ببساطة، هذا هو الإعلام الذي يعبر عن موقف السلطة ويتغاضى عن أن المناوشات والصدامات مع الأمن قد تحدث في أي مكان في العالم خلال ثورة سلمية، وأن هذه الوسيلة هي طريقة تعبير للمتظاهرين عن مستوى الضغط الاقتصادي الذي يعيشونه والوضع المادي الذي يعيش فيه هؤلاء الناس. هذا الضغط الاقتصادي والاجتماعي الذي تمارسه القوى السياسية المهيمنة على مفاصل البلد،  يشكل المتظاهرين، بتعبيرهم العنفي، خطرًا على مشاريعها ومصالحها الاقتصادية. لهذه الأسباب، حاول إعلام الأحزاب تشويه الحراك.

صحيفة المستقبل دافعت عن سوليدير وحاولت تقسيم المتظاهرين إلى نوعين متبنية خطاب وزارة الداخلية

من جهتها أظهرت قناة الـ"otv" رفضها لموقف المتظاهرين بفساد كل الطبقة السياسية، مشددة على عدم التعميم بهذا الشأن. ادعت المحطة "العونية" أن الحراك غير واضح المعالم، ذلك لأن الحراك استهدف التيار الوطني الحر أيضًا. وإضافة إلى ذلك لجأ الموقع الإلكتروني التابع للتيار إلى شن هجوم على الناشط أسعد ذبيان، الذي يعد أحد المنظمين في حملة طلعت ريتحكم، إحدى المجموعات الكثيرة المشاركة في الحراك، نابشةً له رأيًا شخصيًا بمسألة دينية، كان قد كتبه الأخير منذ عام تقريبًا، والهدف من ذلك تشويه صورة الحراك. اتهمته بالإلحاد. وسرعان ما رفع نواب من التيار دعوى ضدّ الناشط، بتهمة... الإلحاد!

يظهر خوف النظام من الشعب بالخطابات المتبعة من  أقطاب السلطة وتصريحاتهم، والتي يتبناها إعلام السلطة ويضع على أساسها طرق لتغطية الحراك والتعامل مع غضب الناس. فالسلطة هذه على خبرة ومعرفة جيدة بجمهورها ويسهل عليها، بامتلاكها القوى الأمنية والاقتصادية والإعلامية، مواجهة أي تحرك مطلبي من أهدافه الإطاحة بهذا النظام الطبقي الفاسد.

ومما لا شك فيه أن هنالك بعض الوسائل الإعلامية التي وقفت مع الحراك ودعمته كالمؤسسة اللبنانية للإرسال، وتلفزيون الجديد، الذي صنفه البعض إلى نسخة مدنية/ السلمية، وأخرى لم يعلن عنها بعد ربما، من خلال تغطية واسعة للتظاهرات خصوصًا في يوم 29 آب/أغسطس، وتبني الخطاب المطلبي للمتظاهرين والترويج للحملة، من دون أن يعني ذلك الوقوع في بعض الأخطاء المهنية الطفيفة. وطبعًا، هذا كله شيء، وتغطية صحيفة "الأخبار"، التي أمست محسوبة على حزب الله، المتخبطة شيء آخر. ففي الأيام الأولى للحراك، ساندت الصحيفة المتظاهرين، لكنها سرعان ما عادت وانصاعت إلى خطاب حزب الله، مستحضرةً خطاب البعث القديم الذي يتحدث عن "تمويل نفطي وغازي"، وما إلى ذلك من شعارات أكل الزمن عليها وبصق.


عن العنصرية في الإعلام اللبناني انقر هنا